بعد مرور أزيد من ثلاث سنوات عن القرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19 دجنبر 2017، القاضي بتحديد يوم 23 شتنبر من كل سنة موعدا للاحتفاء باليوم الدولي (أو العالمي) للغات الإشارة، أثير نقاش بين مشتغلين في المجال الحقوقي وآخرين يهتمون بقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، متسائلين عن مدى انتشار لغة الإشارة بين المصابين بالصمم بشكل خاص، وبين باقي مكونات المجتمع المغربي بشكل عام. وأمام "دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لجميع الدول الأعضاء، ومؤسسات منظومة الأممالمتحدة المعنية، والمنظمات الدولية الأخرى والمجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، إلى الاحتفال باليوم الدولي للغات الإشارة بالشكل المناسب من أجل توعية الجمهور بتلك اللغات"، بحسب قرارها رقم 161/72، أشار متتبعون لهذا الملف إلى أن لغات الإشارة ما تزال محدودة الانتشار، في انتظار اتخاذ إجراءات وتدابير مضبوطة من أجل إيصال هذا النوع من اللغات إلى أكبر عدد من المعنيين به. لغة موحدة تنقصها الجدية فريد لُستيك، رئيس جمعية المستقبل للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، قال إنه "بحكم التجربة، أرى أن اليوم العالمي للغات الإشارة يمر بشكل غير مرئي، ولا يتم التعامل معه بالشكل المطلوب، ويظهر ذلك في غياب الأنشطة المكثفة للتعريف بلغة الإشارة والتعريف بإعاقة الصمم التي تعتبر خطيرة نظرا لكونها خفية ومعقدة والكشف عنها صعب"، مضيفا أن "الجمعيات التي تعنى بإعاقة الصمم أو الإعاقة الحسية تعيش التشرذم في ما بينها، فصار بذلك الشخص الذي يعاني من مشاكل حركية أو حسية هو الضحية الأولى والأخيرة". وبعدما شدد على أن "الصواب هو الحديث عن الإعاقة الحسية أو إعاقة الصمم عوض نعت هذه الفئة بالصم والبكم"، أوضح فريد لُستيك، في تصريح لهسبريس، أن "بعض الجمعيات تختار التخندق في مدرسة أو مكان معين يكرس العزلة، وبالتالي لا يمكن لهذه الفئة الاندماج بسلاسة في المدرسة العمومية أو المجتمع بصفة عامة"، موضحا أن "لغة الإشارة هي أهم وسيلة للإدماج، وإذا لم يتم التواصل بهذه اللغة، تصبح هذه الفئة عاجزة عن الاندماج، ويصعب حينها على الجمعيات الوصول إلى مبتغاها المتمثل أساسا في إدماج هذه الفئة إدماجا حقيقيا في المجتمع". وشدد المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، على أنه "من حق المصابين بإعاقة الصمم أن يستفيدوا من برامج تعليمية خاصة، وتواصل فعال ومستمر، وهو ما يتطلب من الوزارات المعنية وفعاليات المجتمع المدني توفير مرافقين ومكونين وأساتذة وأطر شابة لتعليم لغة الإشارة، مع إدماج هذه اللغة في البرامج الدراسية"، مؤكدا أن "تعلم لغة الإشارة ليس صعبا أو مستحيلا، لأنها لغة عالمية وموحدة ولا ينقص سوى الجدية في التعامل معها، وعدم الاكتفاء بتذكرها بشكل مناسباتي". مناسبة سنوية تمر مرور الكرام من جانبه، قال هشام أودادس، عضو المكتب التنفيذي للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، إنه رغم ما توليه المواثيق الدولية والدساتير الوطنية والقوانين التنظيمية من اهتمام للقضايا الإنسانية والحقوقية، فإن اليوم العالمي للغات الإشارة، شأنه كالعديد من المناسبات الإنسانية المهمة، لا يحظى بالاهتمام المطلوب، ومعظم المهتمين بالشأن العام لا يلقون له بالا، بل إن الغالبية العظمى منهم ليس لها علم بهذا اليوم أصلا"، مضيفا أنه "باستثناء جمعيات المجتمع المدني المعنية، يمكن الجزم بأن باقي مكونات المشهد المغربي لا تبالي بهذه المناسبة". وأوضح المتحدث أن "المواثيق الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين للحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، نصت على أهمية إدماج قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء لا يتجزأ من استراتيجيات التنمية المستدامة حفاظا على حقوق هاته الفئة التي كتب عليها أن تعيش في وضعية إعاقة، ولكي تستفيد الدول من الإنتاج الفكري والمعنوي والمادي والمالي لفئة عريضة من المواطنين الذين هم في وضعية إعاقة، وبالتالي تحقيق الاندماج الاجتماعي المطلوب". وأشار أودادس، في تصريح لهسبريس، إلى أنه بالنسبة للغة الإشارة، فهي تساهم بشكل كبير في السيرورة الاندماجية للمصابين بالصمم مجتمعيا، عبر توفير تعليم جيد يمكنهم من الاندماج في سوق الشغل حسب قدراتهم ومواهبهم التي تتفتق بفضل العملية التعليمية التعلمية، وهذه الأخيرة لا بد لها من لغة للتدريس تشكل صلة وصل بين المدرس والمتمدرس، مشيرا في السياق ذاته إلى أن "انتشار لغة الإشارة بمختلف المرافق والإدارات، وحتى لدى الخواص، سيمكن هاته الفئة من التمتع بحقوقها السياسية والمدنية، إلى جانب حقوقها الاقتصادية والاجتماعية". مقترحات لنشر لغة الإشارة وورد ضمن تصريح أودادس أن عدد المتمكنين من لغة الإشارة محدود جدا، رغم كل المجهودات المبذولة في هذا المجال، مضيفا أنه "ما عدا المتخصصين والأشخاص في وضعية إعاقة من الفئة التي تعلمت هاته اللغات في المدارس تحت إشراف جمعيات المجتمع المدني، تبقى احتمالية التمكن أو حتى المعرفة السطحية بهذه اللغة ضعيفة جدا أو مهملة بلغة الفيزياء، وبالتالي لا يمكننا الحديث عن انتشار لغة الإشارة بالشكل المطلوب؛ إذ ما يزال نشر هذه اللغة في مرحلة مخاض عسير لن تنفرج على المدى القصير أو المتوسط". ولكي تصل لغة الإشارة إلى أكبر عدد من المعنيين بها، اقترح أودادس، عضو البرلمان الوطني للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، "إدماجها في المناهج الدراسية والمقررات المدرسية، عبر تخصيص غلاف زمني قار لتربية النشء وجعله ينمي ملكات التواصل بلغة الإشارة، وتطوير الجانب التواصلي المستند للمقومات الحس-حركية للمتعلمين"، و"إدماج مادة خاصة بلغة الإشارة في البرامج التكوينية بمراكز تكوين هيئة التدريس على مختلف أسلاكها". وختم هشام أودادس مقترحاته لتعزيز ثقافة ولغة الإشارة بالتأكيد على "تكثيف البرامج التلفزية الخاصة بتعليم هذا النوع من اللغات بالقنوات العمومية والخاصة"، و"فسح المجال أمام البحث العلمي لتطوير وتبسيط وتقعيد مبسط للغة الإشارة، حتى يتم تداولها على أوسع نطاق"، و"حث كل إدارة عمومية على تكوين بعض موظفيها في ما يخص لغة الإشارة، من أجل استقبال المصابين بالصمم خير استقبال، حتى يتمكنوا من قضاء حوائجهم وأغراضهم الإدارية المختلفة بسرعة وسهولة في التواصل".