تعرف العديد من المدن السودانية منذ الاثنين الماضي، احتجاجات بعد قرار الحكومة رفع الدعم عن الوقود، في أسوأ اضطرابات يشهدها نظام الرئيس السوداني عمر البشير منذ سنوات. وبينما قال ناشطون في المعارضة السودانية إن عدد قتلى الاحتجاجات وصل إلى 70 قتيلا في يومها الرابع، ذكرت الشرطة السودانية في بيان مساء أمس إن عدد قتلى الاحتجاجات بلغ 29 قتيلا من الشرطة والمدنيين، متهمة المعارضة السودانية ب"تضخيم" أرقام الضحايا. يأتي ذلك في الوقت الذي شهدت فيه العاصمة السودانية الخرطوم، أمس الخميس، أزمة نقص حاد في الوقود؛ حيث تكدست مئات السيارات في أنحاء متفرقة من العاصمة أمام محطات الوقود، التي لم تباشر عملها، بسبب مخاوف من تعرضها لهجمات في سياق الاحتجاجات على رفع الدعم عن الوقود التي بدأت يوم الإثنين الماضي. الوقود يهدد نعمة الاستقرار وفي هذا السياق، قال "العاقب سليمان"، الأمين العام للغرفة القومية لتوزيع المواد البترولية (حكومية) إن "69 محطة وقود تأثرت جراء أحداث الشغب التى شهدتها العاصمة، ويتفاوت الضرر ما بين تكسير المعدات والمباني والتخريب والحرق"، مضيفا أن: "الوقود متوفر، لكن هناك ضغطا على المحطات التى لم تتأثر جراء الاحتجاجات وسيتحسن الوضع باستئناف المحطات المتأثرة جزئيا لنشاطها". هذا وشهدت الخرطوم منذ صباح أمس، نقصًا في المواصلات العامة، كما لم يغادر غالبية الموظفين مساكنهم رغم عدم تجدد الاحتجاجات، باستثناء تظاهرات صغيرة في حي بري، شرقي الخرطوم، وحي الكلاكلة، جنوبي الخرطوم، وحي الثورة، بمدينة أم درمان، التي تتبع ولاية الخرطوم. بدروه، أكد "صديق الشيخ"، نائب والي الخرطوم، في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام السودانية أن "هناك مجهودات مبذولة لاستئناف نشاط المخابز المتوقفة وإصلاح محطات الوقود وعودة وسائل النقل والمواصلات للانسياب بصورة طبيعية"، مشددا على أن ولاية الخرطوم "لن تقبل أن يضيع مستقبل 8 ملايين نسمة (عدد سكان الولاية) من أجل مجموعة من النهابين والمخربين والخارجين عن القانون"، في إشارة إلى القائمين بالاحتجاجات، مبينا أن "نعمة الاستقرار والطمأنينة والتسامح التي يعيشها المجتمع السوداني لن نفرط فيها". أصعب امتحان وفي غضون ذلك قال خبيران سياسيان إن وضع الرئيس السوداني عمر البشير "حرج" حيث يواجه "أصعب امتحان" منذ توليه السلطة 1989 نتيجة مواصلة الاحتجاجات المطالبة ب"إسقاط النظام" منذ الإثنين الماضي. وقال الخبيران، أحدهما سوداني والآخر مصري، في تصريحات نقلته وكالة الأناضول التركية إن "قدرة البشير على إخماد المظاهرات المعارضة له تجعله أمام امتحان صعب هذه الأيام"، مشيرين إلى أن المواطن السوداني يعيش حالة "احتقان سياسي متراكمة منذ فترات طويلة قد تدفعه إلى الاستمرار في انتفاضته". ورجّح المحلل السياسي السوداني، عبده حامد أن تتحول الاحتجاجات إلى "ثورة شعبية"، معتبرا أنه أصبح من الصعب أن يعود من خرجوا إلى الشارع إلى منازلهم بعد "استخدام النظام للقوة بشكل مفرط" من قبل الأجهزة الأمنية. واعتبر حامد، الباحث المتخصص في الشأن السوداني لدى عدة مراكز بحثية، أن هناك شواهد على استمرار هذه الثورة لحين "إسقاط النظام" بقوله إن "الحكومة السودانية لا تمتلك الإمكانيات الاقتصادية حتى تنفق على مجموعاتها الأمنية، حتى أنها استجلبت قوات أمنية من ولاية دارفور (غرب) لسد النقص في القوات، فضلاً أن الخطوة التي اتخذتها الحكومة في زيادة أسعار المحروقات والسلع الغذائية صعد من حالة الغضب ضدها". لكن هاني رسلان، المتخصص في الشأن السوداني بمركز الأهرام للدراسات السياسية في القاهرة، قال إن القبضة الأمنية "ليست ضعيفة" كما يظن البعض، فربما يستطيع البشير "إجهاض الثورة عن طريق حملة قمع مكثفة لمعارضيه خاصة أن قادة النظام توعدوا المتظاهرين باستخدام الحل الأمني"، مستبعدا يستبعد تطور الاحتجاجات في السودان إلى ثورة شعبية ، وقال: "قد يحدث أمر خارج التوقعات كأن تتحول المظاهرات إلى ثورة بالنظر إلى عدد القتلى والجرحى؛ لأن السودانيين فقدوا الصبر خاصة بعد ارتفاع الأسعار، وبالتالي أصبح هناك دوافع تحركهم دون النظر إلى الأحزاب السياسية". ربيع السودان يأتي ذلك في وقت أعربت فيه صحف خليجية عن تأييد "ضمني" للاحتجاجات التي يشهدها السودان منذ الاثنين الماضي احتجاجا على رفع أسعار الوقود قبل أن يرتفع سقف المطالب بالدعوة لإسقاط نظام الرئيس عمر البشير، في الوقت الذي ساد فيه صمت رسمي عربي تجاه الاحتجاجات التي تشهدها مناطق متفرقة من السودان. وأطلقت صحيفتا "الرياض" السعودية و"الخليج" الإماراتية الصادرتان أمس الخميس على الاحتجاجات "ربيع السودان"، فيما حملت "السياسة" الكويتية، في مقال لأحد كتابها، من أسمتهم "نجوم الفشل"، في إشارة إلى نظام البشير، المسؤولية عنها.