رفضت الجزائر استئناف مسلسل المشاورات السياسية بخصوص نزاع الصحراء، بعد تعبير مبعوثها الخاص في المنطقة المغاربية، عمار بلاني، عن عدم رغبة الجارة الشرقية في المشاركة في أي "موائد مستديرة" خلال الأشهر المقبلة. واحتضنت جنيف سلسلة من المشاورات السياسية إزاء قضية الصحراء على شاكلة "موائد مستديرة" سنة 2018، حضرت فيها أطراف النزاع الرئيسية؛ وهي الجزائر والمغرب و"البوليساريو" وموريتانيا، قبل أن يتوقف مسار التسوية التفاوضية للنزاع منذ بدايات سنة 2019 إلى الآن. بلاني عبّر في تصريحات منشورة من وكالة الأنباء الجزائرية عن "عدم جدوى صيغة الموائد المستديرة"، مرجعا ذلك إلى أن "هذا الخيار تجاوزه الزمن نتيجة استغلال الطرف المغربي المشاركة الجزائرية في الموائد السابقة للترويج كذبا أن بلدنا طرف في نزاع إقليمي؛ في حين أن جميع لوائح مجلس الأمن حددت بوضوح طرفي النزاع"، ومذكرا بأن "الجزائر مثلها مثل موريتانيا لها صفة بلد جار ملاحظ في مسار تسوية النزاع، وهي الصفة المعترف بها من طرف الأممالمتحدة"، بتعبيره. وفي هذا السياق، قال محمد الطيار، الخبير في الشأن الأمني والإستراتيجي، إن "الموقف الجزائري الأخير يترجم فقط، وبشكل صريح، رغبة النظام العسكري في الهروب إلى الأمام، وعرقلة كل المساعي الأممية لتسوية النزاع المفتعل بالأقاليم الجنوبية المغربية". وأضاف الطيار، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "ذلك يأتي أياما قليلة بعد صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء المغربية، الذي كرس بشكل ملحوظ خيار الحل السياسي تحت رعاية الأممالمتحدة، ضمن الإطار الحصري لقرارات المجلس، كونه السبيل الوحيد لتسوية المشكل المفتعل". وأورد الخبير السياسي أن "التقرير، الذي تطرق أيضا إلى اعتبار مسلسل الموائد المستديرة بمشاركة المغرب والجزائروموريتانيا و'البوليساريو' الإطار الوحيد للمسار السياسي للأمم المتحدة، جعل الجزائر تحشر بشكل بارز في الزاوية، خاصة عندما حدد إطار الحل السياسي حصرا في قرارات مجلس الأمن 2440 و2468 و2494 و2548". واستطرد الباحث عينه: "ذلك أقبر بشكل نهائي مخططات النظام العسكري الجزائري، وبالخصوص مطلب الاستفتاء، ما يجعل خيار الحكم الذاتي السبيل الوحيد لحل النزاع. كما أن الجزائر، ورغم كل أساليب المراوغة والخداع، أشارت قرارات مجلس الأمن إليها خمس مرات بالاسم باعتبارها الطرف الرئيسي في هذا النزاع الإقليمي". وتابع الخبير الأمني والإستراتيجي: "رغم قطع العلاقات الدبلوماسية من طرف النظام العسكري، ومحاولة عرقلة مهمة المبعوث الجديد بالدعوة إلى إرجاع الوضع بمعبر الكركرات إلى ما قبل التدخل العسكري المغربي كشرط للمشاركة في العملية السياسية، فإن المغرب جدّد في عدة مناسبات دعوته الجزائر إلى الجلوس إلى طاولة الحوار حول إقليم الصحراء، باعتبارها طرفا أساسيا في القضية". وأوضح الطيار أن "ذلك يجعل الجزائر تحاول عبثا الهروب والاختفاء وراء العديد من الحجج الهشة والزائفة تارة، والتهديد بالحرب تارة أخرى، وهي تدرك أن قضية الصحراء حسمت بشكل نهائي، وأن حلم النظام العسكري الوجودي بفصل الصحراء عن وطنها الأم المغرب قد انتهى، ولن يتحقق أبدا". وخلص الباحث في الدراسات السياسية والأمنية إلى أن "تصريحات المسؤولين الجزائريين الأخيرة هدفها فقط كسب المزيد من الوقت، وعرقلة مسار الأممالمتحدة الذي تسعى فيه إلى إيجاد حل سياسي متوافق عليه، لا يمكن أن يتجاوز سقف مقترح الحكم الذاتي".