ليلة الجمعة 2 غشت، و بمناسبة تعنيف الرافضين لعفو الملك عن الاسباني "دانييل كلفن"، حمل قيادي بحزب العدالة و التنمية، قائد الائتلاف الحكومي، هاتفه النقال و اتصل بأمينه العام و رئيس الحكومة في آن، عبد الإله بنكيران، يخبره بتجاوز عنف قوات الأمن للمعقول في تدخلاتها "الهوجاء" و بضرورة التدخل. ظهر رئيس الحكومة، الذي كان جالسا ببيته على بعد ثلاث مائة متر (تقريبا) من مكان التعنيف، بمظهر البعيد عما يحدث على الأرض و غير القادر على "لجم" مرؤوسيه لكنه طمأن زميله في الحزب و أخبره أنه سيتصل بمحند لعنصر، وزير الداخلية و أمين عام حزب الحركة الشعبية الحليف في الحكومة، كي يلزم رجال الأمن بالتقيد بالقانون في تعاملهم مع متظاهرين سلميين. دقائق بعد ذلك زاد رجال "حفظ النظام العام" من جرعات الإساءة اللفظية و التعنيف المادي، فسقط محتجون و محتجات جدد على رصيف نبت منه السؤال التالي: ما هي الجهة التي يأتمر بوليس المملكة بأمرها؟ ما فراسيش ! عبد الرحمان بنعمرو، المحامي و الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الانسان، راسل يوما وزير الداخلية بشأن تنبيه أصدره حسن العمراني، والي جهة الرباطسلا زمور زعير، يُحمل فيه الأخير المسؤولية القانونية لاحتجاجات 20 فبراير إلى الأمناء العامين لأحزاب "تجمع اليسار الديمقراطي"، غير أن الداخلية لم تجب على الرسالة. غياب أجوبة وزارة الداخلية، الذي يبقى مستغربا حسب عدد من المنظمات الحقوقية و نساء و رجال القانون، ينضاف إليه سلوكٌ أكثر غرابة و هو ما سماه عشاق "الهاشتاكَ" بالمغرب ب"مافراسيش" تفاعلا مع تنصل المسؤولين السياسيين بالمغرب من مسؤولياتهم القانونية، حيث صرح وزير الداخلية لإحدى الجرائد الورقية بعدم إعطائه لتعليمات تدعوا لتعنيف المتظاهرين و رشوح أخبار أخرى تفيد أن الحكومة المغربية لا تعرف شيئا عن هوية الآمر بتعنيف المتظاهرين ضد العفو عن مغتصب الأطفال في "حينه و إبانه". غياب ردود الحكومة كتابة على مراسلات الحقوقيين، أو حتى تعميم نتائج التحقيقات التي يعلن عن تحريكها تهدئة لروع الرأي العام في المواضيع ذات الصلة بالتظاهر، راجع حسب بعض المهتمين الى خرق الدولة نفسها للقانون!.. كيف ذلك؟ دولة تخرق قانونها سنة 2008 قرر مكتب "جمعية رابطة المعلمين للأعمال الاجتماعية و الثقافية و التربوية بالناظور"، تنظيم تظاهرة تضامنية مع فلسطين بعدما راسلت السلطات المخولة في إطار التصريح القانوني بتظيم تلك التظاهرة. قوات الأمن عمدت إلى تفريق التظاهرة بالقوة، وقامت بالاعتداء على المتظاهرين باستعمال العنف في حقهم، الشيء الذي حذا بالجمعية إلى رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية بوجدة، هاته الأخيرة، وبعد دراسة ملابسات القضية، قضت بتعويض مادي ومعنوي، قدرته في مبلغ 50 ألف درهم من أجل جبر الضرر الحاصل للجمعية. قبل واقعة الناظور بثمان سنوات ألغت محكمة الاستئناف بالرباط حكما إبتدائيا قضى بحبس 36 عضواً من أعضاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، مع تغريم كل متابع منهم، على إثر تنظيم الجمعية لتظاهرة قبالة البرلمان سنة 2000. نفس التبرئة استفاد منها ثلاثة من نشطاء "هيئة الدفاع عن المطالب الاقتصادية و الاجتماعية لسكان إقليم طاطا" في مرحلة الاستئناف، سنة 2006 بأكادير، بعدما تمت إدانتهم إبتدائيا بمحكمة طاطا. الحالات السالفة الذكر تبين، حسب تصريحات محامين و أساتذة باحثين في مجال الحريات العامة، أن القضاء، عندما يجد مساحة للإستقلالية و ينحاز للنص القانوني، ينتصر للمحتجين لأن الاحتجاج في المغرب يحقق، عموما، شرط السلمية في التظاهر و الإشهار القبلي و يواجه في غالبه بالعنف المادي و اللفظي دونما إشعار (ثلاث مرات) من ضابط الشرطة القضائية والذي حضر في وقفة "دانييل" فيما يشبه اكسسوارا "يزين" مشهدا دراميا و ليس موظفا يؤدي مهمة مؤطرة بموجب القانون مما جعل حضوره ببذلته الرسمية المزركشة بالأخضر و الأحمر و مكبر الصوت في يده اليمنى إعلان عن احترام الشكل فقط و الإمعان في خرق مضمون دولة الحق و القانون