السجال المتعلق بالواقع المغربي الذي نعيشه في تعاملنا كمواطنين مع الإدارات العمومية أو أي موظف سواء كان في القطاع العام للدولة أو شخص منتخب يتحمل مسؤولية تدبير الشأن المحلي، كنتيجة للتصويت لصالحه خلال الانتخابات يجعلني أسمع عبارة لا يفهم من ينطق بها في الغالب معناها، ولا ظروفها التاريخية عندما يقول أحدهم "وتبقى دار لقمان على حالها" وهذه العبارة مغلوطة شكلا ومضمونا حتى وإن اعتقد بعض من يقرأ هذه المقالة عكس ذلك. دار لقمان لم تبق على حالها منذ البداية لأنها شهدت حدثا كبيرا في سياق الحملات الصليبية بعد أن وقع الملك الفرنسي (لويس التاسع) في الأسر خلال الحملة الصليبية السابعة، حيث تم أسره في دار لقمان في مدينة المنصورة بمصر، وشخصية إبراهيم بن لقمان نفسه كان وزيرا وقاضيا خلال فترة حكم الأيوبيين ثم المماليك لاحقا، بعد أن قدم لمصر من منطقة تقع اليوم تحت نفوذ الدولة التركية. إن عبارة "وتبقى دار لقمان على حالها" التي يرددها الكثير من الناس بسذاجة لأنهم يجهلون أن الأصل في العبارة هو الافتخار بحدث عظيم وليس الحسرة على الجمود وعدم تغيير الأوضاع نحو الأفضل، حيث أنه بعد وقوع الملك الفرنسي (لويس التاسع) في الأسر والاحتفاظ به تحت الحراسة في دار لقمان، تم فك أسره لاحقا مقابل فدية واتفاق عسكري لم يلتزم به هذا الملك الفرنسي، لأنه حاول غزو مصر مرة أخرى متخليا بالتالي عن الاتفاق الذي أدى إلى تحريره من الأسر، فنظم شاعر تلك الحقبة (جمال الدين ابن مطروح) القصيدة الآتية لتهديد الفرنسيين وليس للسخرية من دار لقمان: قل للفرنسيين إذا جئتهم مقال صدق من قؤول فصيح قد ساقك الحين إلى أدهم ضاق به عن ناظريك الفسيح وكل أصحابك أودعتهم بحسن تدبيرك بطن الضريح خمسون ألفا لا يرى منهم إلا قتيل أو أسير أو جريح فقل هلم إن أضمروا عودة لأخذ ثأر أو لقصد صحيح فدار لقمان على حالها والقيد باق والطواشي صبيح وقد استرجعت الذاكرة الجماعية المصرية هذه الأبيات الشعرية حتى خلال بداية الحملة العسكرية التي قادها (نابليون بونابرت) لغزو مصر، قصد تذكير الفرنسيين الغزاة بالأسر الذي سبق وأن وقع فيه الملك الفرنسي (لويس التاسع)، أي بأن دار لقمان لا تزال على حالها على أساس أنه قد يتم أسر قائد الحملة الجديدة وإذلاله بنفس الطريقة التي تعرض لها سابقه قائد الحملة الصليبية السابعة. يجب بالتالي تجنب عن ترديد عبارة "وتبقى دار لقمان على حالها" لأن المغزى منها اليوم هو التعبير على حالة الإحباط والعدمية، فدار لقمان مسجلة لدى وزارة الآثار والسياحة المصرية كمتحف منذ ستينيات القرن الماضي، وأجريت عليها إصلاحات لصيانتها خلال حقبة التسعينيات، وزارها وفد وزاري مصري آخر مرة سنة 2017، للوقوف على أشغال صيانتها مع الحفاظ ما أمكن على شكلها الأصلي لأنه يمثل البناء المدني الوحيد المتبقي في مدينة المنصورة من العصر الأيوبي. أما ما نواجهه اليوم من نقص في جودة خدمات بعض مؤسسات القطاعين العام والخاص أو السجال القديم الجديد، الذي يجعل من يقاطعون الانتخابات يعتقدون بأن الانتخابات البلدية والتشريعية لن تأتي بالتغيير نحو ما هو أفضل ولا جدوى منها أصلا، بالإضافة إلى اللامبالاة التي يقابل بها بعض الإخوة المواطنون والأخوات المواطنات مشروع (النموذج التنموي الجديد) الذي تسوق له مختلف مؤسسات الدولة المغربية الرسمية، بعد أن تم الاشتغال عليه وفق مقاربة تشاركيه بمفهوم غير تقليدي حيث كان بإمكان كل مواطن تسجيل ملاحظاته واقتراحاته على المنصة المعنية بهذا الغرض على شبكة الإنترنت كمثال، فهذا ما سأرد عليه من خلال مقالة لاحقة أوضح من خلالها رؤيتي للواقع السياسي المغربي دون أن أزعم أو أدعي أنني على صواب في كل ما أكتب. ولكن قبل ذلك وجب التذكير بالمعطى الأول من خلال ثلاثة أسئلة وهي على هذا الشكل البسيط: من نحن؟ ومن نكون؟ وماذا نريد؟ إن الأمة المغربية اليوم بدورها سليلة قوم أصحاب حضارة راقية منذ أكثر من 1200 سنة، والتراث اللامادي المغربي يعشقه بجنون نخبة النخبة من الموهوبين في الفنون والإبداع والرياضة من مختلف أقطار العالم، وأنا أدعو كل مواطنة مغربية وكل مواطن مغربي إلى تقدير الذات بما يكفي، فإن كنا كشعب مغربي قد تعايشنا خلال القرن 20 أزمنة صعبة أو مراحل الشدة، فهذا لا يعني أنه ليس بإمكاننا أن نكون الأفضل خلال المستقبل القريب والمتوسط، فقط يجب أن نعرف كيف نستثمر عقولنا ومواهبنا لأن العقل هو أفضل رأس مال وليس البترول أو الذهب أو العضلات القوية... بطبيعة الحال فالتكهن بالمستقبل أمر صعب جدا، وهذا لن يمنعنا من أن نحيا على الأمل في تحقيق كل ما تخلفنا عنه من إنجازات في الماضي إذا وثقنا بأنفسنا وبقدراتنا وعرفنا كيف ندبر الموارد المتاحة أمامنا، والله وحده من يبارك الأعمال الصالحة ويجعلها مثمرة.