قمع احتجاج أمازيغي يثير سخط الحقوقيين    فوز مريح لنهضة بركان على النادي القسنطيني قبل لقاء العودة في الجزائر    الجيش الإسرائيلي يقر بحصول "إخفاقات مهنية متعددة" في واقعة مقتل 15 مسعفا في غزة    ميرسك تلاحق صحيفة دنماركية قضائيًا بعد اتهامات باطلة بشأن شحنات أسلحة إلى إسرائيل.. وجهات معادية تقف وراء استهداف ميناء طنجة    الثانوية التأهيلية المجد بامطل تختم فعاليات الدورة الأولى للأيام الثقافية للمؤسسة    البوليساريو... الذراع العسكرية لإيران في شمال إفريقيا برعاية جزائرية    الأمن يتفاعل بسرعة مع أحداث عنف في القصر الكبير ويوقف ثلاثة مشتبه فيهم    الحسيمة.. انعقاد الاجتماع التشاوري الأول حول مخطط التدبير التشاركي للفرشة المائية غيس – النكور    المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بجامعة وجدة تشهد تأسيس أول نادٍ سينمائي    خمس لاعبين مغاربة ضمن التشكيلة المثالية لكأس إفريقيا للفتيان    مغاربة داعمون للقضية الفلسطينية يحتجون أمام ميناء "طنجة المتوسط"    ابن تمسمان الأستاذ سعيد بنتاجر، يقارب الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي في معرض الكتاب بالرباط    ترامب يعيد هيكلة الخارجية الأمريكية    تفاصيل حريق المسبح البلدي بالناظور    الدرك يطيح بأحد كبار مروجي الخمور باقليم الدريوش    "نداء القنيطرة" يدعو لإصلاح الإعلام    أفاية: قراءات اختزالية تستهدف "النقد المزدوج" عند عبد الكبير الخطيبي    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وفاة طفلين في حضانة غير مرخصة بالدار البيضاء    لقاء إقليمي بالحسيمة يسلط الضوء على آفاق الاستثمار في إطار قانون المالية 2025    برلماني يسائل وزير الفلاحة حول توتر العلاقة بين أعضاء من الغرفة الفلاحية والمديرية الإقليمية بطنجة    مستشار ترامب: الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء لا لبس فيه    المغرب يتصدر صادرات الفواكه والخضروات عالميًا: ريادة زراعية تنبع من الابتكار والاستدامة    مقاولون يقاضون "التيكتوكر" جيراندو بالمغرب وكندا بتهم التشهير والابتزاز    السعدي: الحكومة ملتزمة بتعزيز البنية التحتية التكوينية المخصصة للصناعة التقليدية    القوات المسلحة تُكوّن ضباطًا قطريين    "موازين" يواصل جذب نجوم العالم    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا"    القفطان يجمع السعدي وأزولاي بالصويرة    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إثر تتويجه باللقب القاري    الفنان الريفي عبد السلام أمجوظ يتألق في مسرحية سكرات    عبد العزيز حنون يدعم البحث في اللسانيات الأمازيغية بأطروحة حول التمني بأمازيغية الريف    تفاصيل اجتماع نقابات الصحة مع مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته    بعد القرار الأمريكي المفاجئ .. هل يخسر المغرب بوابته إلى السوق العالمية؟    "الكاف" يختار المغربي عبد الله وزان أفضل لاعب في البطولة القارية للناشئين    الأرصاد الجوية تتوقع نزول زخات مطرية متفرقة اليوم الأحد    بنكيران: الأمة بكل حكامها تمر من مرحلة العار الكبير ولا يمكن السكوت على استقبال سفن السلاح    الآلاف يتظاهرون ضد ترامب في الولايات المتحدة: لا يوجد مَلك في أمريكا.. لنُقاوِم الطغيان    الاتحاد الوطني للشغل يدعو إلى تعبئة شاملة في فاتح ماي    " هناك بريق أمل".. رواية جديدة للدكتورة نزهة بنسليمان    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعايش والحوار ولا إكراه في الدين، ولا إقصاء ولا هيمنة..؟
