بعد سنتين من انطلاقه، وجد المدّ الثوري الذي انطلق من تونس فمصر مرورا بليبيا واليمن ولا يزال صامدا في سوريا، نفسه ضحية سكتة قلبية تهدده ونوبة انهيار أصابت الجماهير العربية التي ترى حصاد ثوراتها يبور ويكسد؛ وهي الثورات التي أسقطت معها بنعلي ومبارك والقذافي وصالح ولا زالت تزعزع كيان الأسد؛ حُكّام عمروا لعقود في سلطة وتركوا وراءهم أنظمة بدت عصيّة على الإسقاط. انتخاب مرسي ديمقراطيا بمصر وتأسيس مجلس وطني انتقالي بليبيا وإنشاء المجلس الوطني التأسيسي بتونس واستبدال عبد الله صالح بمنصور هادي ومواجهة نظام الأسد عسكريا بقوة جيش حرّ في سوريا، لم يكن كل هذا كافياً من أجل جني ثمار "الربيع الديمقراطي" والفرح طويلا بغنائم الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة والاجتماعية، التي صدحت بها حناجر "الثوار الأحرار" في ميادين العواصم العربية. أحاديث وتحليلات تطفو على السطح كل مرة للتعبير عن القلق الذي يحبس أنفاس الجماهير العربية الخارجة قبل سنتين ثائرة على حكامها، أملا في القضاء على الفساد والاستبداد الذي عشش لعقود في دواليب دولهم، ولا شك أن أبرز "هزيمة"، على حد تعبير تميم البرغوثي، الشاعر الفلسطيني والأستاذ الباحث في العلوم السياسية، تعرضت لها الثورات في زمنها الحالي، هي تلك التي تلقتها مصر، "ليس سرا أننا تعرضنا لهزيمة منكرة، لكنها، على ما نأمل، ليست نهائية.. لا تقتصر هزيمتنا على عودة الفلول لمصر، بل هي تمتد لتهدد استقلال المنطقة برمتها". "الثورة الوحيدة التي حظيت بقدر من النجاح في المنطقة كلها حتى الآن هي الثورة الإيرانية"، يضيف البرغوثي، الذي يرى في خضم كلامه حول الثورات الناشئة حديثا في الدول العربية، أن أبرز مظاهر نجاح الإيرانيين في القضاء على حكم الشاه تتمثل في إسقاط نظام ملكي ينهب أهل البلد، وإنشاء نظام جمهوري شهد تداولا سلميا للسلطة، "وبدلا من أن يكون هم الجيش والشرطة تأمين نهب الأمريكان للنفط الإيراني، أصبحت مهمتهم تأمين استخدام عوائد ذلك النفط فى بناء استقلال إيران عن الولاياتالمتحدةالأمريكية". ويتابع "أمير" الشعر السياسي، كما يلقبه البعض، تحليله لما يسميه البعض "الخريف العربي"، أن تلك الهزيمة ليس نهائية، "إن من علامات الفرج أن خصومنا يكررون الخطط القديمة، وأن تلك الخطط فشلت من قبل فلا أرى سببا لها أن تنجح اليوم"، مستطردا بالتوضيح، "واشنطن تكرر العراق في سوريا، والعسكر والفلول يكررون مبارك في مصر، وحلفاء أمريكااللبنانيون يكررون الكتائب والقوات اللبنانية وجيش لبنان الجنوبي، وقد هزم الأمريكيون في العراق، وأطيح بمبارك في مصر، وانتهى قائد جيش لبنان الجنوبي مدير مطعم في تل أبيب". "إن القول بأن الربيع الديمقراطي قد فشل شبيه بقول البعض بأن هذا الربيع تحول إلى خريف إسلامي لمّا وصلت تيارات الاسلام السياسي للحكم في أكثر من بلد"، يشرح عبد الرحيم العلام، الباحث في القانون الدستوري وعلم السياسة، موضحا أن "هذا البعض يصفّق اليوم للصيف العسكري"، مشددا على أن "قوس الربيع الثوري"، كما يسميه، فتح ولن يغلق إلا بعد أن يحدث التغيير الفعلي، الذي قد يطول أو يقصر على قدر استفادة الشعوب من تجارب الأمم السابقة وانحيازها لقيم التسامح. ويرى الناشط الأسبق ضمن حراك 20 فبراير، في تصريحٍ لهسبريس، أن التساؤل حول إمكانية نجاح ما أسماه "الربيع الثوري" من عدمها، ينبغي أن يقترن بالتساؤل حول الرهانات التي كانت متأملة من هذا الحراك، "أي ماهي طبيعة الحكم الذي يلي هذه الموجة؟ وماهي أيديلوجية النخب التي ستتولى الشأن العام؟ وماهي المدة التي ينبغي أن يتحقق فيها التغيير بعد إسقاط الانظمة؟". ويجيب العلام بالقول إن من يراهن على النجاح الاقتصادي والديمقراطي في مدة وجيزة بعد الموجة الثورية، "سيكون متجاهلا للتاريخ ولطبيعة الثورات والتحديات التي تعقبها"، مستشهدا بالثورة الفرنسية التي لم تلق نجاحا حين قيامها عام 1789، إلا بعد 10 سنوات في بعض الجوانب و100 سنة في أغلب الجوانب، على حد تعبير العلام، مضيفا أن فرنسا عرفت حينها موجة من أعمال العنف والانقلابات والثورات المضادة، "ولم تتعافى فرنسا من هذا الوضع إلا بعد تأكد الجميع بأن السياسة لا تعترف بالإقصاء أو بغالب ومغلوب وإنما بأخلاق التسامح وفكرة العيش المشترك". ودعا عبد الرحيم العلام النخب الثورية بالوعي الجيد بأن الثورات "لا تؤمن بلغة الاقصاء والتنازع بين أبنائها، لأن الثورات تأكل أبناءها إذا لم يبُرُّوا بها"، مشددا على أن تجاهل "طبيعة الحكم الصالح" لما بعد الثورة يمكن أن يأتي بثورات جديدة، مضيفا أن "طبيعة ما بعد الثورة تأبى الحكم الفردي وتتساوق والحكم الاتلافي الذي يضم كل الأفرقاء والتوجهات".