أن تتصل بي وكالات فرنسية مختصة في التواصل لدعوتي لمهرجان فني أو ثقافي في هذه الدولة أو تلك شيء اعتدت عليه منذ أن بدأت العمل التلفزيوني في باريس،فبعض الجهات المنظمة باتت تفضل تكليف وكالات مختصة في التواصل مع الصحافيين بهذه المهمة بهدف الوصول إلى صحافيين دون عناء البحث عن بياناتهم واحدا واحدا. ما لم أكن اتوقعه هو أن تتصل بي إحدى هذه الوكالات الفرنسية لتعرض علي المشاركة كصحافي في مناسبة يريدها منظموها تحريضية ضد بلدي و عدائية لوحدته الترابية. حين رن هاتفي كانت مخاطبتي سيدة فرنسية قدمت لي نفسها باسم الوكالة التي تعمل لفائدتها،لتعرض علي أن أكون ضمن وفد فرنسي يتوجه إلى مخيمات تندوف في الجزائر،مع قضاء ليلتين في فندف فاخر في الجزائر العاصمة و كل هذا دون أن أدفع فلسا واحدا،بل و إن الجهة المنظمة تعدني بمصروف جيب و تعويض عن الرحلة و التنقل و بعض الهدايا التذكارية. سألتها من تكون الجهة المنظمة،فردت علي كل شيء سيكون على نفقة الحكومة الجزائرية و يمكن أن أقترح عليهم أسماءا أخرى أيضا إن أردت أن تشاركني الرحلة. و حسب ما فهمته من مخاطبتي الفرنسية أن المطلوب منهم هو دعوة مائة شخصية من فرنسا و تنظيم رحلة لها إلى مخيمات تندوف،بهدف تعريفهم على وضع من أسمتهم ب"اللاجئين الصحراويين في هذه المخيمات،و التضامن معهم و نقل معاناتهم إلى الخارج". استغربت الأمر و سألتها قائلا " عفوا هل تعرفين جنسيتي ؟ "..فردت : "حضرتك فرنسي الجنسية اليس كذلك ؟" قلت لها : "بلى لكني أيضا مواطن مغربي و أدعم وحدة تراب بلدي حتى النخاع و لا يمكن أن أشارك في أي عمل عدائي ضده هل تفهمون هذا ؟". شعرت بمخاطبتي و كأنها لا تعلم شيئا حتى عن موقع مخيمات تندوف و لا طبيعة القضية و أصل النزاع،و عبرت عن ذلك صراحة حين قالت لي : "نحن لا نعرف أصلا الموضوع و دورنا فقط جمع الضيوف و تنظيم الرحلة..فهل حضرتك موافق حتى أرسل لك تذكرة إلكترونية للطائرة ذهابا و إيابا و سنتكفل بموضوع التأشيرة". اعتذرت لمخاطبتي بلباقة و في نفس الوقت تحسرت على أموال الشعب الجزائري التي تبعثر يمينا و يسارا و هو في أمس الحاجة إليها،فما معنى تسخير أموال طائلة لتنظيم رحلات هدفها فقط التحريض ضد بلد جار و توسيع الهوة بين الشعبين الشقيقين و إشعال الفتن و بالتالي جر المنطقة نحو عدم الاستقرار؟ من يومين أيضا أخبرتني صديقة فرنسية تترأس منظمة اجتماعية أن صحافية سابقة في التلفزيون الجزائري تقيم في باريس اتصلت بها لتعرض عليها كذلك المشاركة في نشاط مواز في تندوف،حيث تسعى السلطات الجزائرية إلى تنظيم رحلة لخمسين شخصية نسائية من فرنسا للتعريف ب"قضية الصحراويين" لكنها أيضا اعتذرت لأسباب مهنية. و استغربت صديقتي الفرنسية من إصرار الصحافية الجزائرية و تذكيرها مرارا بأن كل النفقات مدفوعة سلفا من حكومة بلدها،و لن تنفق سنتا واحدا مع محاولة إغراءها بجمال الطبيعة في الصحراء و فخامة الفندق الذي ستقيم فيه رفقة باقي الشخصيات النسائية لعلها توافق. هذه الأموال الضخمة التي تنثر هنا و هناك تحت اسم "دعم الشعب الصحراوي في تقرير المصير"،كان يجدر إنفاقها في تحسين مستوى عيش الإنسان الجزائري أولا،لأن الجزائر التي تصنف ضمن