نشر في هسبريس يوم 28 - 09 - 2013

في حديث الجمعة لهذا الأسبوع نواصل الحديث في الموضوع الذي تحدثنا فيه في الأسبوع الماضي وهو دعوة الإسلام إلى التعايش والتعاون، وهو موضوع اهتم به المتتبعون والمتصفحون لموقع هيسبريس الذي تفضل وجعله من بين المواد التي قدمها خلال الأسبوع وهو ما يستحق عليه الشكر، والشكر موصول كذلك لمن اهتم وقرأ وأبدا الملاحظات منتقدا وحتى مهاجما فالموضوع يستحق النقاش بل يفرضه لأنه موضوع الساعة واستعير هنا عنوانا لأحد الكتاب المصريين حيث قال منذ عقدين من الزمان موجها الكلام إلى الإخوة في مصر (الحوار أو خراب الديار)، وهذا في الواقع موجه للجميع إذ ليس أمام الجميع في كل المجتمعات الإسلامية إلا الحوار والتعايش وليس هناك من بديل إلا ما نشاهده عندما فقد الحوار في كثير من هذه المجتمعات وهي معروفة ولا نحتاج إلى ذكرها.
وإذا كان بعض الناس قد غاظهم الأمر ولم ترق لهم الدعوة إلى الحوار وحتى مسهم نوع من الغيرة على "إخواننا" المستعمرين فنطمئنهم أننا لا نعادي أحدا لذاته وإنما المنتقد والمرفوض هو الفعل الاستعماري المتمثل في القهر والاستغلال وركوب سياسة فرق تسد وابتكار أساليب الشيطنة من أجل الإبقاء على النفوذ الاستعماري اقتصاديا وثقافيا و سياسيا ومحاولة شيطنة العقائد والأديان وبصفة خاصة الإسلام هذا هو الوجه البشع من "الاستعمار" ولاشك أن هذا ربما هو موضوع اتفاق حتى من طرف دهاقنة الاستعمار في حالة الصفاء والإنصاف.
وعلى أي حال فإن الحوار واجب والتعايش من أكد الواجبات
*********
أهمية التذكير
تناول حديث الجمعة في الأسبوع الماضي موضوعا مهما وأساسا في حياة المجتمعات الإسلامية، قديما وحديثا وهو موضوع التعايش والتعاون بين المجموعات المتساكنة في هذه المجتمعات فيما بينها وبين هذه المجتمعات وغيرها، وإذا نظرنا إلى الواقع المزري والمؤلم الذي تعيشه هذه المجتمعات حاليا أدركنا مدى أهمية التذكير بهذا الأمر، والدعوة إلى استحضاره لتجاوز ما تعيشه هذه المجتمعات من فتن وفوضى، بل ومن اقتتال وتطاحن على السلطة والمغانم والمكاسب التي توفرها للبعض.
المرجعيات
وإذا نظرنا إلى ما يعتمده الكثير من الفئات والهيآت والمذاهب والطوائف من سند من الوجهة الفكرية والعقدية بقطع النظر عمن يعتمد الاثنيات أو العرقية أو القبلية ..الخ، وجدنا أن الكثير إن لم يكن الكل يعتمد مرجعية يقول أنها مرجعية دينية وأكثرها يدعي المرجعية الإسلامية، وإذا كان واقع الناس اليوم هو على هذا النحو ألا يحق لنا أن نبين على قدر المستطاع والإمكانات أن هذا الاعتماد على مرجعية إسلامية حقيقية لا تبيح لمن تبناها أن يجنح إلى الغلو والتعصب ضد الأطراف الأخرى في المجتمع، مهما كان اشتداد الخلاف وتنوع وجهات النظر، لأن الاختلاف وحتى الخلاف لا يمكن أن يجد الحلول إلا من خلال التفاهم والحوار، وبدون اعتماد أسلوب الحوار فإن المجتمعات لا يمكن أن تعيش في هدوء واطمئنان.
