بعد نهاية الأمد الزمني للبرنامج الاستعجالي في دجنبر 2012، وظهور بعض مؤشرات فشله،بعد التقييم والافتحاص الأولي (لماذا فقط أولي وليس نهائي؟!) لمشاريع تطبيقه، وبعد الخطاب الملكي ل20 غشت(2012) الذي انصب بشكل كبير على قضايا المنظومة التعليمية،وفيه دعوة ضمنية للشروع في إصلاح تعليمي جديد، فماذا بعد البرنامج الاستعجالي؟ ومن أين سنبدأ الاصلاح من جديد؟ منطقيا يجب بناء البديل الاصلاحي الجديد انطلاقا من التقييم الموضوعي والدقيق للبرنامج الاستعجالي(وكذا لتطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين)، لتصحيح الاختلالات السلبية المسجلة، وتعزيز الايجابيات المحققة،واستشارة وإشراك المهنيين الممارسين بالدرجة الأولى. لنرى بالتدقيق ماهي انجازات واختلالات البرنامج الاستعجالي، وماهي البدائل المقترحة لبلورة أفق إصلاحي جديد لمنظومة التربية والتعليم والتكوين بالمغرب. إنجازات البرنامج الاستعجالي من بين انجازات البرنامج الاستعجالي ،الى حدود الموسم الدراسي 2011/2012،والتي نجد بعضها في البلاغ الصحفي الصادر عن وزارة التربية الوطنية خلال شهر غشت 2012(النتائج الاولية لتقييم وافتحاص مشاريع البرنامج الاستعجالي)،نذكر: التخطيط الممنهج والعقلاني للإصلاح على المدى القصير،من خلال اعتماده 4 مجالات للتدخل،شملت تقريبا كل عناصر المنظومة التعليمية، وأجرأة تطبيقها من خلال 27 مشروعا، واعتماد 721 مؤشرا للتقييم والتتبع؛تحقيق نسب جيدة في تعميم التمدرس،حيث بلغت نسبة تمدرس أطفال(4-5سنوات) 63%، و95% بالنسبة للفئة العمرية(6-11سنة)، و79% للفئة العمرية(12-14 سنة). ، ونسب مهمة في محاربة الهدر المدرسي (خصوصا في الابتدائي)،و في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والدعم الاجتماعي، من خلال عمليتي"تيسر"(استفادة 405.725 أسرة)،ومليون محفظة"(4.102.377 من التلاميذ)، والإطعام المدرسي( 1.208.894 تلميذ وتلميذة)؛وتحقيق بعض الانجازات على مستوى العرض المدرسي والبنيات التحتية والتجهيزات:تجهيز92% من المؤسسات التعليمية بالعتاد الديداكتيكي؛تجهيز 9310 مؤسسة من 10141 مبرمجة؛إحداث 99 مؤسسة ابتدائية،من أصل 373 مبرمجة،و109 اعدادية من أصل 529 مبرمجة،و84 ثانوية تأهيلية من اصل 278 مبرمجة،إحداث 67 داخلية بالتعليم الثانوي من اصل 350 مبرمجة، توسيع 46% من المؤسسات حيث تم إحداث 4099 حجرة دراسية من اصل 8822 مبرمجة،تاهيل 4115 مؤسسة تعليمية من اصل 7288 مبرمجة،تاهيل 169 داخلية من اصل 306 مبرمجة ؛تم ربط 9170 مؤسسة تعليمية بالانترنيت من 9788 مبرمجة،تجهيز 32% من المؤسسات التعليمة بالقاعات متعددة الوسائط ،و89% من المؤسسات بالحقائب متعددة الوسائط). وعلى المستوى البيداغوجي والتكوين:تم تحقيق 50% من المشاريع البيداغوجية المبرمجة إرساء مقاربة بيداغوجية جديدة(بيداغوجيا الادماج) خصوصا في الابتدائي،وتم الاعتناء أكثر بالجانب التكويني للأطر التربوية والادارية،رغم ما يمكن تسجيله من سلبيات التي صاحبت تطبيق بيداغوجيا الادماج والتكوين المستمر،وتم التحسين النسبي لنظام التقويم والإشهاد التربويين... اختلالات البرنامج الاستعجالي على المستوى المنهجي والتدبيري والحكامة:لم يتم اعتماد منهجية إشراك المهنيين والفاعلين التربويين والمعنيين،من أطر تربوية ونقابات وجمعيات ،في عمليات التخطيط والتنزيل والتقييم والمتابعة؛ضعف على مستوى الحكامة والتدبيرالمالي والمادي والإداري لمشاريع الإصلاح،مثلا،لم يتم صرف سوى 45% من ميزانية البرنامج،وأغلب الأكاديميات لم تتمكن من إنجاز البنايات