أهم الدول المصدرة للنفط و الغاز في العالم يعيش أكثر من ربع سكانها تحت عتبة الفقر المدقع على الرغم من الأرباح الكبيرة التي تجنيها الدولة من خلال الارتفاع المتواصل لأسعار النفط،وهو ما يجعل الكثير من الجزائريين يتساءلون عمَّا يحصل في الواقع بالدولارات النفطية. كيف لدولة تصنف بمداخيلها النفطية ضمن الدول الغنية،بينما شعبها تضعه الأممالمتحدة في لائحة شعوب العالم الفقيرة وفق تصنيف التنمية البشرية،أن تسخر كل هذا الجهد و المال لإلحاق الضرر ببلد جار و شقيق. ما يقوم به النظام الجزائري من تبذير لأموال شعبه حتما لن يعود بالربح على الجزائريين،فهناك أعداد لا تحصى من المتسولين من رجال ونساء وأطفال يسكنون في العاصمة في أكواخ هربًا من المناطق الريفية الفقيرة التي لم تمسها نعمة الدولارات النفطية على الإطلاق. كان أولى على الحكومة الجزائرية أن تنفق هذه الأموال على عدة مناطق في الجزائر تعاني عزلة تامة كما هو الحال في عين أميناس و عين الدفلة و غيرهما من المناطق التي تضررت كثيرا من موجة الإرهاب التي ضربت البلاد خلال العشرية السوداء في التسعينيات،فالجميع يعلم أن الظلم الاجتماعي وسوء توزيع الدولارات النفطية في تلك الفترة كان عاملا رئيسيا في فوز اجبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة بالانتخابات. الجزائر استفادت كثيرا من فائض الميزانية السنوية في تسديد ديونها الخارجية قبل حلول ميعاد سدادها، حيث انخفضت مديونية الدولة خلال اربعة أعوام من 23 مليار دولار إلى خمسة مليارات دولار وهو ما يجعل الكثير من المنتقدين يقولون إن الحكومة الجزائرية لم تعد تعرف ما يجب عليها ان تفعل بالاموال الكثيرة،لدرجة أنها عرضت حتى على صندوق النقد الدولي استخدام هذه الأموال كوديعة لحل أزمات أوروبا المالية، على الرغم من ان قسمًا كبيرًا من الشعب الجزائري يعاني نقصا في المواد الضرورية للحياة والمشاريع الخدمية في انحاء الدولة،بل و منهم من يحرم حتى من الماء الشروب أو انقطاعه المتكرر في اكبر المدن الجزائرية كوهران و الجزائر العاصمة. باختصار بعد مرور طل هذه الأعوام الطويلة على افتعال مشكلة الصحراء، وبعد كل المفاوضات العسيرة دون نتيجة، أعتقد في نهاية المطاف أن الجزائر هي التي يجب أن تكون المفاوَض الرئيسي في الملف. الجميع بات يعلم اليوم ان الأموال الجزائرية هي التي تدفع الشباب داخل الصحراء وفي المدن الجامعية المغربية الى اللجوء إلى فن حرب العصابات و مناوشة القوات العمومية المغربية، و جرها الى الصدامات المتكررة بهدف الوقوع في فخ خروقات حقوق الانسان، و بعد ذلك تشويه الحقائق و تزييف الوقائع على الأرض، عن طريق خلق ضجة اعلامية و حقوقية عالمية ضد المغرب، و تقديمه للرأي العام الدولي على اساس انه دولة مارقة لا تحترم حقوق الإنسان. خطة تصدير أدوات الحرق و الذبح رغم أنها نجحت نسبيا مستغلة و جود تربة صالحة للتنفيذ إلا انها لم يكتب له النجاح بسبب حكمة و تعقل المغاربة، فالمؤامرة معقدة و المغامرة متشبعة و لها اذرع كبيرة و تفاصيلها بدأت تظهر شيئا فشيئا..و لكم في الرحلات المجانية المدفوعة نفقاتها سلفا خير دليل. * صحافي و إعلامي مغربي مقيم في باريس