مما لا شك فيه أن العد العكسي لفيروس كورونا قد انطلق؛ إذ شرعت العديد من الدول في العودة إلى حياتها العادية، ولو بشكل تدريجي وحذر، مخافة من موجة أخرى قد تنسف كل الجهود التي بذلت لمحاصرة الوباء. بدورنا، ومن هذا المنطلق، نترقب إعلان السلطات المغربية عن البرنامج الذي تكون قد سطرته لرفع الحجر الصحي الكلي عن المواطنين بما يتضمنه من قرارات وتدابير وتواريخ في أفق استعادة العافية على اختلاف مستوياتها: الصحية، والإنسانية، والاجتماعية، والاقتصادية. ولقد قيل كلام كثير عما بعد زمن كورونا؛ إذ اشتغل كثير من الخبراء والدارسين على الاحتمالات الممكنة والتغيرات المرتقبة على مستوى العلاقات الدولية، السياسية منها والاقتصادية، بل يذهب البعض إلى القول بأن نظاما عالميا جديدا قادم لا محالة. إن ما يؤرقنا اليوم، بشكل كبير، هو تساؤل نعتبره مركزيا، مفاده: هل سيأخذ المغرب العبرة والدرس من هذه الجائحة أم سيعتبرها مرحلة لا تلبث أن تمر ونعود إلى حياتنا العادية كما يُروج البعض؟ وإن كنا قد تفاعلنا إيجابا مع جل، إن لم نقل كل، التدابير والاحترازات التي اتخذتها السلطات المغربية لمواجهة هذا الوباء والحد من تفشيه، إلا أنه ينتابنا تخوف يتأسس على عدة تجارب عشناها وكوارث عانيناها من أن يكون الجواب سلبا. لا نريد أن نكون متشائمين، لكن تداهمنا عدة أحداث مأساوية كان المغرب مسرحا لها، فتأثرنا وحزنا وبكينا لوقوعها، ووارينا التراب ضحاياها، لكن لم تمض إلا بضعة أيام حتى عدنا إلى الحياة اليومية وكأن شيئا لم يقع. على هذه الخلفية، يحزنني التذكير بالقطار الذي زاغ عن سكته بنواحي "بولقنادل" ليلقى مواطنون حتفهم، مما ترتب عنه العشرات من الأيتام والأرامل. كما لا ننسى الحادثة الأكثر ترويعا في تاريخ المغرب، والتي مات على إثرها 42 مواطنا فضلا عن الحالات الخطيرة، وذلك لما سقطت حافلة في طريق جبلي وعر نواحي "تزين تشكا"، أو فاجعة معمل النسيج بطنجة التي مات جراءها 25 عاملا وعاملة اختناقا. وكم هي القناطر والطرق التي تتهاوى ما أن تسقط الأمطار الموسمية الأولى، أو تفيض وديان وأنهار فتجرف معها الحجر والبشر. أكتفي بهذه النماذج من الحوادث والمآسي التي علقت بذهني لنؤكد على الضرورة الحتمية للاستفادة من هذه الكوارث من أجل اتخاذ المتعين وعدم السقوط في النسيان واللامبالاة، والتوجه إلى الحلول الجذرية. فالعمليات الاحترازية والاستباقية التي لجأت إليها بلادنا في مواجهة كورونا، كان دافعها الوعي التام باختلالات منظومتنا الصحية؛ بدءا بقلة مؤسساتنا الاستشفائية، مرورا بتجهيزاتها المتهالكة، وانتهاء بالنقص الحاد في أعداد مواردنا البشرية. لهذا، وبناء على ما سبق، وعلى ما قد يحمله لنا القادم من الأعوام والعقود، وحتى نرفع التحديات ونكسب الرهانات، وحتى لا نعود إلى حياتها القديمة وكأن شيئا لم يقع، من حقنا أن نتطلع إلى مغرب جديد تتكافأ فيه الفرص بين الجميع، وتنمحي كل أشكال التمييز ضد الحق في الحياة، وتختفي فيه الفوارق الاجتماعية والمجالية، ويتم التوزيع العادل للثروة الوطنية، والكف عن تبذير المال العام، والربط الفعلي بين المسؤولية والمحاسبة، وإعادة النظر في الاختيارات والأولويات، وإعادة الاعتبار للأطر الطبية والأساتذة ورجال الفكر والبحث العلمي والثقافة. إنها بعض المداخل لمعالجة معضلات وتداعيات الجائحة على المستويين المتوسط والبعيد، غير أنها تحتم بدورها، ولا شك، مراجعة جريئة لمفهوم الدولة وطبيعة السلطة وعلاقة الدولة بالمجتمع، وإعادة هيكلة الدولة على أساس الجهوية الموسعة، وتكريس استقلالية المؤسسات التمثيلية، وتعزيز الديمقراطية، وتوسيع الحريات الفردية والجماعية، ومراجعة آليات صنع القرار وتصريفه، واعتماد اقتصاد وطني كفيل بتحقيق التنمية المنشودة. إننا نعيش زمنا مفصليا مساعدا على مراجعة الذات لتغيير الاختيارات وإصلاح الاختلالات، كما نتابع، كل من موقعه وحسب مجال اهتمامه وزاوية نظره، تفاصيل المرحلة وما تزخر به من دراسات ومعطيات ومقترحات، تسمح لنا بالقول إن الكفاءات الوطنية العلمية والفكرية لا تعدم إمكانية صياغة توجه مستقبلي جديد لمغرب ما بعد كورونا. وعلى سبيل الختم، وفي سياق متصل، نستحضر المثل الصيني الذي يقول: "كل أزمة تصاحبها فرصة".