تصريح السيد وزير الداخلية لفتيت داخل قبة البرلمان حول النقاش الذي أثير حول إجبارية جواز التلقيح واللغط الذي صاحبه، يدعونا إلى وقفة تأمل لفهم سبب الغضب الذي عبر عنه النشطاء عقب التصريح. يقول السيد الوزير، الذي بذل جهدا محمودا في تدبير تبعات الجائحة في عامها الأول، إن الدولة همها الأول صحة المواطن، وإن إجبارية الجواز مبعثها الخوفُ على سلامته ولا أحد يفكر في الحد من حرية المغاربة، هذا الكلام سليم لا غبار عليه ولا أحد يجادل في أن مهمة الدولة تتلخص في حماية المواطن وتمتيعه بالحرية مع حد معقول من سبل العيش الكريم. غير أن الذي يدعو المواطن إلى إثارة أكثر من علامة استفهام حول هذا التصريح وغيره من التصريحات المطمئنة للمغاربة على أن حقهم في الحرية بألف خير، التي يطلقها المسؤولون بين الفينة والأخرى، هو ضعف منسوب الثقة بين المواطن والمسؤولين. كان سيكون لمثل هذا التصريح مفعول السحر في نفوس المغاربة لو أنهم يثقون في مؤسساتهم ومسؤوليهم، لكن جسر الثقة هذا يحتاج إلى الكثير من الترميم للأسف الشديد ويحتاج إلى وسطاء اجتماعيين وسياسيين وفاعلين إعلاميين من ذوي المصداقية لتعبر فوقه تصريحات المسؤولين دون تشويش. لقد أفرغت الساحة السياسية والإعلامية وميادين العمل الاجتماعي من النخب المؤثرة التي كانت تترجم للأوساط الشعبية قرارات الدولة في بعض المحطات الحاسمة والدقيقة التي تمر منها البلاد، فكثرت تبعا لذلك التأويلات وزاد هامش التوجس اتساعا، ولنسمع نبض الشارع اليوم بعيدا عن منطق الاصطفاف والتخوين والشيطنة. الذين رفضوا الجواز لا يكرهون وطنهم بل يحبون له الخير، وهم أنفسهم الذين امتثلوا لقرارات وزارة الداخلية حين فرضت عليهم الحجر، هم الذين ضحوا بقوت عيالهم واستقرار أسرهم خوفا على الوطن واستقراره فكيف يستسيغ عاقل اليوم تسميتهم بالقلة والشرذمة؟ وكيف يسمح البعض لنفسه باتهامهم بأنهم يخدمون أجندات خارجية؟ الأمر ببساطة يتلخص في عبارة موجزة "الناس خائفون على أنفسهم وعلى صغارهم وحين يصرح وزير أو غيره بأي كلام يخصهم يجب أن يستوعب مخاوفهم وأن يجيب عنها إجابة كافية شافية". حين يقول السيد الوزير إننا نخاف على صحة المغاربة يجيبه رجل الشارع البسيط: "لقد توجهت للمستشفى فحصلت على موعد بعد ستة أشهر وحالتي لا تستحمل تأخير ساعة أو ساعتين، فأين يتجلى حرص الدولة على سلامة صحتي هنا؟ حين يقول السيد الوزير إن همّ الدولة هو الحفاظ على سلامة المواطن ونطالع على يوتيوب ووسائل التواصل عشرات المقاطع التي توثق ولادة أطفال في عرض الشارع وصراخ مسنين ومرضى رفضت المستشفيات استقبالهم دون أن يحاسب المسؤولون عن وصولنا إلى هذا الحضيض الإنساني، ماذا سيكون جواب الشارع على مثل هذا الكلام ؟! حين نطالع تقارير رسمية ترصد إصابة ملايين المغاربة بالسرطان والتهاب الكبد والسكري وأمراض كثيرة تفتك بأرواحهم وكل عام يهل علينا يكون ألعن من الذي سبقه، فلا وجود لأي مؤشر على تراجع نسب إصابة المغاربة بهذه الأمراض القاتلة بل على العكس الأرقام تفضح حقيقة الغياب المفزع للدولة في وضع استراتيجية سليمة لحماية صحة وأرواح المواطنين، ويكفي هنا أن نقرأ تقرير منظمة الصحة العالمية الذي يؤكد إصابة حوالي نصف مليون مغربي بالتهاب الكبد (س) القاتل لنسائل الدولة المهتمة بسلامتنا لماذا لا تسارع لعلاج هذا الداء والسرطان والسل والسكري وبقية الأمراض التي تنخر أجساد الملايين مثل مسارعتها في علاج كوفيد؟! إن المواطن البسيط يحتاج أجوبة واضحة على أسئلته البسيطة ليقتنع بأن هم الدولة الحقيقي هو حمايته وليس مصادرة حريته، وهذه الأجوبة يجب أن تكون أجوبة عملية نقرؤها بوضوح أمام أقسام المستعجلات وأقسام الأمراض الباطنية وغيرها من الأمراض. يجب أن نقرأها حين نعجز عن سداد أثمنة الأدوية التي تتوقف حياتنا على تناولها، ويجب أن نقرأها حين نضطر للذهاب إلى المصحات الخاصة فنقف مشدوهين أمام مصاريفها الفلكية التي تؤكد لنا أن الحق في الصحة لا يتمتع به إلا أصحاب الملايين. عندها فقط سنؤمن بكل حرف يصرح به المسؤولون عند حديثهم عن اهتمامهم بصحتنا، ولن يعترض أحد على جواز أو غيره. لأن حماية صحة المواطن كل لا يتجزأ، فلا يمكن أن تحميها هنا وتعبث بها هناك.