المدرسية المبرمجة،حيث ترواحت نسبة الانجاز بين 5% و25% و31%، و78% عند أكاديمية واحدة فقط،وهذا راجع إلى عدم التقدير الدقيق للمشاريع والزمن الملائم على المستوى التطبيقي،وضعف الكفاءات التدبيرية؛غياب التقييم والتتبع المرحليين للمشاريع،والتدخل المرحلي لتصحيح الاختلالات،حيث سجلت الوزارة الوصية في بلاغها الغياب التام لافتحاص الصفقات التي تفوق تكلفتها 5 ملايين درهم،والغياب التام لتقارير انتهاء تنفيذ الصفقات التي تفوق تكلفتها مليون درهم؛عدم اعتماد منهجية الأولويات واستهداف الإشكاليات الملحة والحاسمة في تطوير المنظومة التعليمية، حيث أغلب المجهودات والأغلفة المالية استنزفت فيما هو ثانوي( التجهيزات ووسائل العمل الإدارية، كثرة التعويضات و الاجتماعات والتنقلات ...)،في حين ماهو أساسي وحاسم في منظومة التعليم لم يحض بالتدخل والعناية الكافيين،ونقصد هنا القسم،بما يعنيه من تجهيزات بيداغوجية حديثة،وجودة البرامج والمناهج والكتب التربوية ،وظروف العمل الجيدة للمدرس/ة،حيث يسود الاكتظاظ والأقسام المشتركة والاستياء والمعاناة اليومية،خصوصا في العالم القروي... على مستوى البنيات والتجهيزات التربوية: نلاحظ أنه رغم المجهودات المبدولة في هذا المستوى،فإن إنجازأغلب المشاريع تراوح بين الضعيف والمتوسط وخاصة فيما يخص البنايات الجديدة ، حيث كانت نسب الانجاز(الى حدود الموسم الدراسي 2011/2012) حسب ما هو مبرمج في نهاية البرنامج الاستعجالي: المؤسسات الابتدائية26.45%،الاعداديات 20.60%، الثانويات التأهيلة 30.21%، والداخليات 19.14%، وبالنسبة للمدارس الجماعاتية التي كان يعول عليها لحل مشاكل الهدر والأقسام المشتركة في العالم القروي فلم ينجز منها سوى6 مدارس من اصل حوالي 200 كانت مبرمجة،أي بنسبة إنجاز3%. كما نلاحظ،هناك تعثر وتأخر واضحان فيما هو أساسي وملح وأولوي،أي إيجاد البنيات التحتية المسايرة للطلب التربوي المتزايد،مما يجعل رهان القضاء على مشاكل الاكتظاظ والأقسام المشتركة والهدر المدرسي...ما زال بعيدا،مما يؤثر سلبا على جودة وفعالية المنظومة التربوية ببلدنا. على المستوى البيداغوجي توصلت الوزارة في تقييمها لمشاريع البرنامج الاستعجالي إلى انه تم" تحقيق مايفوق 50% من المشاريع البيداغوجية المبرمجة،باستثناء مشروع مراجعة المناهج وتعزيز التحكم في اللغات،والاهتمام بشكل كبير بالمجالات المرتبطة بالتأطير والتكوين ومحاربة التكرار والانقطاع والتقويم وكذلك بدعم التعلمات...وتحسن في نظام التقويم والاشهاد". فيما يخص مسألة المناهج والبرامج،تجدر الإشارة إلى أن الوزارة في الموسم الدراسي السالف(2010/2011) كانت قد قامت بتنقيح جديد للبرامج والمناهج في التعليم الابتدائي،على أساس تطبيقه في موسم 2011/2012،وتم الشروع في تأليف الكتب المدرسية على أساس دفتر تحملات جديد وفق بيداغوجيا الادماج والتنقيح الجديد للبرامج والمناهج؛ولم تشر الوزارة إلى تقييم تطبيق بيداغوجيا الإدماج في بلاغها الصحافي! ونسجل فقط على المستوى البيداغوجي عدم توفق البرنامج الاستعجالي في تنزيل مقاربة بيداغوجيا الادماج،حيث حافظت على البرامج والمناهج والكتب القديمة ،مما خلق جو من الارتباك والتناقض لعدم ملاءمة تنزيل بيداغوجيا الادماج مع البرامج والكتب القائمة،ناهيك عن عدم ملاءمة هذا التنزيل للمستوايات الدراسية والعمرية للمتعلمين،وتعقد الوضعيات الإدماجية الموجودة في كراسات الادماج،وصعوبة وتعقيد نماذج التقويم المقترحة وفق هذه البيداغوجيا...