لقد كشف ما يسمى بالربيع العربي عن الوجه الحقيقي للديمقراطية عند العرب, ذلك أن الديمقراطية عند الغرب ليست هي الديمقراطية عند العرب رغم أن الغرب و العرب يختلفان من حيث الكتابة في حرف واحد فقط هو عين الكلمة، فالديمقراطية كما عرفها أهل الاختصاص و طبقها الغرب بكل إخلاص, في حين حرفها العرب و حاذوا عن معناها الحقيقي، تعني حكم الشعب بالشعب من أجل الشعب، في حين تعني الديمقراطية" Démocratie " عند حكام العرب بالدارجة " ديما على الكرسي" ولذلك لن يقبلوا بنتائج الصنادق الزجاجية التي تقصي من ليس من الشعب و لا يحمل هم الشعب فعلا، هذا الصنف من الناس همهم هو جمع الثروات و تكديسها و إغناء أتباعهم و حاشيتهم و الإبقاء على الفقراء المحرومين مستضعفين في الأرض . هذه المعاني اتضحت بجلاء في مصر بعد الثورة حين خاب أمل الوصوليين في الظفر بالحكم فقاموا بإعادة ترتيب أوراقهم وتعبئة أتباعهم مستعملين في ذلك كل الوسائل المتاحة، خاصة إذا علمنا أن فلول نظام مبارك لا زالوا هم المسيطرون على أجهزة الدولة وهم المتحكمون في دواليبها و على رأسها الجيش و القضاء و الشرطة والإعلام ...إلخ. الآن أصبح من الواضح أن الذين يتبنون الديمقراطية هم أعداء الديمقراطية لأن الديمقراطية تعني فوزهم في الانتخابات ووصولهم إلى الحكم , أما إذا لم يحالفهم الحظ فلا ديمقراطية إذا ، في زعمهم ،لأن الفائزين سوف يسيطرون على الحكم ويئدون "الديمقراطية" وسيجعلون الدولة دينية رجعية، وكأن هؤلاء أوصياء على الديمقراطية، ولا يمكن لأي كان أن يحتضنها ويصونها غيرهم، ولك في واقع الأمر ،هم أول من ينقلب على الديمقراطية، و لو كانوا يؤمنون بالديمقراطية حقا لعلموا أن الشعب هو الذي اختار غيرهم وأن عليهم أن يحترموا هذا الاختيار و ليدعوه يعرض تجربته، و بعد ذلك يحاسبوه على النتائج بعد أن يستكمل مدة انتدابه، و لكن ومع الأسف يقوم هؤلاء بعرقلة عمله عن طريق القيام بالمظاهرات غير المبررة و المسيرات و الحملات الإعلامية المشوهة له و غيرها بل أكثر من ذلك يطلبون ممن تقلد الحكم أن يحقق، في ظرف وجيز للشعب ما لم يحققه غيره خلال عشرات السنين . فالديمقراطية هي أن تقبل بالرأي الآخر و تحترم اختيار الشعب فيمن يحكمه ، و تساهم في تقدم بلدك من خلال معارضة بناءة. لهذه الأسباب فإن الدول العربية لا يمكنها أن تحذو حذو الدول الديمقراطية إلا إذا كانت الشعوب واعية تماما بآليات و قوانين الديمقراطية الحقة، التي تقوم على الشفافية و النزاهة، و القبول بالنتائج مهما كانت، و مستعدة للتضحية بالغالي و النفيس من أجل ترسيخها.لأن الحكام العرب المستبدون لا يريدون أن يتزحزحوا عن كراسيهم ،و لكن الإرادة الشعبية هي الكفيلة وحدها بالتغيير الحقيقي و تجعل هؤلاء الحكام يدعنون للأمر الواقع. أستاذ باحث