"لماذا لا يغامر المستثمرون وأصحاب الشركات والمقاولات المغاربة بالاستثمار في إفريقيا، رغم ما تزخر به من خيرات لا تعدّ ولا تحصى؟ لأنه في المغرب لكي تصير ثريا، يمكن أن تبلغ مُبتغاك بدون بذل أيّ مجهود، يكفي أن تكون مرتشيا ومفسدا لكي تصل إلى الثروة والغنى، سواء كنت تشتغل في مجال مقالع الرمال أو الفلاحة أو السياحة..."؛ الكلام ليس لأحد قادة المعارضة، بل للوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الحبيب الشوباني، أثناء الكلمة التي ألقاها في افتتاح أشغال اللقاء الجهوي الثالث حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة عشيّة يوم الجمعة بمدينة آسفي. الشوباني، وبلغة مباشرة وواضحة خالية من الإشارات، قال في كلمته إنّ العقلية الثقافية السائدة في المغرب، هي "عقلية ريعية"، لذلك لا يبادر المستثمرون إلى المغامرة في بلدان إفريقيا، التي ننتمي إليها، ما دام أنّ ثقافة الريع تسمح لهم بتحقيق ما يسعون إليه، دونما حاجة إلى البحث عن فرص الاستثمار في أماكن أخرى، خصوصا في إفريقيا، كما يفعل المستثمرون الصينيون والبرتغاليون والفرنسيون والأمريكيون، "فلماذا سيغامرون إذن، وهم يجدون كل شيء متوفر بجوارهم، دون بذل أيّ مجهود"، يتساءل الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني. هذا الوضع، حسب الشوباني راجع إلى "فشلنا في إنتاج ثقافة تعتمد على التنافس، والاقتحام والمغامرة، وفشلنا في توطين مغرب المنافسة، مما فسح المجال لسيادة ثقافة الريع، وعندما تنحطّ المنافسة تصعد الرداءة"، وزاد قائلا "نحن كمغاربة، فشلنا في الانضباط التلقائي والثقافي للقانون، لذلك فإنّ الثقافة السائدة في المغرب هي ثقافة الضبط، التي تقتضي وجود دواع للخوف، وليس ثقافة الانضباط التلقائي للقانون. ولكي يشرح الوضع السائد حاليا في المغرب، عاد الشوباني إلى ما قبل دستور 2011، والتطورات التي عرفتها المنطقة مع انطلاق شرارة أولى ثورات "الربيع الديمقراطي" الذي اجتاح عددا من بلدان المنطقة متسائلا "ما الذي حصل في المغرب قبل مجيء الدستور الجديد؟ كلكم يعرف القصة، وعنوانها أنّ إدارة الشأن العام ببلدنا، ولعقود طويلة، كما نجحت في تحقيق مكتسبات متعددة، إلا أنها فشلت في أن تحقق أشياء مهمة لمصلحة المواطن"، معتبرا أنّ ما تحقق لم يكن اعتباطيا، بل كان نتاج نضال أجيال من المغاربة، رجالا ونساء، من كل المستويات الاجتماعية، وسياسيين وملوك، "بذلوا مجهودات لكي يظلّ المغرب في هذه الوضعية المتميزة". إلى ذلك حذّر الشوباني من التفريط في السّلم الوطني والاستقرار الأمني، وعدم الانكباب على البحث عن إجابات لما يتطبه الواقع، قائلا "الخوف كل الخوف من أن نُغمض أعيننا عن فشلنا ونبحث عن إجابات سطحية أو نلقي اللوم على الآخر، وأننا ضحايا"، داعيا إلى إشراك المجتمع المدني في اتخاذ القرار، حتى يسود لدى المواطنين وعي بالانتماء إلى الوطن، ومسؤولية الحفاظ علي مؤسسات الدولة، والانتماء الصادق للوطن، وأضاف "الوضع الجديد والدستور الجديد والحال الجديد، يخشى أن يتحوّل كل ما تحقق إلى شيء يجب أن يُنسى بسرعة، لأنّه مزعج، حذار ثم حذار، لأن مصلحة الوطن وأمنه مستقبله ترتبط باحترام ما بنيناه بالأمس وصوّتنا عليه من خلال الوثيقة الدستورية الجديدة". وفي اللقاء الرابع من اللقاءات الجهوية حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، الذي انطلقت أشغاله يوم أمس