بالإضافة إلى بعض الارتباكات المتعلقة بالتكوين المستمر للمدرسين في بيداغوجيا الادماج،من ضعف التكوين وسرعته وعدم كفايته، وهيمنة ماهو نظري وغياب ماهو تطبيقي.والخطأ القاتل في تطبيق مقاربة بيداغوجيا الادماج هو سرعة تجريبه وارتجالية تقييم تجريبه،وعدم تعميم هذا التقييم وعرضه للنقاش والإغناء وطنيا. وماذا بعد البرنامج الاستعجالي؟ كما هو معروف سينتهي البرنامج الاستعجالي في دجنبر 2012 من هذه السنة،وبعد تقييم وافتحاص الوزارة الأولي للبرنامج قبل 4 أشهر من انتهائه،بدأت غالبية الأصوات تقر بفشله،رغم أنه لم تصرف سوى 45% من ميزانيته والجزء الكبير من 55% المتبقية لازالت في خزينة الدولة، وأغلب مشاريعه التطبيقية التي أنيطت بالأكاديميات عرفت تعثرا وضعفا ولم تنجز كليا أو هي في طور الأنجاز،وأوقف الوزير الجديد بعض مشاريعه الببيداغوجية(بيداغوجيا الادماج،التقويم وتأليف الكتب المدرسية وفق هذه البيداغوجية )،وبعد الخطاب الملكي ل20 غشت(2012)،بدأ يلوح في الأفق ضرورة القيام بإصلاح جديد؛لكن ماهي مقوماته؟وهل سيتم اعتماد منهاج تربوي جديد، حيث سيتم تجديد او تغييرالاهداف والمبادئ والاختيارات الكبرى، والهيكلة التنظيمية والتدبيرية ،والمناهج والبرامج والكتب التربوية، والاختيارات البيداغوجية واللغوية،ونظام التقويم والأشهاد...،ليتوافق كل هذا مع الدستور الجديد والخطاب الملكي ل20 غشت الأخير وتجاوز اختلالات البرنامج الاستعجالي؟أم سيتم الاكتفاء فقط بإصلاحات جزئية وشكلية وسريعة؟ أظن ان القيام بإصلاح المنهاج التربوي ككل سيتطلب إجماعا وطنيا جديدا،ومجهودات وأموال أكثر،وضياع أكثر للزمن...لان الإجماع حول الخيارات والأهداف والمبادئ الكبرى لمنظومة التربية والتكوين قد تم من خلال الميثاق الوطني للتربية والتكوين،وبالنسبة للبرامج والمناهج والكتب المدرسية فإنه قد تم تنقيحها وتجديدها نسبيا في الابتدائي،من خلال مشروع"البرامج والتوجيهات التربوية المنقحة لسلك التعليم الابتدائي" الذي أصدرته الوزارة في يونيو 2011،فقط يجب عرضه للإغناء والتعديل على المدرسين قبل الشروع في تطبيقه،وتعميم تنقيح برامج ومناج باقي الأسلاك؛أما بالنسبة لمسألة اختيار النموذج البيداغوجي،فإنه وقع سوء فهم كبير فيما يخص تطبيق بيداغوجيا الادماج،مما اعتراها من اختلالات على مستوى التنزيل والتكوين واستغلال تنزيلها من خلال الهدر الكبير للمال العام على مستوى التعويضات وكثرة الوثائق والدلائل ...فمثلا على مستوى مصاريف تعويضات التكوين والتأطير والمهام وغيرها،لماذا يتلقى المفتشون تعويضا عن مهمتهم التأطيرية؟ولما لا يقومون بها في المؤسسات المدرسية المعنية كما كان من قبل؟حيث سيتم اقتصاد المال العام والجهد والمعاناة التي تعرض لها الاطر التربوية والأدارية المُكونة؛كما انه ليس من المقبول أن تستفيد بعض الأطر الإدارية من تعويضات على مهام هي من صميم مسؤولياتها.لنعود الى مسألة مقاربة بيداغوجيا الادماج،ومن خلال تقييم بيداغوجي صرف،وبعيدا عن المزايدات والسخط والنقد غير المؤسس علميا،وبغض النظر عن سوء التنزيل والتكوين والاستغلال،فإن أهداف هذه البيداغوجية جيدة،وهي إطار تطبيقي جيد لبيداغوجيا الكفايات،هذه البيداغوجيا ونظام تقويمها يوافقان تماما أهداف البيداغوجية الحديثة والعصرية،وما دعا إليه صاحب الجلالة في خطاب 20 غشت،من تجاوز لمنطق الكم والذاكرة والتلقي إلى منطق الكيف والذكاء والابداع وتنمية القدرات والكفايات الذاتية والمهارات،وتحقيق الإنصاف التربوي،خصوصا على مستوى الدعم والتقويم والإشهاد...