موشحة نفسها بتاج من "الصوف الملون"، شبيه بألوان الورود التي تزهر في واحة قبيلتها بالجنوب الشرقي للمغرب، ومزينة نحرها بحلي من الفضة واللبان المغربي (حجر تصنع منه الحلي التقليدية)، تنتظم "تودة" إلى صفوف الراقصين من أبناء القبيلة ، حيث تقابل النسوة، صف الرجال وقد انطلق "رايس" (قائد الفرقة) في نقر الدف الجلدي، إيذانا ببداية "رقصة أحواش" الأمازيغية. وتعد هذه الرقصة احتفالا غنائيا راقصا عرفت به القبائل الأمازيغية جنوب المغرب، تقيمه في مواسم الخصب، وجني المحاصيل، ومع بداية فصل الربيع، كما تحتفي عبره بزوارها وأعراس أبنائها وأفراحهم. ورقصة "أحواش "، التي تقابل حسب عدد من الدارسين للثرات الأمازيغي، في لغة أهل هذه القبائل "الرقص الشعبي الجماعي"، هي أحد أقدم أشكال التعبير الفني الذي عرفت به مختلف القبائل الأمازيغية التي استوطنت منطقة سوس، وجبال الأطلس الصغير إلى حدود تخوم الصحراء. وتتنوع وتتختلف حسب الطبائع السائدة في هذه المناطق، والروافد التاريخية التي تأثرت بها، بل إن بعض الباحثين في تاريخ الفنون الشعبية بالمغرب، يربطون هذه الرقصة، برقصة أخرى قديمة اندثرت تدعى "الدرست" اشتهرت بها قبائل الأمازيغ منذ مئات السنين، تقول الرواية التاريخية أنها عبارة عن "مجموعة من الرقصات المتصلة، عمادها ترديد الأهازيج القديمة، ونقر الدفوف " وعنها تفرعت باقي رقصات "أحواش". وتعتبر فرقة "أحواش قلعة مكونة"، التي تزين نسوتها رؤوسهن ب"تاج الصوف الملون"، إحد أنواع هذه الفرقة الراقصة التي ارتبطت بمجال جغرافي، زاخر بالإرث الثقافي وبتاريخ قديم نشأ بأحد أكبر واحات المغرب. فعلى ضفاف وادي "مكون" و "دادس" (بالقرب من مدينة ورزازات )، حيث تقيم قبائل أمازيغية عريقة ك"آيت عطا"و قبائل "مكونة"، تشتهر هذه الواحات بنخيلها السامق وحقول ورودها الشاسعة الذي تختار قبائل المنطقة في موسم قطافه "ملكة جمال" تدعى "ملكة الورود"، في تقليد قديم دأبت على إقامته بشكل سنوي، كما تتميز المنطقة ببناء المعماري الفريد، والمؤلف من "قصبات وقصور طينية" أو ما يسميه أهلها بالأمازيغية"إيهرمان"، والذي يحوي عددا من المنازل يقطنها أهل ذات "النسب" من نفس القبيلة، أو من تجمعهم علاقة قربى، يحصنها سور القصبة، حيث يحاكي هذا التنظيم الاجتماعي ما يعرف اليوم ب"الإقامات السكنية المشتركة"، وداخل أسوارها تقام "رقصة أحواش" عند كل احتفال. وحين يبدأ قرع الدفوف، وترديد أول أبيات الشعر الأمازيغي، يكون الرجال (الراقصون) قد انتظموا في صفوف مقابلة لصفوف النسوة، اللواتي يشترط فيهن أن يكن من غير المتزوجات، حيث تمنع القبيلة على أي فتاة المشاركة في أداء هذه الرقصات بعد الزواج. تنطلق الرقصة ب"تحواشت" وهي المرحلة الأولى التي تضبط فيها الفرقة إيقاعها، تبدأ الصفوف مع نقر بطئ للدف في التمايل يمنة ويسرى، تتحرك النسوة في منحى معاكس للرجال، فإن رددوا هم بيت شعر مرتجل أو من وحي الثرات، حتى تجبنهن بدورهن بمقطع آخر، في محاورة غنائية راقصة تتواصل طوال أطوار أداء "رقصة أحواش" يسميها أهل المنطقة ب"تنطامين". وتتميز أحواش "قلعة مكونة " برقصة خاصة، تدعى "رقصة النحلة"، حيث يتخلى الراقصون من الرجال الذين ارتدوا جلبابا مغربيا أبيض وعمامة، وعلقوا على أكتافهم محفظة جلدية، عن صفوفهم المرصوصة، ليشكلوا نصف دائرة، وهو ما تقوم به النسوة اللاتي يرتدين بدورهن زيا تقليديا، يتألف من قفطان مطرز يلف فوقه ثوب بطريقة خاصة وغطاء يتهدل من أعلى الرأس حيث يستقر "التاج الصوفي"، إلى أن يبلغ أخمص القدمين، بعدها هذا الطواف تعود الصفوف إلى وضعها الأول، ليبدأ "الكر والفر" بين الجانبين، حيث يتقدم صف الرجال بحركة سريعة في الاتجاه النسوة، وما إن يهم بالعودة للخلف، حتى تبادر النسوة إلى تقليد ذات الحركة التي قام بها الراقصون من الرجال، وحين يجلس هؤلاء أرضا وهم يواصلون دق دفوفهم، وقد صيحاتهم مرددين الأهازيح، تقف النسوة حول هذه الدائرة، يتقدمن ويتراجعن في حراكات يقال أنها تشبه "تفتح الزهرة". ويرى الدارسون أن لهذه الحركات دلالة خاصة في المخيال الجماعي لكل قبيلة، تعكس طبيعة العلاقة بين أفرادها، وتستحضر مروثا لا يعود فقط لعهد الفتح الإسلامي لهذه المناطق بل يمتد لمئات السنين قبله، فالذاكرة الحضارية للقبائل الأمازيغية كانت فضاءات للالتقاء جملة من المؤثرات الثقافية، منها الإفريقي، واليهودي، وآخر يعود لأساطير قديمة تشربتها معتقدات أهلها، وإن تقمصت لبوس الثقافة السائدة حاليا، وتكيفت معها. * وكالة الأناضول