الحوار
ولعل هذا ما جعل هذه المجتمعات في السنوات الأخيرة تعرف دعوات متكررة ومتعددة وعقد مؤتمرات وندوات حول الحوار سواء بين المسلمين فيما بينهم على اختلاف مذاهبهم الفقهية، أو بينهم وبين أرباب الديانات الأخرى أو على مستوى التوجهات القومية، والليبرالية والاشتراكية والإسلامية كل هذا وغيره يبين إلى أي مدى يشعر الناس بالخطر الذي يهدد هذه المجتمعات والذي إذا لم يتم تداركه فإنه سيقضي على الأمل الذي يراود الشعوب في تجاوز أوضاع التخلف الذي تتخبط فيه في مستويات الحياة كلها.
دعوة الأمل
والدعوة الإسلامية رغم كل الادعاءات التي ادعاها خصومها منذ البداية والتي سجل القرآن الكثير منها ان لم يكن الكل، لا تزال هي الدعوة التي تحمل للناس كل الناس في ثناياها ما يؤهلهم للحوار والتعايش، وبالأحرى الاستمتاع بالسلام الاجتماعي.
لقد سجل القرآن كل الأقاويل وحتى التهم التي وجهت للرسول محمد عليه السلام وليس له وحده بل للأنبياء والرسل من قبله، ومع ذلك فإن القاعدة الأساس التي لا محيد عنها لنجاح الداعين إلى نهجها، والى منهج الإسلام في الحياة، هي تلك الآية الخالدة «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» انه المسلك الذي يجب اعتماده بين المسلمين فيما بينهم، والمسلك الذي يجب ان يكون منهج الحوار بينهم وبين غيرهم من الناس داخل مجتمعاتهم وخارج هذه المجتمعات.
تأصيل وأسس
وإذا كانت هذه هي القاعدة الأساس والجوهرة الثمينة التي يجب ان يحرص عليها المسلمون، فما هو جار الآن في هذه المجتمعات خارج عن هذا السياق.
إن السياق الذي تعيشه المجتمعات الإسلامية حاليا هو سياق مخالف ومغاير، إذ يأبى بعض الناس في هذه المجتمعات إلا أن يتنكر لدعوات الحوار والتعايش والتفاهم التي تؤصل لهذه القاعدة ويلجأون إلى أحداث ووقائع وربما حتى بعض النصوص ليخلصوا إلى أن التقاتل والتباغض والإقصاء هو الأصل وهو استنتاج غير صحيح بل هو مغرض ومنحاز، ولكنه مع ذلك الاستنتاج الذي يتبناه ويشجعه خصوم الإسلام الدينيون وخصومه السياسيين من غير المسلمين ومن بعض المسلمين أيضا.
اليد الخفية
والذي يجب تسجيله في هذا الصدد وهو مسجل وموثق بالنصوص هو دور "الطابور الخامس" الذي لعبه ويلعبه بعض الناس في هذه المجتمعات خدمة لأجندات خارجية عن هذه المجتمعات وبصفة خاصة تلك التي تخدم أجندة الاستعمار الأجنبي في البلاد الإسلامية، والتي لا يجد مؤرخوا الاستعمار حرجا في الإفصاح عنها.