وحسنا فعل وزير التربية الجديد حين دعا فقط إلى توقيف تطبيق بيداغوجيا الإدماج الى حين تقويم تطبيقها،رغم انه لم يتم تطبيقها فعلا حتى يتسنى لنا هذا التقويم على مستوى نجاعتها ونتائجها لدى المتعلمين.وهنا،أظن أن دعوة الوزير إلى ترك الحرية للمدرسين لاختيار النموج البيداغوجي الذي يريدون ويلائمهم،من الناحية البيداغوجية والمنهاجية،هي دعوة غير ناجعة ودقيقة،وربما يقصد السيد الوزير حرية اختيار الطرق التربوية الملائمة،لأن المناهج والبرامج والكتب التربوية ونظام التقويم والإشهاد يتم التخطيط لها وبلورتها حسب نموذج بيداغوجي له أهداف واختيارات وطرق ومناهج بيداغوجية معينة؛والنموذج البيداغوجي يلعب كذلك دورا مهما على مستوى توحيد التكوين والتعليم والتقويم...كما أن التنظيم التربوي والمقاربة الببيداغوجية المقترحان في تطبق بيداغوجية الإدماج،كان يترك فيهما حرية تطبيق الطرق البيداغوجية الملائمة للمدرسين في أسابيع بناء الموارد،وكان هناك توحيد المقاربة فقط في أسبوعي الإدماج. في الأخير،في رأيي ، وتجنبا لإهدار المزيد من المال والجهد والوقت،يجب الحفاظ على المبادئ والأهداف والاختيارات الكبرى كما وردت في الميثاق الوطني للتربية والتكوين،وكما تم تدقيقها في الكتاب الأبيض،وكذا الحفاظ على الاختيارات البيداغوجية والتقويمية والاشهادية التي تم الشروع في تطبيقها(بيداغوجيا الكفايات/الإدماج)،بعد القيام بعمليات تنقيح وإغناء وتحيين حسب مستجدات الدستور الجديد وملاحظات واقتراحات الممارسين،خاصة المدرسين،والاحتفاظ بالمناهج والبرامج التي تم تنقيحها بالنسبة للابتدائي في وثيقة يوليوز2011 التي تمت الاشارة إليها سالفا، بعد عرضها للتنقيح من طرف المدرسين،مع تنقيح وإغناء نظام تقويم ومناهج وبرامج الثانوي بمشاركة المدرسين،وإعادة النظرفي اختيار سلم أولويات المواد والشعب من حيث أغلفتها الزمنية وتأثيرها على شخصية المتعلم ومساهمتها في نهضة البلاد وتقدمها خصوصا المواد والشعب اللغوية العلمية والتكنولوجية والإعلامية،وتلك التي لها علاقة بالتربية على القيم،والعمل في اتجاه التخفيف من المواد والبرامج،وإعطاء أهمية أكبر على مستوى التكوين والتعلم لمنطق الكيف،ولتعزيزالمهارات المنهاجية والذكاءات والكفاءات والقدرات الذاتية،والتشجيع على الإبداع والابتكار والنقد...وتجاوز منطق التلقين والشحن والمقاربات الديداكتيكية التقليدية بالنسبة للمدرسين(كما تدعو الى ذلك الديداكتيكيات الحديثة). والأهم هو ضرورة تركيز واستهداف كل مجهودات أي إصلاح على الرباعي الحاسم في نجاعة ونتائج المنظومة التعليمية:القسم،من حيث العدد و التجهيزات والوسائل الحديثة وجودة وجمالية وسعة وصحة البناء،والأستاذ،من حيث توفير ظروف العمل الجيدة والشروط المادية والاجتماعية المريحة والتكوين الجيد،والتلميذ،من حيث دعمه البيداغوجي والنفسي والاجتماعي والصحي،وتحفيزه على الاجتهاد والجدية والالتزام والتفتح،والبرامج والمناهج ونظام التقويم والإشهاد والكتب المدرسية،من حيث جودتها وحداثتها وفعاليتها وملاءمتها... كما يتعين التطبيق الجيد لمبادئ وآليات الحكامة الجيدة،خصوصا من حيث التدبير العقلاني والفعال،والإشراك،والشفافية والتقييم والإفتحاص المستمران،وربط المسؤولية بالمحاسبة،واعتماد شرطي الكفاءة والنزاهة في تقلد المسؤوليات والقيادات التدبيرية، والعمل في أقرب وقت على حل إشكال الاختيارات اللغوية ولغات التدريس في التعليم المدرسي وعلاقتها بالتعليم الجامعي والعالي، وتفعيل مقتضيات الدستور الجديد في جانبه التربوي والتعليمي،وتنزيله السليم في منظومة التربية والتكوين. * أخصائي تربوي