يمكن القول أن الشيخ المغراوي حاول في آخر لقاء له مع الجزيرة أن يتدارك الموقف ، لكن الحملة الإعلامية الجارفة لم تعطه الفرصة ليلتقط أنفاسه ، الشيخ المغراوي ظن نفسه كأنه في حلقة علم دراسية يخاطب فيها عقولا لها إدراك بالجهاز المفاهمي الشرعي الذي ينطلق منه ، إلا أن الواقع شيء آخر في لغته وأساليب تواصله ، الشيخ المغراوي يتحدث عن رأيه على اعتبار أنه فتوى، أكد هذا من خلال مقابلته مع قناة دوزيم، و مع جريدة السبيل، و من خلال موقعه ، لكن في اتصال الجزيرة به في النشرة المغاربية من جدة أخيرا؛ يقول إن رأيه ليس بفتوى وإنما هو تفسير لأية }:" وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ الطلاق {، حيث فسرها متبعا في ذلك ابن الجوزي و ابن كثير و القرطبي ..، وعزز كلامه بتفسير الشيخ المكي الناصري رحمه الله ، الذي يذاع تفسيره على الإذاعة الوطنية كل صباح ، وتفسير الآية كما اتفق؛ أن الكبيرات اللائي يئسن من الحيض عدتهن في حالة الطلاق ثلاثة أشهر و كذلك الأمر بالنسبة للصغيرة غير الحائض إن طلقت فعدتها ثلاثة أشهر ، و هذا المعنى صحيح و هو ظاهر الآية ، و تأكدت من ذلك باستماعي لتفسير الشيخ المكي من خلال موقع الرابطة المحمدية للعلماء ، و هو التفسير الذي يقول به الشيخ المكي.. "" لابد من التأكيد أن قول الله تعالى :" و اللائي لم يحضن " تفسيره كما ورد ، يتعلق بالزوجة غير الحائض ، بمعنى أن الحيض لا ارتباط له بالزواج ، وإنما له ارتباط بالقدرة و تحمل المسؤولية و هذا ما استنبطه الشيخ المغراوي ، ليصيغه في صيغة فتوى كما هو مبين على موقع الجمعية ، حيث عن له أن البنت المتزوجة غير الحائض ، تزوجت في سن صغيرة ، خصوصا مع استحضار الشيخ أن بعض البنات يحضن في سن الحادية عشرة أو أكثر من هذا السن بقليل ، فإذا كان هذا هو بعض الحال عند البنات، خلص الشيخ إلى أن البنت قد تتزوج في سن العاشرة أو التاسعة مستندا في استنباطه للآية . أؤكد من الناحية المنهجية ، أن هذا التحليل يرتكز على أمرين: الأول فهم لمعنى الآية ، و الثاني تنزيل لمعناها على الواقع . الشيخ المغراوي يتحدث في بداية الحملة الإعلامية التي شنت على فتواه ، أن رأيه هو فتوى يؤكدها و يبررها ، لكن لما سافر لجدة و طلع على قناة الجزيرة أكد أن ما قاله ليس بفتوى و إنما هو تفسير للآية ، واحتج بتفسير الشيخ المكي من جهة حديثه عن عدة البنت المتزوجة غير الحائض عدتها ثلاثة أشهر. بصراحة أقف في حيرة من أمري – مع احترامي الكبير للشيخ المغراوي – أتسأل معه ، كيف نسبت فتواك التي تعتبرها رأيا إلى الشيخ المكي الناصري ، مع العلم أن الناصري كما سمعت بأذني ، يفسر الأية في سياق تبيانه عدة الكبيرة التي يئست من المحيض و الصغيرة غير الحائض ، وليس هو في سياق فتوى يجيز بها زواج بنت التسع سنين، و هذا في اعتقادي يا شيخي الكريم استدعاء للشيخ المكي في موطن يقترب منه في المعنى لكن يبتعد عنه بعد المشرقين في الفتوى لأنه لم يفتي بذلك. معنى الآية لا خلاف في مضمونه كما هو وارد في التفسير، لكن الإشكال منصب على الفتوى التي أفتى بها إجابة على سؤال سائل في واقع مغربي له ملابساته الكثيرة . تراجع الشيخ المغراوي عن القول بالفتوى ، هو ذكاء منه لاستدراك ما يمكن استدركه في مواجهته للحملة الإعلامية ، لكن من الناحية المنهجية العلمية ورط نفسه في مطب هو أدرى به ، فهو يعلم أن التفسير شيء و الفتوى شيء آخر ، إلا أنه و بسبب الضغط نسب فتواه إلى تفسير الشيخ المكي و غيره من المفسرين ، و هذا لا يستقيم في المنهجية الأصولية التي تقول كما يقعد لذلك الإمام الشاطبي :" أن كل مسألة يدل عليها الخطاب تفتقر إلى نظرين: نظر في دليل الحكم و نظر في مناطه ". في الأخير، أؤكد أن الشيخ المغراوي نظرا لضحالة الثقافة الشرعية عند البعض في فهمه لمفهوم الفتوى أو لأمر ما ، تخيلوا الشيخ قاضيا سيطبق فتواه حين صدورها ،و سيأمر قضاة الأسرة بالالتزام بها ، إلا أن العلماء في تعريفهم للفتوى يعرفونها كما هو متداول ؛ بأنها الإخبار عن حكم شرعي على غير إلزام عكس القضاء الذي هو مقيد بالإلزام، فتم التضخيم من الفتوى بشكل فج كأنها أصبحت قانونا سيطبق على المغاربة ، كما يجب التنبيه إلى ما قاله عالم المذهب المالكي عمر الجيدي رحمه الله في كتابه تاريخ المذهب المالكي في الغرب الإسلامي إلى :"أن الأصل في الفتوى أن لا تقيد بقيود، و لا تخضع لتنظيم أو تقنين، بحيث تسند إلى أشخاص بالتعيين من قبل السلطة، بل شأنها أن تبقى مرسلة ،يتصدى لها كل من أنس من نفسه القدرة على إفتاء الناس فيما يعرض لهم"و على هذا فبيان المجلس العلمي الأعلى الذي يقول بمأسسة الفتوى يخالف ما درج عليه علماء المالكية في الغرب الإسلامي. [email protected]