الكل تابع الغضبة الملكية على قطاع التربية الوطنية من خلال خطاب 20 غشت الأخير،وذلك عند توجيه جلالة الملك تشريحا نقديا قويا لبعض اختلالات المنظومة التعليمية(القطائع في السياسات التعليمية للحكومات،عدم الإشراك،عدم ربط التعليم بالتنمية،المقاربات السياسوية الضيقة،ضمنيا،غياب القيم والأخلاقيات الوطنية والمهنية...)،لكن،في تقديري،من بين الأسباب الرئيسية لفشل التعليم بالمغرب كذلك،هو الفساد الإداري والمالي المستشري في القطاع منذ عقود،ولا احد تقريبا يتحدث عنه بالجدية اللازمة؛حيث إن نجاح أي إصلاح تعليمي رهين بشكل كبير بقيادة إدارية كفأة ونزيهة ومواطنة (مركزيا،وجهويا،وإقليميا،ومحليا)،وبالصرف الحقيقي للاعتمادات المالية المخصصة للقطاع (المشاريع البيداغوجية واللوجستيكية والاجتماعية للعرض التربوي:بنايات،تجهيزات،خدمات،إطعام..).وعليه،سنحاول في هذه المقاربة،التطرق إلى بعض مظاهر الفساد الإداري والمالي في قطاع التربية،ما رشح منها فقط،وما خفي سيكون أعظم أكيد. *مظاهر الفساد الإداري: كما هو معروف،فإن نجاح أي مشروع يرتبط أولا بكفاءة وفعالية ونزاهة ووطنية القيادة الإدارية(على مستوى التخطيط ومتابعة التنفيذ والتقييم...).لكن كيف يتم اختيار او تعيين هذه القيادات الإدارية؟ الأكيد والمتداول،أن بعض هذه القيادات الإدارية،على مستوى الوزارة والأكاديميات والنيابات ،وحتى المؤسسات التربوية،غالبا مايتم اختيارها وتنصيبها خارج منطق الكفاءة والتجربة والنزاهة...ومعايير الاختيار،غالبا ما يتحكم فيها منطق الصداقات والعائلة والشفونيات القبلية والجغرافية،والزبونية النقابية والحزبية والرشوة...هكذا،لن نتعجب كثيرا،حين نجد منتوج وفعالية هذه القيادات المغشوشة ضعيفين ورديئين،وغالبا ما تتسم بعدم المسؤولية والجدية والاستهتار،بل وتمارس وتكرس هي الأخرى أشكالها من الفساد التدبيري والسطو على المال العام،وبالتالي فشل تنزيل أي إصلاح تعليمي...مادامت تفتقد إلى الكفاءة،ولا تخاف مبدأ المحاسبة،لأنها تحظى بحماية من نصبها بالإضافة إلى أشكال التواطؤ بينها وباقي الفاسدين من بعض النقابات والمسؤولين والمنتخبين...،وتعرف مسبقا أن الكل فاسد،والفاسد لن يحاسب الفاسد...لذا،وجب التفعيل الحقيقي للدستور المغربي الجديد،لمحاربة وتجفيف مظاهر الفساد الإداري في القطاع،من خلال اعتماد مبادئ ربط المسؤولية بالمحاسبة،واعتماد مبدأ الكفاءة والنزاهة والتنافس(المباريات)للحصول على المناصب الإدارية مركزيا وجهويا وإقليميا ومحليا ومؤسستيا. *الفساد المالي: نجاح أي إصلاح له علاقة كذلك بتوفير كلفته المالية،وصرف الأغلفة المالية على المشاريع المستهدفة،ومراقبة أوجه الصرف الحقيقية ميدانيا.لكن ماذا يقع في الواقع؟ ترصد أغلفة مالية، كما وقع مثلا في تنفيذ مشاريع المخطط الاستعجالي:حوالي 44 مليار درهم،(وهناك تضارب في الرقم الحقيقي؟!) ،مركزيا وجهويا وإقليميا ومحليا،لإنجاز البنيات والتجهيزات والخدمات والمشاريع التربوية وتوفير وسائل العمل...