قُوبل قرار السلطات الصحية فرض الإدلاء ب"جواز التلقيح" للدخول إلى الفضاءات العمومية والاستفادة من الخدمات العامة، مع إلغاء صلاحيته بالنسبة للأشخاص غير الملقحين بالجرعة الثالثة من اللقاح المضاد لفيروس كورونا، بانتقادات كبيرة. وفاجأ وزير الصحة المواطنين بتأكيده، بعد ساعات من قرار فرض "جواز التلقيح" للولوج إلى الفضاءات العمومية، على أن الأشخاص الذين مضت ستة أشهر على تلقيهم الجرعة الثانية ولم يتلقوا الجرعة الثالثة سيُصبح جوازهم "غير صالح". واعتبر عدد من المعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي أن قرار السلطات الصحية إلزام المواطنين بأخذ الجرعة الثالثة من اللقاح المضاد لكورونا، للحفاظ على صلاحية جوازاتهم، يتناقض مع مبدأ "الاختيار" الذي اعتمدته المملكة في التطعيم ضد الفيروس. وخلّف قرار إجبارية الإدلاء بجواز التلقيح للولوج إلى الفضاءات العمومية "صدمة" وسط المغاربة، إذ لم يكن هذا الخيار مطروحا، قبل أن "يصدمهم" وزير الصحة مرة أخرى بإعلانه أن جواز غير المستفيدين من الجرعة الثالثة سيصير غير صالح بعد ستة أشهر من تلقي الجرعة الثانية. وانصب جزء من الانتقادات التي طالت القرار الحكومي الأخير حول عدم إتاحة وقت كاف للمواطنات والمواطنين من أجل استخراج جوازات اللقاح، خاصة أن القرار تزامن مع عطلة عيد المولد النبوي، وسيُشرع العمل به في اليوم الموالي مباشرة بعد العطلة، وهو ما سيجعل فئات واسعة من المواطنين غير قادرة على الإدلاء به في انتظار استخراجه. وقالت "حركة معاً" إنها تلقت ب"استغراب كبير" قرار الحكومة المفاجئ اعتماد جواز التلقيح لولوج الأماكن والخدمات العامة ابتداء من الخميس، معتبرة أن الحكومة بهذا القرار تكون قد اعتمدت إلزامية التلقيح "دونما سابق إنذار". وتساءلت الحركة ذاتها: "كيف السبيل إلى ممارسة الحياة العامة طيلة الفترة القادمة علما أن الحصول على جواز التلقيح يحتاج على الأقل مدة شهرين بين الجرعتين الأولى والثانية؟"، مشددة على أن "المواطنين من حقهم الحصول على المعلومة في مدة زمنية معقولة، من أجل اتخاذ القرار بخصوص تلقيحهم وفق قناعتهم وتحمّل مسؤولية اختياراتهم". من جهته اعتبر "اتحاد المغاربة الرافضين لجواز التلقيح" أن فرض الجواز "مغامرة غير محسوبة بحريات الناس"، داعيا إلى "التخلي النهائي عن هذا الجواز الذي يكرّس تفرقة مستفزة بين المواطنين من دون أي سند قانوني أو أخلاقي أو منطق علمي". وحذّر الاتحاد المشكّل من أطر صحية وصيادلة مما سماها "خطورة فرض هذا الجواز على علاقة المواطنين بفضاءاتهم العمومية وعلى السلم الاجتماعي"، معتبرا أن "إنسانية الأفراد ليست مجالا لأي ابتزاز". تسريع عودة الحياة إلى طبيعتها في المقابل قال الطيب حمضي، باحث في السياسات والنظم الصحية، إن الغاية من فرض جواز اللقاح للدخول إلى الفضاءات العمومية هي تسريع العودة إلى الحياة الطبيعية. وقدم حمضي، في توضيحات لهسبريس، معطيات حول أهمية جواز التلقيح، معتبرا أنه "يلعب دورا مركزيا في السماح للغالبية العظمى من المغاربة الذين تم تلقيحهم باستئناف حياة طبيعية تقريبا، في انتظار مناعة جماعية أوسع ونهاية الجائحة، كما أنه يساعد على حماية غير الملقحين أنفسهم ومحيطهم وعامة الساكنة من الخطر الذي يشكلونه". وأشار المتحدث ذاته إلى أن الشخص غير الملقح معرض لخطر الوفاة 11 مرة، ولخطر دخول أقسام الإنعاش 10 مرات أكثر من الشخص الملقح، كما أنه ينشر الفيروس أكثر بكثير مما لو تم تطعيمه، موضحا أن الدراسات أظهرت أن من بين 100 حالة وفاة بسبب كوفيد 19 99.5٪ غير ملقحين. ودافع حمضي عن الإجراءات التي اتخذها المغرب لاحتواء جائحة فيروس كورونا، واصفا الجهود المبذولة ب"الهائلة"، وقال إن المملكة "قدمت، بنجاح كبير، تضحيات وجهودا هائلة لاحتواء الوباء والحصول على اللقاحات في الوقت المناسب وبكميات كافية، وقدمتها للمواطنين والقاطنين مجانا وبتسهيلات لوجستية قل نظيرها". وتمكن المغرب، إلى حد الآن، من تطعيم أكثر من 4 من أصل كل 5 بالغين باللقاح المضاد لفيروس كورونا، في حين أن تطعيم الفئة العمرية من 12 إلى 17 سنة "يسير بخطوات كبيرة"، وفق حمضي، مبرزا أن الجرعة الثالثة "تتقدم أيضا". وانطلاقا من هذه المعطيات، يرى المتحدث ذاته أنه "سيكون من غير المنطقي ترك 36 مليون مغربي تحت إكراهات التدابير التقييدية في انتظار انتهاء الوباء"، معتبرا أن "البديل المنطقي هو تخفيف بل وإزالة بعض التدابير لفائدة مجتمع الملقَحين للسماح لهم بالعودة التدريجية للحياة الطبيعية أو تقريبا، في انتظار أن ينضم إليهم غير الملقحين". وفيما مازال السجال محتدما حول فرض الإدلاء بجواز اللقاح للولوج إلى الفضاءات العمومية، الذي سيُشرع في العمل به ابتداء من يوم غد الخميس، اعتبر حمضي أن استعمال الجواز "سيشجع المترددين على التغلب على تخوفهم واتخاذ القرار الصحيح"، حسب تعبيره. وأضاف الباحث ذاته أن الجواز "يمكن أن يكون خطوة نحو الرفع شبه الكامل للقيود في ظل شروط معينة، منها: زيادة معدل تغطية تلقيح الساكنة، والتحكم أكثر في الحالة الوبائية، والامتثال الواسع للإرشادات الصحية المتعلقة بالتدابير الوقائية الفردية والجماعية".