قصد البحث في متطلّبات أقلمة هيئات تقنين الإعلام مع المنظومة الرّقمية، اجتمعت إحدى وعشرون هيئة تقنين من القارة الإفريقية والعالم العربي والفضاء الفرنكفوني، اليوم الخميس، بالعاصمة المغربية الرباط. وتحدّثت لطيفة أخرباش، رئيسة الهيئة العليا للاتّصال السّمعي البصري (الهاكا)، عن التحدّيات التي يواجهها المسؤولون عن تقنين الإعلام أمام كبر وعمق وسرعة التحولات المرتبطة بالثورة التقنية الرقمية. وبيّنت أخرباش أنّ المكلّفين بتقنين الإعلام ليسوا الوحيدين الذين يعيشون وضعية طوارئ فعليّة، مضيفة أنّ فلاسفة وعلماء اجتماع ومتخصّصين في العلوم الجديدة تساءلوا عن نشأة نوع جديد من "الوضع البشري" بفعل استعمال "الرّقمي" و"الوضعية الرقمية". وأكّدت رئيسة "الهاكا" أن لتقنين الإعلام وظيفة ديمقراطية، وأنّ المقنّنين يطرحون أسئلة للصالح العام عن كيفية حفظ الأفراد والمجتمعات، والإنسان في مجمله، من تحدّيات التلاعب، وتهديد العيش المشترك، والمسّ بالكرامة الإنسانية، والحدّ من الإرادة الحرّة للمواطن والنّقاش، وخرق الحياة الخاصّة، وسلب الملكيّة الفكرية. وزادت أخرباش قائلة: "يجد المقنّنون أنفسهم أمام هذه التحديات مدفوعين لإعادة التفكير في مقارباتهم، وتجديد مناهجهم، وهم في حالة فريدة من نوعها في العصر الرقمي، والناس في تيه العالم الرقمي، وصراعات الهاشتاغ، ومغلقون في منطق، ونظام تواصل يهمّ فيه المضمون أقلّ من عدد المتّصلين". ودعت المتحدّثة المقنّنين إلى "تقوية قدراتهم وشرعيتهم للإجابة على انتظارات التقنين وحساسية الوسائط لها"، مشدّدة على الحاجة إلى "خفض عدم التّناسق الحاضر في الوضعية الحالية الموسومة بعيش مشترك بين إعلام سمعي بصري خطّيّ مقنّن بقوّة، وإعلام رقمي أفقي تفاعلي بعيد عن مجالات التقنين". وقدّمت أخرباش مجموعة من التحدّيات التي تواجه هيئات التّقنين في عصر تعدّدت فيه مسؤولياتها في سياق جديد يتطلّب الوقاية من الصور النمطيّة، عبر الوقاية من التطرّف في ظلّ وضعية تقاطب الرأي العام بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، والحاجة إلى تقنين التدفّق الرقمي وقرصنة الأعمال، وتطبيق نظام قانوني لمسؤولية المنصّات يقوم على مبدأ "حياد الشّبكة"، ودعم الصحافة ذات القيمة. وترى رئيسة الهيئة العليا للاتّصال السّمعي البصري أنّ القناعة الوحيدة في هذا السياق هي أنّ "الديمقراطية لن تعمل بشكل صحيح دون مواطنين على علم، عبر وسائل إعلام جديدة وكلاسيكية، حرّة ومتعدّدة وأخلاقية"، ثم أجملت قائلة: "في هذا الإطار تندرج أعمال المقنِّنين، ومقارباتهم الخاصّة لإيجاد مسار نحو نموذج تقنين مبدع يواجه الوضعية الرقمية، ويكون مستداما يدلّ على الالتزام في سبيل حرية التعبير، والقيم الديمقراطية للتعدّد والتنوّع وحقوق الإنسان والعيش المشترك". بدوره، تحدّث نوري اللجمي، رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في تونس، عن ضرورة الوعي بالتحولات الرقمية لتعميق الفهم بالمجال السمعي البصري، وضمان تدفّق الآراء، قصد "تركيز الدّيمقراطية". ومن بين التحدّيات التي قدّمها رئيس الشبكة الفرنكوفونية لمقنّني وسائل الإعلام ما تطرحه "نيتفليكس" التي تبَثّ مضامينها في 200 بلد، بميزانيات ضخمة سبق أن أنتجت عن طريقها 80 فيلما في عام 2018، لتكون بذلك أكبر منتج في العالم. وتقصد الندوة الدولية حول "تقنين وسائل الإعلام في منظومة رقمية"، وفق بلاغ لها، الإسهام في تفكير جماعي حول ملاءمة تقنين الإعلام مع العصر الرقمي، ل"ما تشكّله هذه الإشكالية من تحدّ ضاغط ورهان أساسي بالنسبة لمجموع هيئات التّقنين". وذكرت الهيئات المشاركة، حَسَبَ المصدر نفسه، أنّها "أضحت ملزمة بالاضطلاع بمهامّها وفق إطار معرفيّ جديد، وبتوظيف روافع مبتكرة تتلاءم مع منظومة رقمية معولمة، ما يمكّنها من ضمان نفاذ ونجاعَة عملها". وجاء في الأرضية التأطيرية لهذه الندوة الدولية التي تستقبلها العاصمة الرباط اليوم الخميس وغدا الجمعة، أنّ هيئات التقنين تواجه "ضغطا متزايدا من قبل الرّأي العام الذي أصبح يستشعر ضرورة تقنين الإنترنت، ولاسيما فيما يخصّ محاربة خطابات الكراهية وحماية المعطيات الشّخصية وتدبير مخاطر الذّكاء الصناعي"، مسجلة "الحاجة المستعجلة" ل"تحديد الإجراءات والأطراف المعنية بهذا التّقنين المستقبلي."