لكن غالبا مانجد(حسب بعض الأخبار المسربة إعلاميا،والتقييم الأولي لمشاريع المخطط الاستعجالي،تقارير المجلس الأعلى للحسابات) عدم التطابق بين الأغلفة المرصودة في الوثائق والواقع.يكفي أن نعطي بعض الأمثلة الدالة،والتي تدعو إلى الشك وتستوجب تحريك لجان المراقبة والمتابعة القضائية:عدد ومواصفات وجودة البنايات المدرسية كما هي في الوثائق ودفاتر التحملات لا تطابق واقع إنجازها،التلاعب في الصفقات،التجهيزات ووسائل العمل تكون غالبا من حيث الجودة والعدد لاتعكس ماهو مسجل في الوثائق،هناك تضخم في التعويضات المختلفة للأطر الإدارية،وأحيانا يتم الاستفادة منها دون إنجاز المهام المعوض عنها ودون استحقاق؛نجد في الوثائق الرسمية لمبادرة مليون محفظة ضرورة استفادة التلاميذ المعنيين من محفظات وكتب ولوازم مدرسية حسب مواصفات معينة،في الواقع نجد بعض التلاميذ في بعض المدارس لا يستفيدون من كل ماورد في الوثائق الرسمية،ناهيك عن غياب جودة المحفظات واللوازم المدرسية،أو عوض الاستفادة من دفاتر 100 ورقة توزع دفاتر 50 ورقة(كمثال نيابة سيدي سليمان،حيث وقفنا عينيا على مثل هذه الاختلالات ) ...سوء وعدم جودة ربط المؤسسات بشبكات الماء والكهرباء ...فأين تذهب الأموال الضخمة المخصصة للوزارة مركزيا وللأكاديميات والنيابات الإقليمية والمؤسسات؟هل تصل فعلا إلى وجهتها؟وخصوصا المؤسسة التربوية والتلاميذ،الذين الكل يتبجح بأنهم المستهدفون من أي إصلاح؛الكل يعرف الحالة المزرية لأغلب مدارسنا وتلامذتنا، فلماذا هذه الملايير تهدر؟وأين تذهب بما أنها لا تصل غالبا للمدرسة وللتلميذ،حتى لا نقول للمدرس/ة أيضا،وهذه هي الأعمدة الحقيقية لنجاح أي إصلاح تعليمي؟! هذا فقط غيض من فيض،والأمثلة كثيرة،على مظاهر الفساد الإداري والمالي في قطاع التربية الوطنية،وإن أضفنا إلى الفساد الإداري والمالي،الفساد المهني والأخلاقي(وقد أشار إلى ذلك ضمنيا جلالة الملك في خطاب 20 غشت الأخير)،فكيف لأي إصلاح أن ينجح ولو كان التخطيط جيدا والأغلفة المالية المرصودة له ضخمة داخل بنية الفساد؟ومن يحاسب من؟ وفي الأخير،نقول،ولو كررنا ذلك مرارا،الفساد الإداري والمالي والمهني والأخلاقي،من اكبر أسباب فشل الإصلاحات التعليمية بالمغرب،وآن الأوان لوضع حد لمزيد من هدر مستقبل الأجيال والبلاد من طرف المفسدين مهما كان موقعهم وصفتهم،خصوصا بعد النقد الصريح لأعلى سلطة في البلاد لاخلالات المنظومة التعليمية(وهو يعكس نفسيا حالة غضب ونفاذ صبر كل المغاربة الغيورين على أبنائهم ووطنهم)،والإسراع الجدي للتفعيل المسؤول والمواطن للدستور تعليميا،خصوصا ربط المسؤولية بالمحاسبة والشفافية التدبيرية والمالية،وتكريس مبادئ الكفاءة والنزاهة والوطنية الصادقة، ،والديمقراطية التشاركية في التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم،وحق أبناء وبنات المغاربة في تعليم جيد وفعال وحديث،وذلك أبسط حقوق المواطنة والإنسان. *باحث تربوي