في خضم استحقاق الانتخابات الجماعية التي يشهدها بلدنا، قام المجتمع المدني العامل في مجال الإعاقة ببلدنا بعدة مبادرات تروم تعزيز المشاركة السياسية للأشخاص في وضعية إعاقة بمختلف أبعادها، وهكذا اطلق ناشطون جمعويون عملية "مشاركة" تحت شعار "المشاركة... حق... ماشي مزية"، التي تهدف إلى الإسهام في الجهود المبذولة من أجل إذكاء الوعي بحق المشاركة السياسية للأشخاص في وضعية إعاقة، وتعمل فعالية العملية على مرافقة مشاركة مجموعة من المرشحين في وضعية إعاقة تجاوزت 73 مرشحة ومرشحا في الاستحقاقات الانتخابية 2021، وقد رافقة عملية "مشاركة" حملة رقمية على شبكات التواصل الاجتماعي يتم خلالها تنظيم لقاءات حية مباشرة "عن بعد" مع مرشحين في وضعية إعاقة، كما شملت إعطاء الكلمة لفاعلين في مجال الإعاقة ببلدنا حول تطلعاتهم من الفاعلين السياسيين ذوي القرار الذين ستفرزهم الانتخابات، وسبل حث الأحزاب السياسية على العمل بمقاربة مندمجة واستقطاب الكفاءات من ذوي الإعاقة وتعديل الاتجاهات والصور النمطية السلبية تجاه الأشخاص في وضعية إعاقة داخل الأحزاب للاستفادة من كفاءات هذه الفئة في مختلف الميادين التي تهم المجتمع ككل. ويروم مطلقو العملية المساهمة في إيفاء بلادنا بالتزاماتها الحقوقية الدولية خاصة، وقد أكد المغرب بتصديقه على الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على التزامه التام بترسيخ مسلسل المشاركة السياسية للأشخاص في وضعية إعاقة. حيث تنص الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المادة 29 بشكل صريح على المشاركة السياسية والتزام الدول الأطراف بكفالة إمكانية المشاركة بصورة فعالة وكاملة في الحياة السياسية والعامة للأشخاص ذوي الإعاقة على قدم المساواة مع الآخرين، إما مباشرة وإما عن طريق ممثلين يختارونهم بحرية، بما في ذلك كفالة الحق والفرصة للأشخاص في وضعية الإعاقة ليصوتوا ويُنتخبوا، وذلك بعدة سبل لمكاتب التصويت ومرافقه ومواده مناسبة وميسرة وسهلة الفهم والاستعمال، وأن تعمل أطراف الاتفاقية على نحو فعال من أجل تهيئة بيئة يتسنى فيها للأشخاص في وضعية إعاقة أن يشاركوا مشاركة فعلية وكاملة وتشجيع مشاركتهم في الشؤون العامة، بما في ذلك المشاركة في الجمعيات والتحالفات المناصرة لحقوقهم والأحزاب السياسية، والانخراط في أنشطتها وهياكلها السياسية الموازية. كما تشهد "عملية مشاركة" أنشطة لرصد وقراءة لتضمين قضايا الإعاقة في البرامج السياسية للأحزاب السياسية ومقاربتهم لها، مع خبراء ومهتمين وستعمل من خلال ذلك على تغذية جهود صياغة تقارير سيقدمها المجتمع المدني العامل في مجال الإعاقة عن الاستحقاقات والظروف التي مرت فيها، خاصة كما أسلفنا ما يتعلق بتسهيل تصويت الأشخاص في وضعية إعاقة ومدى اعتماد الإجراءات التيسييرية، من احترام المعايير المعمول بها من ولوجيات معمارية وتبسيط المعلومات وجعلها في متناول الجميع، علاوة على ضمان حرية التصويت لذوي الإعاقة البصرية ورصد مدى احترام المعايير التيسييرية للتصويت عامة والتي تمكين الاشخاص في وضعية إعاقة من النزول والمشاركة الإيجابية والفعالة في الانتخابات، وإتاحة الفرصة لهم ليشاركوا كمنتخبين عن أحزاب سياسية مختلفة والولوج لمجالس الجماعات الترابية بغية المساهمة في صنع القرارات التي تؤثر في حياتهم، باعتبار المشاركة حقا ومسؤولية وقد لوحظ ارتفاع في عدد المرشحات والمرشحين من الأشخاص في وضعية إعاقة، ممن بادروا بولوج تجربة المشاركة السياسية، الأمر الذي لطالما أوصت به العديد من الملتقيات التشاورية التي تناولت الحقوق السياسية والمدنية للأشخاص ذوي الإعاقة على الصعيد الوطني. وضمن هؤلاء توجد المرأة في وضعية إعاقة مرشحة وإن بشكل أقل من المرشحين من الذكور الشيء الذي سيغذي وسيساهم في تغيير النظرة والاتجاهات المجتمعية السلبية تجاه الإعاقة والموصومة دوما بالعجز وعدم القدرة والحاجة الدائمة للآخرين، ويعزز ثقة الهيئات السياسية "الأحزاب السياسية" على المستوى المحلي والجهوي في كفاءات الأشخاص في وضعية إعاقة وقدرتهم على خوض غمار الاستحقاقات الانتخابية والفعل السياسي، كما سينمي جهود إذكاء الوعي بإلزامية توفير الظروف التي تتيح لهذه الشريحة من المواطنين ممارسة حقوقهم سواء في الترشيحات أو الاقتراع، انطلاقا من أن إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في نسيج المجتمع وضمان مشاركتهم في السياسات المحلية والوطنية هو رسالة للمجتمع بأكمله. إن التمكين السياسي للأشخاص في وضعية إعاقة مدخل أساسي لتعزيز هذه المشاركة الفعالة والمواطنة، بالولوج إلى فضاءات تدبير الشأن العام ولعب دورهم في الترافع من أجل تنمية دامجة، تجسيدا لروح الدستور المغربي الذي يؤكد على ضرورة إدماج الإعاقة في سياسات وبرامج التنمية في شموليتها وعلى كافة المستويات، ووضع برامج واستراتيجيات من شأنها إعادة تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع. ولن يتأتى ذلك إلا بتفعيل دور الأحزاب الوطنية في تأطير المواطنين على اختلاف وضعياتهم ومشاربهم المجتمعية، بمن فيهم الأشخاص في وضعية إعاقة ودفعهم للإسهام في إبراز نخب سياسية في صفوفهم، بالإضافة إلى دعم ولوجهم للاستشارات الانتخابية والمشاركة السياسية وصولا إلى المساهمة في صناعة القرار. ويبقى أملنا أن يحقق الأخوات والإخوة نتائج محفزة في هذه الاستحقاق، فوجودهم بهيئات تدبير الشأن العام المحلي والجهوي سيساهم لا محالة في الجهود المبذولة من قبل كافة الفاعلين في الحركة الحقوقية للأشخاص في وضعية إعاقة، فالبون مازال شاسعا بين المأمول وواقع الحال، والجهود يجب أن تتضافر وتتكاثف وأن يتم العمل من داخل الهيئات المؤثرة في التنمية على إدراج بعد الإعاقة في المخططات والسياسات العمومية لفتح المجال أمام هذه الشريحة من المجتمع، لتساهم في حركية مجتمعها والتعامل مع قضاياها من منطلق حقوقي. كما سيساهم وجودهم هذا في تعبئة الأحزاب السياسية ومنضاليها، للترافع من أجل تنمية دامجة للأشخاص في وضعية إعاقة لتحقيق مواطنتهم ومشاركتهم في صناعة القرار وإرساء مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين كافة المواطنين.