حيث يسود الجهل، الإنسان المقبول اجتماعيا من قبل من يظن أنه المتفوق بلغته أو أصله أو عرقه أو لونه، هو القابل ببساطة لقواعد اللعبة وأولها التخلي عن كل خصوصياته ومنها لغته وثقافته وهويته وأصله وكل قناعاته، والتنكر لها والطعن فيها، وارتداء قناع يرتضيه ذاك الآخر، إرضاء له أو سعيا لنيل نصيبه من ريع يتيحه الانصهار في هوية الآخر المصطنعة. ولأن الأمازيغية ظلت ضحية للتحقير، ومهمشة وبعيدة لعقود عن مواقع القرار، ولا تمارس أية سلطة، ولا تتيح الاستفادة من أي صنف من الريع. ولأن من نشاركهم الوطن لا يقبلوننا كما نحن، بل يرهنون قبولنا بأن نصبح نسخة منهم، انسلخ الكثيرون منا، ضعاف النفوس والمغلوبون على أمرهم، عن هوياتهم وتخلوا عن كل خصوصياتهم الثقافية، وأضحى الآخر يمارس كل أشكال الشطط على الناطق بالأمازيغية، ليصبح هذا الناطق ملزما بالاختيار بين أمرين، أن يسعى لقبوله من طرف جماعة الأمازيغوفوبيين فيسايرهم ويتحدث بلسانهم، وينسلخ عن ذاته بل ويزدريها ويتنكر لها، أو يتشبت، عن علم، بكينونته وهويته وخصوصياته ويدود عنها، فيصبح ضحية لكل أشكال التمييز والاستهداف. إن الكثير من الناس، وبعد عقود من التهميش والتحقير لهم ولهويتهم وثقافتهم ولغتهم بل وكل خصوصياتهم، أضحوا لا يجدون حرجا في التخلي عنها بسهولة، بل أصبحوا هم القاعدة والشاذون هم من وعوا بخطورة ذلك وبعده عن الفطرة والعلم والحق، وهم من يرمون، من قبل مشاركيهم الوطن، بكل الصفات والنعوت القدحية. ويحدث أن تتواجد في جمع أو موقف أغلب المتواجدين فيه من الناطقين بالأمازيغية، ولكنهم يأتمرون بأمر واحد فقط غير ناطق، فقط لأنه وإياهم يظنون أن لسانه يمتلك السلطة الرمزية، أو أنه متفوق على لسانهم الذي أقنعهم البعض بدونيته باستخدام الدين والخرافة والعنف الرمزي. إنها صورة مؤلمة لحقيقة يعيشها الأمازيغ في عدد من المناطق إلى اليوم، ومنه واقع أساتذة اللغة الأمازيغية في المدرسة العمومية، سماته التجاهل واللامبالاة في أفضل الأحوال، التهميش والتحقير والتتفيه والتسفيه، الاستخفاف بالمادة وأهميتها، المحاصرة والمحاربة وتضييق الخناق... في مغرب القرن الواحد والعشرين، وبعد عشر سنوات من الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية، وبعد عشرين سنة من المصالحة معها من قبل أعلى سلطة في البلاد، وبعد كل ما يبدو أنه تحقق، يجتهد الكثيرون من الموظفين والمسؤولين ويبذلون كل جهدهم لفرملة ذاك الذي تحقق، ولن يرضى عنك الشوفينيون، ولن يقبلوك حتى ترضخ لميولاتهم المختلفة الأهواء والمشارب والمتفقة جميعها على مواصلة محاربة الأمازيغية، وتنسلخ كلية عن كينونتك وهويتك، وتهجر ثقافتك ولغتك، حتى لا تنبذ كما يخشى منا الكثيرون أن يحدث لهم. إن ما يحدث لأساتذة اللغة الأمازيغية في العديد من مناطق المغرب، معاكس تماما لتوجهات الدولة في أعلى مستوياتها، وخرق سافر للدستور كأسمى قانون للوطن ولكل القوانين التي صادق عليها ممثلو المغاربة، ومخالف لكل المواثيق الوطنية والدولية لحقوق الإنسان. فكيف لمسؤول منتسب لوزارة التربية الوطنية أو أستاذ يفترض فيه أن ينفذ سياسة الدولة في ميدان التربية والتعليم، وفي صلبها إدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية، أن يعاكس تلك السياسة ويجتهد، بعيدا عن قرارات الدولة، إرضاء لنزوعاته الإيديولوجية المختلفة، والتي يصرفها مستغلا سلطته وموقعه وإمكانات الدولة ومنصبه، لمحاربة لغة وثقافة المغرب العريق، وهوية وحضارة المغرب الضارب في القدم، في تحد تام لكل توجهات وقرارات الدولة في أعلى سلطة بها أي القصر. فبين مديريات متسلطة تفرض على أساتذة اللغة الأمازيغية المتخصصين تدريس مواد أخرى، أو توحي لهم بالتخلي عنها نهائيا مقابل غض الطرف عنهم ليصبحوا أشباح، أو تفرض عليهم تعويض محظيين لديها تمتعهم بالتفرغات المشبوهة، وبين مديرين يعتبرون تدريس الأمازيغية بعيدا عن مهامهم، أو آخرين شوفينيين يمارسون كل أوجه الميز على الأساتذة والأستاذات، ومفتشين يعتبرون الأمازيغية خارج انشغالاتهم، بل يعملون في العديد من المواقع على عرقلة تدريسها، وأساتذة متزمتين نكوصيين شوفينيين يواصلون النظر إلى تامازيغت نظرة ازدراء ونظرة المتفوق المنحدر من كوكب آخر، وبين لا مبالاة أغلب المسؤولين وعدم اكتراثهم لمعاناة أساتذة وأستاذات اللغة الأمازيغية عند مستهل كل موسم دراسي، وبين مشاركين لنا في الوطن مازال البعض منهم ينعتوننا وأوراش إنصافنا بأقدح النعوت والأوصاف، فقط لأننا ولدنا أمازيغ في بلد أمازيغي يمتد تاريخه إلى عشرات الآلاف من السنين حسب ما أثبته التاريخ والأركيولوجيا... في خضم كل هذا وغيره كثير، يرزح الأمازيغ والأمازيغية، وعلى رأسهم أساتذتها، في بلد قرارات مسؤوليه وتطلعاتهم إلى العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، حيث سيصبح المغرب في مصاف البلدان المتقدمة على كل الأصعدة والمستويات، في واد، وطموحات الشوفينيين منا في واد.