ومع أن تدخل الأجنبي في حياة المجتمعات الإسلامية بدأ منذ المرحلة المكية وفي المدينة أكثر، واغتيال بعض الخلفاء الراشدين ثبت تاريخيا وبالتوثيق ان للأجنبي بدا في ذلك، وبعد ذلك في كل الصراعات التي عرفتها هذه المجتمعات كانت هناك اليد الأجنبية الخفية واضحة فيها، فهل يمكن نكران ذلك؟
نماذج من التشريح
وكيف يمكن تجاوز ما حدث في الحروب الصليبية؟ اما الصراع مع الاستعمار ودسائسه ومكائده وكيف سعى بكل الوسائل غير الشريفة لبث الشقاق وتهيئة الجو المناسب لفتح الأبواب أمام الاستعمار كيف يمكن مثلا التغاضي عن دور (شارل دوفوكو) في المغرب والجزائر. وعلى أي حال فهذا أمر معروف لدى الجميع، ولا ينكره حتى المستعمرون أنفسهم، وقد سبق لحديث الجمعة ان قام بتحليل كتاب تحت عنوان: «تشريح جثته الاستعمار» للكاتب الفرنسي "كي دي بوشير" ولعل من تتبع أدبيات المرحلة قد قرا كتاب "فرانز قانون" "معذبو الأرض" و "عارنا في الجزائر" لجان بول سارتز، وغير ذلك من الكتب والدوريات في هذا الموضوع.
تأصيل الصراع
وتاريخ الاستعمار مع المسلمين وغيرهم واضح، وعلى أي حال فإن المسلمين ليسوا من دعا واصل ونظر "لصراع الحضارات" فمن فعل ذلك معروف "صمويل هنتيجتون" وكتب بعد ذلك كتاب "من نحن" للدفاع عن الهوية الأمريكية، ولا أدري كيف يستبدل البعض بالهند والصين واليابان في موضوع ضرورة تجاوز المعاناة التي سببها الاستعمار مع أن كل من يتابع يدرك الصراع الذي تخوضه الصين حاليا ودائما مع الاستعمار.
ومع ذلك نسأل هل ضربت الهند كما ضرب العراق؟ هل هو احتل اليابان مثل أفغانستان رغم ما حدث في الحرب العالمية الثانية- فاليابان لها تاريخ معروف ضمن الدكتاتوريات في الثلث الأول من القرن العشرين وهي شريك استعماري في الشرق الأوسط إلى أن ضربت بالقنبلة الذرية، وهي الآن في تحالف رأسمالي وفي صراع مع جيرانها، وتقوم بدور مهم في الدفاع عن المصالح التجارية، أما الحديث عن روسيا فيدل على تجاهل لتاريخ روسيا القيصرية وصراعاتها التي لا تزال مع المسلمين ومع غيرهم وتجاهل للاتحاد السوفياتي وتاريخه. ودور روسيا حاليا معروف والقوقاز والجمهوريات الإسلامية ودور روسيا في لعبة الأمم معلن ومعروف ولذلك فإن القياس محتل لأنه قياس مع الفارق.
التعايش يتجاوز السلبيات
ان الواقع الحاضر في المجتمعات الإسلامية من تخلف وانقسام لا ينكره أحد بل الدعوة إلى الالتزام بالتعايش في مستوياته الداخلية والخارجية مع الجميع هو من أجل تجاوز الوضع المزري والذي سماه مالك بن نبي رحمه الله «بالقابلية للاستعمار». وهذا المصطلح جمع تحته المرحوم كل المعوقات التي تحول دون التنمية الحقيقية لهذه المجتمعات، والتي كانت أساس التدخل الاستعماري ومكنته من السيطرة وهي معوقات جمعها مالك تحت عنوان عام هو «مشكلات الحضارة».
تغيير الواقع
وعلى أي حال فإن الذي أريد وأسعى لتأكيده وتوضيحه هو ان علي المسلمين السعي إلى استبدال الواقع المؤلم بواقع أفضل عماده التعايش والتعاون والحوار هذه هي الغاية الأولى والأخيرة وهو أمر ممكن إذ كانت لهذه المجتمعات تجارب نجاحها إلا أنها تعثرت وقد كان شعار مرحلة السعي إلى عدوة الروح لهذه الشعوب مبنية على قوله تعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» ورحمه الله إقبال عندما قال: (شكوت إلى ربي العالم فقال لي إذا لم يعجبك فغيره).
