وجه جلالة الملك محمد السادس خطابا ساميا إلى الأمة بمناسبة الذكرى 46 للمسيرة الخضراء المظفرة، التي تأتي في سياق مطبوع بالعديد من المكاسب والتحديات بخصوص قضية الوحدة الترابية، التي تعيش دينامية غير مسبوقة لا يمكن لأية جهة إيقافها أو عرقلتها. وفي هذا الإطار، أكد جلالته أن "مغربية الصحراء ثابتة، لا نقاش فيها بحكم التاريخ والشرعية، وبإرادة أبنائها، وباعتراف دولي واسع"، وهي رسالة موجهة إلى من يهمه الأمر، مفادها أن قضية "مغربية الصحراء" حسمت بشكل قطعي، ولا يمكن أن تكون البتة موضوعا للنقاش أو التفاوض، ليس فقط بحكم التاريخ والشرعية، بل وبالإرادة الحقيقية لأبنائها، وبالاعترافات الدولية المتزايدة الداعمة لعدالة القضية الوطنية الأولى. جلالة الملك أشار إلى ما تعرفه قضية الوحدة الوطنية والترابية من دينامية متعددة الزوايا، جسدها الاعتراف الأمريكي غير المسبوق بمغربية الصحراء، ويجسدها افتتاح أكثر من 24 دولة قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة، بشكل يؤكد الدعم الواسع الذي بات يحظى به الموقف المغربي، خصوصا في المحيط الإفريقي والعربي، وهو أحسن رد على الذين يقللون من شأن هذه الاعترافات المتواصلة. وفي هذا الإطار، طالب جلالته شركاء المملكة بالتعبير عن مواقف أكثر جرأة ووضوحا بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة، دعما للمسار السياسي وللجهود المبذولة من أجل الوصول إلى حل نهائي قابل للتطبيق، وهي رسالة موجهة بشكل خاص إلى بلدان الاتحاد الأوروبي التي مازالت تتعامل مع المغرب بنوع من "ازدواجية المواقف"، فمن جهة تحرص على ديمومة الشراكة الاستراتيجية مع الرباط، ومن جهة ثانية تتعامل مع القضية الوطنية الأولى بنوع من الغموض والإبهام والمراوغة التي تصل أحيانا حد الابتزاز، وهذه البلدان لا بد لها أن تستوعب أن "مغرب اليوم ليس كمغرب الأمس"، وأن "الشراكة" التي تسعى إليها لم تعد قابلة للانتقاء أو التفكيك، كما لم تعد تستحمل لغة الابتزاز الخفي والمعلن. جدد الملك محمد السادس الالتزام بالخيار السلمي، وبوقف إطلاق النار، ومواصلة التنسيق مع بعثة المينورسو، في نطاق ما هو محدد لها من اختصاصات، موضحا في هذا الإطار أن "المغرب لا يتفاوض على صحرائه. ومغربية الصحراء لم تكن يوما ولن تكون أبدا مطروحة فوق طاولة المفاوضات"، وإنما نتفاوض، يضيف جلالته، "من أجل حل سلمي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل"، وهي رسالة واضحة لأعداء وخصوم الوحدة الترابية بأن الصحراء تبقى خطا أحمر ومغربيتها محسومة، ولا يمكن قط أن تكون موضوعا لأية مفاوضات مرتقبة، عدا التفاوض من أجل حل سلمي ينهي هذا النزاع المفتعل الذي طال أمده، وقد عبر جلالته عن الدعم الكامل للمجهود الذي يقوم به المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة من أجل إطلاق العملية السياسية في أسرع وقت ممكن، في إطار الالتزام بالمرجعيات التي أكدتها قرارات مجلس الأمن الدولي منذ 2007، والمجسدة في اللقاءات المنعقدة بجنيف برعاية الأممالمتحدة. وعلى غرار جميع الخطب الملكية، فقد حضر البعد التنموي في خطاب الذكرى 46 للمسيرة الخضراء المظفرة، بالإشارة إلى أن التطورات الإيجابية لقضية الوحدة الترابية تعزز المسار التنموي الذي تعرفه الأقاليم الجنوبية التي تعيش على وقع نهضة تنموية طالت البنيات التحتية والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية، في إطار نموذج تنموي حول مدن وأقاليم الصحراء المغربية إلى وجهة جذابة للاستثمار الوطني والأجنبي. وبلغة الواقعية والمسؤولية والوضوح، نوه جلالة الملك بالدول التي تربطها اتفاقيات شراكة وتعاون مع المغرب، والتي تعتبر الأقاليم الجنوبية جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني، موجها رسالة واضحة المضامين إلى أصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة بأن المغرب "لن يقوم معهم بأية خطوة اقتصادية أو تجارية لا تشمل الصحراء المغربية". وفي رسالة مشفرة موجهة إلى أعداء وخصوم الوطن، أكد جلالته أن "المجالس المنتخبة بأقاليم وجهات الصحراء، بطريقة ديمقراطية وبكل حرية ومسؤولية، هي الممثل الشرعي الحقيقي لسكان المنطقة"، وهذه المجالس المنتخبة يعول عليها لتكون قاطرة لتنزيل الجهوية المتقدمة، بما تفتحه من أفاق تنموية ومشاركة سياسية. قضية الصحراء هي جوهر الوحدة الوطنية للمملكة، وبالتالي فهي قضية المغاربة قاطبة، تستدعي كما أكد ذلك جلالة الملك، "مواصلة التعبئة واليقظة للدفاع عن الوحدة الوطنية والترابية، وتعزيز المنجزات التنموية والسياسية التي تعرفها أقاليمنا الجنوبية"، وهي رسالة موجهة إلى كل القوى الحية داخل البلد، التي يلزم أن تتحلى بما يلزم من المسؤولية ونكران الذات واستحضار للمصالح العليا للوطن، من خلال الانخراط الإيجابي في معركة البناء والنماء بوطنية حقة، والترافع عن قضية الوحدة الترابية وعن المصالح الاستراتيجية للوطن، والتصدي لكل أطروحات وأكاذيب وادعاءات أعداء الوطن بما يلزم من المسؤولية والرصانة والتبصر والمصداقية واليقظة. جلالة الملك محمد السادس استغل مناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة ليعبر عن متمنياته الصادقة للشعوب المغاربية الخمسة بالمزيد من التقدم والازدهار، في ظل الوحدة والاستقرار، وهي رسالة واضحة مفادها أن المغرب مازال متشبثا بمشروع المغرب العربي الكبير الذي يبقى الخيار الوحدوي الذي لا محيد عنه لبناء مجال مغاربي آمن وموحد ومزدهر، تتحقق معه آمال وأحلام الشعوب المغاربية في البناء والنماء والرخاء والازدهار، على غرار شعوب مجلس التعاون الخليجي، وهي آمال وأحلام مشروعة ستبقى معلقة إلى أجل غير مسمى ما لم يغير النظام الجزائري عقليته المفعمة بالحقد والعداء غير المبرر للمغرب ووحدته الترابية، ويستوعب أن المستقبل الآمن والمزدهر يكمن في التعاون المشترك ولغة المصالح المتبادلة واحترام وحدة الشعوب وأمنها واستقرارها ومراعاة ضوابط حسن الجوار، ويفهم أو يتفهم أن لعقيدة العداء الخالد فاتورة ثقيلة تتحمل وزرها الجزائر أكثر من غيرها، أما المغرب ففي صحرائه والصحراء في مغربها، آمنة ومطمئنة ومزدهرة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.