السبت بمدينة أصيلة، عاد الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني ليؤكّد أن "إشكال السلطة واتخاذ القرار عن طريق الديمقراطية التفويضية لم تكن ناجحة"، بسبب ما اعتبره "تزويرا للانتخابات وتلاعبا بنتائجها وكذا وجود منتخبين دون المستوى". واعتبر الشوباني "أن الديمقراطية كلما تطورت إلا واتضحت عيوبها"، مبرزا أن الديمقراطية "ليست وحدها كافية لنطمئن على مستقبلنا، بل لابد للمواطن وهو صاحب التفويض أن يكون حاضرا مع المنتخب في جميع لحظات اتخاذ القرار". وبعدما شدّد على أنه "ندشن حوارا وطنيا في قضية مستجدة صارت التزاما وطنيا هو إخراج الدستور ليكون واقعا يمشي على رجله"، أوضح الشوباني "أن المجتمع المدني لم يصنعه الدستور الجديد، بل بنى نفسه عبر أحقاب زمنية إلى أن صار فاعلا رئيساً في معادلة السلطة وعلاقة المجتمع مع الدولة". وفي السياق ذاته حذر الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني، من خطورة "إضعاف المجتمع المدني وجعله هامشيا وارتزاقيا وتهميش صوته"، مشددا على أن "من شأن ذلك تهديد استقرار البلد لأن المجتمع الحي ركيزة أساسية من ضمانات السلم الاجتماعي"، منبّها إلى ما وصفها ب"أسباب التوحش السياسي الذي تعيشه عدد من دول الجوار نتيجة لإضعاف الصوت المدني بفعل نزوات السياسيين". الشوباني قال إنه "رغم أننا نجحنا في عدد من النقط إلا أننا لم ننجح في تحقيق أشياء مهمة للمجتمع"، ضاربا المثال بمحاربة الفساد المرتبط أساسا، حسب الوزير الشوباني، "بتدبير ثروات البلاد سواء كانت مادية أو رمزية"، مؤكدا "أننا لم نوفق في تدبيرها، لذلك جاء الدستور جوابا نصيا على هذا الإشكال، ويبقى أن ننقل هذا النضال إلى الواقع أبرز التحدي الذي يواجهننا". إلى ذلك أوضح الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان أن "إعطاء السلطة التشريعية للمجتمع المدني من خلال الملتمسات التي جاءت في الدستور الجديد ثورة ومشروع كبير، مشيرا إلى أنه مع الدستور الجديد "وبقوة القانون أصبح من حق المواطنين الاعتراض على قرارات السلطات عن طريق عرائض شعبية وخصوصا إذا كانت القرارات في غير صالحهم". "صناعة مستقبل المغرب لا يمكن إلا أن تكون عملا تشاركيا بعيدا عن لغة الزمن التي أثبت التاريخ أنها كلما كانت هناك سرعة وتهريب للنقاش إلا وتم جني الفشل"، يقول أول وزير في تاريخ المغرب المكلف بالمجتمع المدني، الذي أوضح أن "الدستور يؤكد أنه للحكومة خمس سنوات لإخراج القوانين التنظيمية، لذلك لا يجب أن نكون دستورانيين أكثر من الدستور"، على حد تعبير المتحدث نفسه. من جهة ثانية شدد الشوباني على ضرورة "تأهيل العنصر البشري في المجتمع المدني لأن صلاحياته سيمارسها غيره في حال لم يقم بها عن وعي"، مسجلا ما اعتبره "ضعف استقلالية المجتمع المدني عن الأحزاب والإدارة وسلطاتها"، و"هذا يعطينا علاقات غير شفافة لأن الاستقلالية تؤشر على الندية في التعاون في الوقت الذي يتم توظيف عدد من هذه الجمعيات في الصراعات السياسية عن طريق إنشاء جمعيات تحمي ظهور عدد من السياسيين". ومن الاختلالات التي سجلها الوزير وجود ما اعتبرها "صفقات لجمعيات حديثة النشأة في إطار الشراكات"، مشددا على "ضرورة الخروج بميثاق للمجتمع المدني يكون أرضية للعلاقات الحكومية مع الجمعيات عن طريق الإعلام والتعليم وتربية النشئ على العمل التطوعي وذلك لمعالجة اختلالات القطاع الجمعوي المغربي".