الإرهاب الفكري
ومن هنا يتضح أن ما حاول البعض أن يفهمه مع اللجوء إلى ما يمكن اعتباره صنفا من أصناف الإرهاب الفكري، ربما لأنه يشعر أن توجيه الأصابع نحو بعض الطروحات الاستعمارية التي يتبناها بعض الناس هنا أو هناك والتي يلتقي معه في تبنيها بعض الناس ربما عن حسن نية وربما لأسباب أخرى وهو في الواقع فهم خاطئ وشعور يفصح عن أمور غير واضحة.
ومهما يكن فإن الواقع التاريخي لا يمكن تجاهله أو التنكر له كما أن حقيقة الدعوة إلى التعايش والتعاون في الإسلام أمر لا يمكن كذلك القفز عليها مهما كانت الدوافع والدواعي.
من تاريخ التعايش
ونحن في هذا الحديث كما تعودنا في كثير من الأحاديث سنحاول تقديم بعض الفقرات من كتاب في الموضوع الأساس وهو التعايش والتساكن في ظل الإسلام، والكتاب يحمل عنوان (المسيحيون واليهود في التاريخ الإسلامي العربي والتركي)، وهو من تأليف باحثين متخصصين في موضوعهما وهما فيلب فارج مدير مركز البحوث والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية (القاهرة) وباحث بالمعهد الوطني للدراسات الديموغرافية (فرنسا)، مؤلف دراسات ديموغرافية عديدة عن الشرق العربي.
ويوسف كرباج باحث بالمعهد الوطني للدراسات الديموغرافية (فرنسا)، مؤلف دراسات ديموغرافية عديدة عن المغرب الأقصى.
بشير السباعي: باحث ومترجم نقل العديد من الأعمال المهمة الى العربية، ومن بين أحدث ترجماته: "فتح امريكا: مسألة الآخر" لتزفيتان تودورف و "تاريخ الدولة العثمانية" بإشراف روبير مانتران.
منير الشعراني: فنان وناقد ومصمم للكتب والمطبوعات وخبير في الخط العربي والطباعة.
مواجهة جديدة
يقول الكاتبان في تمهيد الكتاب:
يبدو أن مواجهة قديمة ذات تفجرات متكررة، تنبعث من جديد منذ الإطاحة بالأسرة الحاكمة البهلوية في إيران (1979) وصحوة إسلام سياسي يجاوز القوميات، فمن جديد تبدو كتلتان: المسيحية والإسلامية، عصيتين على التصالح، وإسلام البحر المتوسط، منظورا إليه من الشمال يبدو أيضا مهيمنا بلا منازع على مجتمعات الجنوب، ولكن هل يرجع كل هذا التجانس وكل هذا الدوام إلى ليل الأزمنة؟
الف سنة للفوز
إن إنسان أوروبا اللاتينية المهذب، المغمور في الحاضر، يتصور التوسع الإسلامي بوصفه فتحا خاطف السرعة للسلطة السياسية وللمعتقدات الدينية على حد سواء، لكن الأمر تطلب قرابة ألف عام حتى يتسنى للإسلام الفوز تدريجيا بولاء السكان الذين ينتمون إليه اليوم، وهذه الأعوام كانت بعيدة عن أن تكون زمن إكراه وعنف متواصلين، كما أن الأسلمة لم تكن قط شاملة، إن سلسلة من الطوائف غير المسلمة تواصل الحياة والحوار، بل وتزدهر في الشرق العربي.
