يعتبر المشهد السياسي ، محور انتاج النخب السياسية القادرة على تدبير الشأن العام، هذا الدور الحيوي الذي أسندت مهمة القيام به الى منظومة الأحزاب السياسية ، وذلك انطلاقا من اعتبارها مدارس وطنية لتلقين أصول الديمقراطية الحقة سواء من خلال المبادئ أو من حيث الممارسة. يدل مفهوم الأحزاب السياسية على معطيين اثنين، فإما نظام أحادي أو نهج تعددي، الأمر الذي يفهم معه بأن هذه الوحدات بصنفيها قد جاءت لتجميع رؤى المواطنات والمواطنين، تكوينهم ومن ثمة ضمان مساهمتهم المباشرة في تنزيل معالم المشاركة السياسية في تدبير الشأن العام ، غير أن واقع الأمر لازالت تعترض تطوره مجموعة من المعيقات التي تحد من نجاعة وفعالية مراميه، ومن هذه المشاكل نذكر على سبيل المثال لا الحصر: - شخصنة توجهات الأحزاب السياسية ، وكأن التنظيم السياسي ملك لأشخاص بعينهم دون الاخرين، الأمر الذي لطالما كرس لتعاظم ظاهرة التصارع السياسي - برامج سياسية وانتخابية قوية من حيث الكم وضعيفة من حيث الكيف، مما لازال ينعكس سلبا على ظاهرة المشاركة السياسية ويكرس لتنامي افة العزوف السياسي وخاصة في صفوف النساء والشباب - قيادات حزبية مهزوزة ومفبركة حسب معايير واضعيها، الأمر الذي نفسره من خلال تجذر ظاهرة التعيين داخل أوساطنا السياسية، فعن أي لعبة سياسية ، وعن أي تناوب سياسي ، وعن أية ديمقراطية حزبية نتحدث - اخضاع منطق اللعبة السياسية لصالح الأعيان أو مالين الشكارة، اذ فكيف بشخص يشتري أصوات الناخبين بأمواله أن يقوم بخدمة الصالح العام - طوابير طويلة وعريضة من الأشخاص الذين يرتادون الأحزاب السياسية جسدا وليس فكرا، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام أشخاص لا يقربون للممارسة السياسية لا من قريب ولا من بعيد، ومن ثمة يتمكنون من حشد أصوات صورية لصالحهم ، لطالما ثم التمكن منها من خلال المحاباة والتفضيل القائمين على نظرية التابع والمتبوع- - سيادة ظاهرة هدر وتبذير المال العام داخل معظم الأحزاب السياسية، مما يكرس لتنامي مظاهر النهب والاسترزاق غير المشروع، ويفتح الباب أمام سماسرة الانتخابات من أجل الظفر ولو ببقايا الكعكة الانتخابية المسمومة - شباب ونساء يتصارعون من أجل الظفر بمقعد داخل قبة البرلمان، الأمر الذي ثم اخضاعه لمنهج التعيين المباشر وباك صاحبي وصاك عليا، والأدهى من ذلك فان حتى أغلبيتهم لا صوت لهم ولا انتاج لهم داخل المنظومة التشريعية، لا لشيء الا لأنهم تلقوا منصبا قارا من أجل تحسين ظروف معيشتهم ونسج علاقات مع من هم أكثر منهم منصبا، والحال يشهد على الوضع الكارثي للحصيلة التشريعية الحالية - شيوع ظاهرة الخصام السياسي، والذي لن يجدي الساسة في شيء الا أنه سينعكس سلبا على مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وسيكرس لتفاقم الهوة بين الناخب والأحزاب السياسية الخ... ان صناعة القرار السياسي بشكل متزن، لا يمكن أن يتم في معزل عن مشاركة كل القوى المجتمعية في وضع معالمه ومن ثمة صياغة مراميه، الأمر الذي يدفعنا الى التساؤل عن ماهية البدائل الكفيلة بالتخفيف ولما القضاء على المعيقات التي لازالت تنخر الجسم السياسي المغربي، الأمر الذي لا يمكننا بلوغه الا من خلال نهج سياسية بريسترويكا أو اعادة بناء سياسي يتم من خلالها تحديد مسؤوليات القائمين على تدبير المشهد السياسي من داخل منظومة الأحزاب السياسية، الأمر الذي يدعونا الى تفعيل المساءلة والمحاسبة داخل الأوساط السياسية . يعبر مفهوم الحكامة عن مجموع الاليات والوسائل الكفيلة بإعادة الاعتبار للمشهد السياسي المغربي، هذا الأخير الذي لازالت تعتريه عدة نقائص ساهمت وكما سبق التطرق الى ذلك في تمييع الممارسة السياسية ، لا لشيء الا لأنها أصبحت تمارس من قبل أشخاص لا يعون تماما لأدنى أبجديات الفعل السياسي المقرون بالعمل والمثابرة الجادين الكفيلين باشراك جميع القوى المجتمعية في تقديم تصوراتها بخصوص طريقة تدبير الشأن العام ، وفي هذا المضمار لا بد من أن نذكر بأن استفحال هاته الشوائب هو الذي أدى الى اتساع الهوة بين الناخب والاحزاب السياسية، ذلك أن المواطن لازال يرى في الأحزاب السياسية أكواما للأقاويل والوعود الفضفاضة والموسمية والتي لم ولن تساهم بتاتا في حل مشاكلهم اليومية، مما أدى بهم الى امتهان الخمول السياسي ، الأمر الذي يمكننا تفسيره باستمرار تعامل الأحزاب السياسية معهم ببيروقراطية سياسية محضة، تحمل في طياتها خدمة المصالح الشخصية الضيقة لقياداتها المصنوعة على المقاس والواقع السياسي خير شاهد على ذلك، ان اختياري لعنوان هذا المقال ليس من قبيل المزايدة أو المغالطة، ولكن من أجل التعبير عن حرقتي ازاء ما يعرفه الفعل السياسي من أنماط تدبيرية دخيلة على المجتمع المغربي الأصيل، ذلك أن الانتهازية والوصولية لن تؤدي الى بناء سياسات عمومية كفيلة بتجاوز المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تتعرض لها الانسانية ، وبالتالي فلا مناص لنا من اعادة النظر في سلوكياتنا السياسية التي لم تعد تصلح لزمن العولمة، واعادة بنائها في قالب استراتيجي محض، يقوم على تفعيل مبدأي المساءلة والمحاسبة الدستوريين، الأمر الذي وان ثم الاحتكام اليه سيسهم لا محالة في وضع اللبنات الأولى لبناء غد سياسي مشرق. ان الحكامة السياسية لا تعني رسم مبادئها على الجدران، وانما تعني الاحتكام اليها في كل صغيرة وكبيرة، لا لشيء الا لأنها تعد طوق النجاة السياسي، وذلك في أفق التخلي عن معطى المحاباة والانتهازية السياسية وتعويضها بالمردودية السياسية المبنية على النتائج وتحقيق الأهداف. ان استكمال أوراش البناء الديمقراطي ببلادنا، محكوم بإعادة الاعتبار للمشهد السياسي، مما لا يمكننا الوصول اليه بدون تطبيق جيد لمبادئ الحكامة في شقها السياسي.