التي تقدس حق مواطنيها في التعبير عن رأيهم و "سلاحهم" في ذلك هو السلمية من خلال "التظاهر" الذي يختلف جذريا عن "التجمهر" و الذي لا يتحقق حسب الدكتور الميلودي حمدوشي في كتابه "قانون التجمهر، دراسة و تحليل" الا بتحقق شرط العدوانية و توفر عاملين نفسيين هما الهيجان و الاندفاع. تحديث خادع وأنت تتجول بإحدى بلدات المملكة الهولندية، ذات الأعراف الديمقراطية العريقة، يصادفك منظر رجال أمن يتجولون على متن درجاتهم الهوائية، يبادلونك التحية بأحسن منها متى رفعت يدك أو ابتسمت في وجههم. نفس المنظر قد تعيشه بعاصمة المملكة المغربية، التي تدرب شرطيوها بالأراضي المنخفضة، مع استثناء واحد هو غياب الابتسامة و التحية.. فأين الخلل؟ الجواب تقدمه أشغال ندوة إقليمية حول موضوع "إصلاح قطاع الأمن: الإطار التشريعي و دور المجتمع المدني"، التي نظمها مركز دراسات حقوق الانسان والديمقراطية لصاحبه لحبيب بلكوش، سنة 2010، بتعاون مركز جنيف للمراقبة الديمقراطية للقوات المسلحة، حيث ناقش عدد من المحاضرين موضوع الحكامة الأمنية كقضية مجتمعية ذات بعد سياسي تسائل كافة الهيئات و الفعاليات. من خلال بعض المداخلات يستشف المتتبع أن "المغرب الأمني" قد انتهج مقاربة تقنية تهتم بتحديث التجهيزات و الهياكل و طرق التدبير و هو ما يراه المواطن العادي في الدراجات الشبيهة بدرجات الأمن الهولندي و عربات صغيرة رباعية الدفع، تشبه لعب الأطفال، تؤثث المدارات الاستراتجية في كبريات المدن و الزي الأنيق و المتنوع لعناصر الأمن و نساء شابات ينظمن السير و واجهة مفوضيات الأمن الجميلة و غيره.. المقاربة التقنية تأتي في المغرب، حسب تقارير عدة، على حساب مقاربة مهمة هي المقاربة السياسية للممارسة الأمنية التي تعتبر العدل و الأمن خدمتين اجتماعيتين تجعل من الأمن قطاعا مرتبطا بالشرعية و الشفافية و التنمية و العدالة خاضعا (أي الأمن) للمساءلة شأنه شأن كل القطاعات. لا طاعة للأشباح في معصية القانون سنة 2005 صادق الملك محمد السادس على توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة و التي جاءت بمبادرة من القصر و دعم خاص من العاهل الشاب استفاد منه الحقوقي إدريس بنزكري حيث دعا إبن قرية "أيت واحي" إلى أجرأة تدابير كان من بينها "توضيح و نشر الإطار القانوني و النصوص التنظيمية المتصلة به فيما يتعلق بصلاحيات و تنظيم اتحاد القرار الأمني و طرق التدخل أثناء العمليات وأنظمة المراقبة و تقييم عمل أجهزة الاستخباراتية و السلطات الإدارية المكلفة بحفظ النظام العام و تلك التي لها سلطة استعمال القوة العمومية". لم ينجح المغرب في الامتحان كليا، فاستمرت عدد من الممارسات البعيدة عن روح هذه التوصية تعلو تقارير المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية، فظهر بالملموس أن صناع السياسة و القرار الأمنييْن بالمغرب لم يستوعبوا جليا أن مفهوم الأمن مقترن بتأمين الحماية للأفراد والخيرات وخدمة المواطن، و ليس خدمة الدولة فقط، كما أن الأمن مرتبط بقمع الجريمة و ليس قمع المواطن و أن مفهوم الأمن لا يهم حماية النظام السياسي وحده و إنما حماية النظام العام في شموليته وفق خلاصة لندوة مركز حقوقي حول إشكالية إصلاح القطاع. متى يفرج عن نتائج التحقيق المتعلق بتعنيف المتظاهرين ضد قرار العفو الملكي ذات مساء جمعة من مساءات صيف العاصمة؟ من اتخذ قرار التعنيف: موظف بإدارة الأمن؟ مسؤول سياسي؟ شبح؟.. ما هي الإجراءات التي ستتخذ في حقه على ضوء الفصل 225 من القانون الجنائي؟ وهو الذي ينص على أن "كل قاض، أو موظف عمومي، أو أحد رجال أو مفوضي السلطة أو القوة العمومية يأمر أو يباشر بنفسه عملا تحكميا، ماسا بالحريات الشخصية أو الحقوق الوطنية لمواطن أو أكثر يعاقب بالتجريد من الحقوق الوطنية". إنها أسئلة أشبه بشعاب صغيرة تخرج من واد يصب في بحر "الحكامة الأمنية" الذي يبقى أكبر و أعمق من جزئية "التدخل لفض المظاهرات"، لكنها شعاب تبين قدرة المغرب على ري حقول الحقوق باحترام القانون أو تجريف سواقي الحريات بالاعتماد على معاول "الأشباح".