كسب الأذهان
والواقع أن الفاتحين الذين سوف يخرجون من شبه الجزيرة العربية في القرن السابع سوف يصوغون تصورا عن العالم يقسمه إلى عاملين، ففي البلدان التي سيحتلونها، سوف يمنحون أهل الكتاب وضعية المحميين، أما باقي العالم فهو يعتبر ساحة الحرب الممكنة، وأولئك الذين ينزلون منه غزاة، مسيحيين كانوا أو يهودا، يصبحون أعداء للإسلام. وهكذا فإن توسيع الأراضي المفتوحة ونشر الدين فيها يخضعان لمنطقين مختلفين، والواقع أن المهمة الأولى وحدها هي التي تعبئ جميع الطاقات، وسوف تتساند آلة الحرب والأدوات الحقوقية للتعايش الطائفي في بلاد الإسلام، فلا شك أن مال الفلاح القطبي والراهب اليعقوبي والحرفي اليهودي الملزمين بأداء ضريبة رأس، إن كانوا يريدون التمسك بديانتهم، كان حيويا لتوسيع ولتوطيد أركان الإمبراطورية لكن الدين الجديد يكسب الأذهان والسكان شيئا فشيئا.
الأسلمة بدون إكراه
ويتحدث الكاتبان عن عملية التحول وآلاتها فيقولان:
عبر أية آليات؟ عمليات التحول إلى اعتناق الدين الجديد، أولا، والتي سوف تمتد على مدار الأعوام الألف الأولى، فالسكان سوف يتأسلمون بفضل الفرص على نحو أكثر بما لا يقاس مما بفضل الإكراه، وكان هناك ثانيا الزواج، وهو تعاقد سلمي بامتياز: فهو يؤدي إلى انتشار الإسلام الذي تنتمي إليه بحكم الشريعة، ثمار زواج مسلم من كتابية، وأخيرا فإن الديموغرافيا التفاضلية للطوائف تدخل إلى المسرح في مستهل القرن العشرين، وفي أيامنا فإنها وحدها تواصل العمل لمصلحة الإسلام في المجتمعات المتعددة الطوائف في الشرق، ونرى من هذا التعداد للآليات أن المذابح والترحيلات الإجبارية لا تظهر بينها، ومن المؤكد أنها تحدث في هذا المكان أو ذاك، لكن أيا منها لن يتميز باتساع جد كبير قبل مولد تركيا الحديثة.
تعايش المعتقدات في الشام
الشام اليوم وهو في القديم وقبل اتفاقيات سايكس بيكو التي لم يعجب أحد الأصدقاء ذكرها كان يضم سوريا لبنان الأردن وفلسطين وهي بؤر التوتر والصراع اليوم.
كان تاريخ سوريا مختلفا تماما، فقد عاد على جماعتها المسيحية بالاحتفاظ حتى أيامنا بمكانة مرموقة في لبنان وفلسطين وسوريا نفسها، وكان الأمويون قد نقلوا العاصمة من المدينة الى دمشق، وهي لن تبقى مركزا للإمبراطورية إلا على مدار قرن واحد (656-750). وهو بالضبط الوقت الذي احتاج إليه الخلفاء لرسم الخريطة شبه النهائية لدار الإسلام، الأرض التي يحكمها الإسلام، أي لرسم الحدود، بهذه اللمسات الجديدة أو تلك التي تحتوي السكان الذين سوف يصبحون بالتدريج مسلمين.
نموذج متميز للتعايش
وهي فترة حاسمة في تاريخ البشرية سوف تجتازها المدينة الأموية وخاصة سوريا الداخلية مع الحفاظ على ملامح بلد مسيحي، وهو أمر يدعو إلى العجب، وبالفعل كان الاستيلاء على دمشق رمزيا، ويقال إن المسلمين قد اخترقوها عبر بابين، حيث أبدى الباب الأول مقاومة بينما آثر الباب الآخر الاستسلام، وفي منتصف الطريق، جرى من ثم تقسيم كاتدرائية القديس يوحنا إلى قسمين: محراب للمسلمين ومحراب للمسيحيين.
