أقدم المغرب على توقيع اتفاقية مع دولة مالي تهدف إلى تكوين 500 إمام مالي، موزعين على 5 أفواج، ويدوم التكوين سنتين لكل فوج، وذلك في سياق طلب من مالي للمغرب قصد المساهمة، بالنظر إلى تجربته في هذا المجال، في إعادة بناء هيكلة دولة مالي في مجال الأمن الروحي لمواجهة تهديدات التطرف الديني. ومن المرتقب أن يلتحق الأئمة الماليون قريبا بمركز تكوين المرشدين بالرباط، والذي يتابع فيه المرشدون والمرشدات الدينيات دراستهم للتخرج بعد ذلك مؤطرين للشأن الديني في مساجد البلاد وعدد من مؤسساته الاجتماعية، وهي التجربة المغربية التي جاءت في سياق إستراتيجية الدولة المغربية لتدبير الحقل الديني وإعادة هيكلته منذ 2004، عقب الأحداث الإرهابية التي ألمت بالدار البيضاء في مايو 2003. ولقراءة دلالات وخلفيات هذا التعاون "الديني" بين المغرب ومالي، اللذين تجمعهما خاصية ما يسميه البعض "الإسلام السني المالكي"، اتصلت هسبريس بالكاتب والباحث في الشأن الديني، إدريس الكنبوري، والذي قال إن توقيع الاتفاق "يندرج ضمن السياسة الإفريقية الجديدة للمغرب، حيث انخرط المغرب بشكل قوي ومبكر في الأزمة المالية العام الماضي بين المتمردين والنظام، وهو ما شكل في وقته طموحا في العودة إلى الساحة الإفريقية بعد غياب طويل". وأفاد الكنبوري بأن "توقيع اتفاق بين البلدين يشرف بمقتضاه المغرب على تدريب أئمة ماليين، يؤكد رغبة المغرب في تكريس حضوره الديني بالقارة، خاصة أن هناك عناصر اشتراك كثيرة بين البلدين، فطوال التاريخ كانت هناك علاقات قوية بين المغرب ومالي وتمبوكتو بوجه خاص". وأوضح المحلل طبيعة تلك الوشائج الوطيدة، ومنها علاقات دينية وثقافية بدرجة أولى، وسياسية خلال القرن التاسع عشر بالخصوص، عندما كانت مالي تابعة للسودان الفرنسي في عهد السلطان أبي الحسن، وكانت هناك حركة علمية بين البلدين تمثلت في الرحلات والرحلات المعاكسة التي كان يقوم بها علماء البلدين لتحصيل العلم". وأردف الكنبوري بأن العلاقات بين المغرب ومالي "اتسمت أيضا بالامتداد الصوفي، من خلال انتشار الطريقة التيجانية في البلدين، والامتداد الفقهي الممثل في الفقه المالكي"، مشيرا إلى أن "الفقه المالكي عرف بأنه فقه التسامح والتعايش، ولذلك انتشر في الأندلس، ولقي ترحيبا هناك لأن الأندلسيين وجدوا فيه الفقه الأنسب للتعايش مع مختلف الطوائف، والأكثر بعدا عن التشدد، بسبب أخذه بمبدأ المصلحة"، مُذكرا بفتوى المصلحة المرسلة عام 2005 الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى إثر استفتاء من الملك بوصفه أميرا للمؤمنين". وخلص الكنبوري إلى أن "المغرب يريد أن ينقل هذا النموذج إلى إفريقيا عبر مالي التي تعتبر البيئة الأنسب للأسباب سالفة الذكر، وأن يعطي رسالة إلى بلدان المنطقة والعالم بأنه يتصدر معركة التصدي للتطرف الديني والتشدد في القارة السمراء". وذهب الباحث ذاته إلى أن هذا التوجه يعد "إستراتيجية يراد من ورائها الرد على الدولة الجزائرية التي لا تكف عن مناكفة المغرب في الشأن الديني، سواء في أوروبا وخاصة فرنسا حيث مسجد باريس، أو في إفريقيا حيث للبلدين معا مصالح متناقضة".