على أنغام سماع يوحّد الله ويصلي على خاتم الأنبياء، اختتمت الدورة 14 من مهرجان فاس للثقافة الصوفية ليل السبت 16 أكتوبر الجاري، بعدما انطلقت يوم التاسع من الشهر نفسه. وبأشعار الششتري والحراق وابن الفارض المغناة، أسدل المهرجان ستار دورته المعنونة ب"رحلة إلى مقامات التصوف"، بعد برمجة حافلة جمعت السماع والذكر والمحاضرات والنقاش والفنون التشكيلية والاستماع إلى قراءات شعرية ونصوص صوفية، فضلا عن الزيارات إلى زوايا، مثل التيجانية والفاسية، ومدافن صلحاء، مثل القطب الصوفي عبد العزيز الدباغ. كما نظم المهرجان زيارات إلى مآثر فاس، تتبعا لأثر التصوف في معمارها وعمرانها، وإلى قبلات علمية مثل خزانة القرويين التي تضم مخطوطات عريقة فريدة تختصّ بها. وجمعت هذه الدورة مسهمين في أنشطتها من عدد من مناطق العالم، من بينها باكستان والهند وإيران وأوروبا الغربية وبلاد البلقان وأمريكا. وجمعت لقاءاتها الرقمية محاضرين وفنانين وباحثين في عوالم التصوف والأدب الصوفي. وأتاح مهرجان فاس للثقافة الصوفية، طيلة أيام تنظيمه في السنة الراهنة 2021، متابعة أنشطته رقميا، بما في ذلك الزيارات التي قادت المشاركين في صيغته الحضورية إلى مكنونات فاس العمرانية والثقافية والصوفية. وإلى جانب معرض رقمي، استقبل المهرجان معرضا فنيا للفنانة التشكيلية المغربية نجوى الهيتمي، ونظم لقاءات مع فنانين، من بينهم الفنان التشكيلي محمد المرابطي، والموسيقي والباحث جون ديرينغ، وأستاذ الموسيقى إنريس قينامي. وفضلا عن السماع الصوفي الحاضر بفاس طيلة أيام المهرجان، عرض رقميا سماع عدد من الطرق الصوفية بالمغرب والعالم الإسلامي، من بينها القادرية البودشيشية، والشرقاوية، والصقلية، والريسونية، والفاسية، والتيجانية. ومن المرتقب أن يستمر عمل المهرجان، بعد اختتام دورته 14 وضرب موعد لدورته 15، عبر المنصة الرقمية "Sufi Heritage" (التراث الصوفي)، التي يتاح الولوج إليها عبر الموقع الرسمي لمهرجان فاس للثقافة الصوفية. وفي كلمته الافتتاحية للسهرة الختامية لدورة مهرجان فاس للثقافة الصوفية هذه، قال الباحث عبد الله الوزاني إن "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، وشكر أمير المؤمنين الملك محمدا السادس، قائلا إنه راعي التصوف وأهله ومحبيه. وفي تقديم الفرقة التي أحيت حفل الاختتام، فرقة "إخوان الفن" برئاسة منشدها مروان حاجي، تحدثت الفنانة المغربية أمل عيوش عما في "هذا الحفل الحضوري نسبيا من إشارة إلى عودة الحياة الطبيعية، وحلول الفرج الرباني بهذه البلاد"، قبل أن تستحضر، في مقام السماع الصوفي، بيتا للشاعر الصوفي المغربي الحراق، يقول فيه: "أتطلب ليلى وهي فيك تجلّت .. وتحسبها غيرا وغيرك ليسَت". من جهتها، تحدثت كارول لطيفة أمير، المديرة الفنية للمهرجان، عن استمرار هذا الأخير، قبل دورته 15، عبر منصة "صوفي هيرتج" الرقمية، قائلة إنها ستضم عددا من "الماستر كلاسز"، أي الأوراش التلقينية، حول عدد من الأعمال الصوفية. وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قال فوزي الصقلي، مدير مهرجان فاس للثقافة الصوفية، إن برمجة هذا المهرجان قد أعدت لتكون "أطباقا متتالية، فيها جانب فكري، وجانب السماع الصوفي، وجانب سماع الطرق الصوفية الكبرى، وزيارات في عين المكان تنقل بشكل تناظري في العالم كله". وأضاف الصقلي: "هذا المزج والتداخل المستمران بين الحضوري والتناظري، ربما، كوّنا صيغة إبداعية جعلتنا نستكشف الثقافات الصوفية بشكل جديد". وعلما أن "الثقافة الصوفية موجودة في العالم بأكمله، ولها غنى وقوة كبيران"، سجل الصقلي أن الشيء الجديد الذي يقدمه المهرجان هو "فكرة وتصور الثقافة، أي التصوف كثقافة، فيصير مرجعية لجميع فاعلي التصوف عبر العالم، مما يخلق تراثا مشتركا". وتابع المتحدث بأن "المزج بين هذه الثقافة كما هي موجودة في العالم، وإمكانيات خلق التواصل فيما بين الثقافات الصوفية بالجانب التناظري، يخلق ربما شكلا إبداعيا، وقوة إبداعية جديدة، وهو ما وقعت تجربته في هذا المختبر طيلة 10 أيام بفاس". وزاد المصرح أن "الطاقة الإبداعية في هذه الثقافة الصوفية لا حد لها، ولم نفتح إلا بعض النوافذ"، ومنها "التفكير في كيفية استعمال هذه الطاقة القيمية والرؤية الفلسفية والروحية للتصوف في بث بعض القيم عند الصغار حتى قبل التمدرس، وكيف يمكن استعمالها في الإبداع الأدبي والشعري، وكيف يمكن أن نخلق مكتبة تناظرية حية يمكن أن نوصل من خلالها مجموعة من المراجع الكبرى للتصوف وغيره؛ فالتصوّف يدعو إلى الحكمة والمعرفة والعلم".