تسامح أصيل
وهكذا تم إنشاء مسجد الأمويين على مثوى نصف الكاتدرائية وواصل المؤمنون بالديانتين الصلاة زمنا طويلا في مكانين متلاصقين، وفي حمص، سوف تكون الكنيسة الكبيرة أيضا على مدار أربعة قرون مكانا لأداء طقوس الديانتين، وكان لابد من الحروب الصليبية ومن أذيال الشكوك التي جرتها حتى تتلاشى هذه الممارسة التي شهدت على تسامح أصيل عظيم.
على امتداد قرن لم يتغير العدد
إن الكاتبان يوضحان هنا في هذه الفقرة أنه خلال مائة سنة لم يتغير العدد لأنه لا إكراه.
وبعد قرن من الفتح، كان عدد العرب المسلمين ما يزال 200000 نسمة، يضاف إليهم بضع آلاف من الموالي (المتحولين الى اعتناق الإسلام) ذوي الأصل السوري، وهو رقم لا مراء في أنه رمزي، فهو يتطابق بشكل بالغ الغرابة مع الرقم الذي يسوقه كتاب الحوليات والمؤرخون بالنسبة لفتوحات بدوية أخرى: فالهلاليون الذين سوف يغزون إفريقيا الشمالية في القرن التاسع سوف يكون عددهم 200000 أيضا، شأنهم في ذلك شأن الأتراك السلاجقة الذين سوف يهبطون في الأناضول في القرن الحادي عشر.
لكنه يوحي تماما بانغراس الإسلام وسط جماهير الجماعة المسيحية السورية فمن بين 4 ملايين من الأشخاص، ربما نجد ربع مليون من المسلمين، أي نسبة 6% من السكان والحال أن العدد الإجمالي لهؤلاء السكان لن يكون مصيره التغير كثيرا في غضون قرن فقد كان خاضعا لمؤثرات متعارضة: نزوح المسيحيين إلى بيزنطة مع وصول قبائل من شبه الجزيرة العربية، تواتر الطاعون الدبيلي مع تدفق الثورات على مركز الخلافة، إغلاق أسواق العالم اليوناني مع فتح أسواق الهند والشرق الأقصى، التي أصبحت في متناول تجار دمشق مع تجاوز حاجز فارس الساسانية، التي استوعبتها هي نفسها الإمبراطورية الإسلامية.
السياسي يتحول إلى روحي
والواقع أن الفتح الذي يبدأ سياسيا، يصبح روحيا بحفز من الخليفة عمر الثاني، فبعد انتصار الدولة الإسلامية، يلوح في الأفق من ثم انتصار الدين الإسلامي، والسلطة المركزية التي انتزعها العباسيون باللجوء إلى العنف، تهجر سوريا إلى العراق، تاركة الأولى في أيدي حاميات أجنبية، بعضها استبدادية، وإذ يفرض الإسلام نفسه بفضل التمزيق السياسي، والإكراه الممارس في عهد الخليفة المتوكل (847-861)، فإنه يفوز عندئذ بجانب من السكان».
لاشك أن هذه المرحلة عرفت نوعا من التشدد العقدي فهي المرحلة التي عرفت الصراع بين السنة والمعتزلة وهي المرحلة التي تعرض فيها الإمام أحمد بن حنبل للمحنة وهي فترة استثنائية في التاريخ العباسي في الشرق والكاتبان يتابعان التحليل فيكتبان تحت عنوان:
غزاة أم محررون؟
ويتناول الكاتبان التطورات التي عرفها اعتناق الإسلام بين هذه المجتمعات والذي جاء ليخلصهم من النير الروماني والبيزنطي ومن تم كان الفاتحون محررين لا غزاة. فيكتبان:
بضع سنوات في شبه الجزيرة العربية، نحو ألف سنة في مصر وفي سوريا، ذلك هو الوقت الذي احتاجه الإسلام لكي يحتل المكانة التي يحتلها اليوم تقريبا في قسمه العالم، فكيف تسنى لحفنة من الفاتحين، الذين يتميز إيمانهم بهذه الدرجة من الحمية، الفوز بولاء جماهير على هذه الدرجة من الضخامة وعلى هذه الدرجة من البعد؟ كيف أمكن العثور في مصر وفي الهلال الخصيب على نقطة توازن بين الضغوط المتعارضة التي مثلها التوسع الإسلامي والمقاومة المسيحية.؟
منذ محمد، جرى تحديد تمييز أساسي بين دار الإسلام: البلد الذي تديره الدولة المسلمة، ودار الحرب، البلد الذي يجب فتحه، والحرب توسع دار الإسلام على حساب دار الحرب، وسوف تستمر مدة جد قليلة من الزمن، فالوضع الذي سوف يصادفه المسلمون الأوائل سوف يجعلها سهلة، وبمجرد توطيد سلطتهم، يندرج السكان بين عشية وضحاها في دار الإسلام، ولا يرجع ذلك على أية حال إلى أنهم ينتمون إلى الإسلام، على الضد من ذلك تماما، فالقانون ينص على أن غير المسلمين سوف يتمتعون بوضعية خاصة، ومن ثم فهو يقنن وجودهم الديني، والانتقال إلى الإسلام يأخذ أجيالا، ونحن نعرف أن الإكراه عليه كان غائبا في أغلب الأحيان، وهو لن يحدث في تاريخ الإسلام العربي إلا بصفة استثنائية، والواقع أن المؤسسات التي أقامها الفاتحون وخلفاؤهم، والعلاقات الاجتماعية التي سوف تتأكد على مر الزمن بين الجماعات الطائفية، والصدامات التي سوف تهز عالم البحر المتوسط سوف تفعل عندئذ فعلها البطيء.
أبناء إسماعيل الذين خلصونا
والحال أن الحرب التي أنهكت فيها بيزنطة وفارس بلا هوادة عشية الإسلام كانت قد أنهكت المقاتلين كما أنهكت المدنيين سواء بسواء، ولم يعد بوسع جيوش القسطنطينية وكتيسيفون مواجهة جنود الخلفاء إلا بدفاعات ضعيفة، وكان السكان الذين ينتقلون بالتناوب من نير إلى آخر، لكنهم يتعرضون باستمرار للابتزاز لتمويل الحملات العسكرية، مستعدين لتغيير سادتهم، والصراعات على الهيمنة تدور على خلفية انقسامات دينية معقدة، ففي العراق يحيا النساطرة في وسط غير مريح، هو وسط دين مختلف عن دين الدولة: الزرادشتية (دين الدولة الفارسية)، على أنهم يستفيدون من حماية معينة في وجه هجمات بيزنطة، وفي سوريا وفي مصر، يتأجج التمرد، والسكان بل والملكانيون، المخلصون للكنيسة الرسمية، البعيدون عن مركز الإمبراطورية، يعانون من هيمنة القسطنطينية الشديدة الوطأة، ويكابد الهراطقة، وهم الأغلبية شتى صنوف الاضطهاد، وتحت سوط بيزنطة يتخذ من ثم الاحتجاج اللاهوتي للقائلين بواحدية طبيعة المسيح طابع نزعة قومية أولية، سورية عند اليعاقبة، ومصرية عند الأقباط، ويجري قبول دخول العرب بشكل مصحوب بالأمل، إن لم يجر الاحتفاء به بحماس. وهو ما سوف تظل تحتفظ به الذاكرة اليعقوبية بعد خمسمائة سنة، فميشيل السوري، الراهب المعاصر للحملة الصليبية الثالثة، سوف يستحضر ذكرى "أبناء إسماعيل" الذين قدموا من الجنوب لتخليصنا.
أستاذ الفكر الإسلامي
مستشار برلماني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.