يبسط الوضع المصري عمق جرحه لجمهور المحللين ؛ يدعوهم لوصلة تأمل في الصورة المصرية ؛ وفي مستقبل بناء ديمقراطيات حقيقية في دول الحراك الأخير ؛ يفتح أبواب الأزقة والحارات والأرياف والصحاري أمام موثقي إرادة الشعوب ؛ ويستأذن في استعارة هندسة سواقي طيبة مجاري لدماء المصريين ودموعهم في قلب ميادين الرفض والحلم ...إلى أجل غير مسمى. رآى الفريق السيسي من تحت النظارة السوداء أن الحل لن يكون إلا قانيا و على حد البنادق والقنابل المسيلة لدماء وآمال المصريين ؛ وجزئ تفاعل السلطة مع الفعل الاحتجاجي على خرائط ملامح المحتجين ؛ نوع لباسهم ؛ قسماتهم وكثافة الشعر على وجوههم ؛ وباشر المداهمات الحقيقية والإفتراضية على إيقاع الشعارات والمطالب والمقاومة ؛ رص منجنيقات القمع في اتجاه مصريي رابعة العدوية والنهضة ومكيفات احترام الحق في الاحتجاج والتجمهر في اتجاه مصريي ميدان التحرير والاتحادية ؛ فبأي حق ؟؟؟بأي حق ..!! لم تكن ثورة 25 يناير ترمي إلى خلق طبقية مابعد الثورة ؛ ولم تكن تتصور أن هدف الخبز والكرامة يمكن أن يتحول إلى مطية للاستبداد باسم قيم الثورة ودماء شهداء أمن الدولة والعسكر ؛ وأن مضمون مطالب الثوار وحماسهم يمكن أن يدهس ضلوعهم ويعيث القمع في أوصالهم ؛ فماهي دروس الوضع المصري وهل قدر شعوب التخلف الديمقراطي أن تسقط أنظمتها لتختارصاغرة بين ويل الدولة الجيش أو الدولة الدينية أو الدولة الضعيفة : 1- يتبادر سؤال برئ حول مدى نجاح التجربة الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين ؛ وماهية الأفق الذي رسمته الجماعة المحترمة لحزبها الوليد وحجم المسافة والاستقلالية التي يجب أن تفصلهما وعمق الوعي بالممكنات التي يفتحها تأسيس الحزب على قواعد اللعبة السياسية ؛و يقظة الجماعة ومستوى تمثلها لعلاقتها بطبعتها القانونية ؛ إذ يبدو أن الجماعة حسمت لصالح طرح الذراع الحزبي ؛ أي أن الحزب يمثل ذراعاً من أذرع الجماعة وليس العكس وواجهة من واجهاتها النضالية وليس العكس ؛ وبالتالي يخضع أيضاً لسلطة المرشد وتوجهات الجماعة ؛ وهنا يكمن في اعتقادي ضعف تجربة الإخوان ؛ إذ يظهر جلياً أن رئيس المصريين مرؤوس طيع لمرشد عام لم يختره المصريون الذين وشحوا الرئيس المصري محمد مرسي رئيسا عليهم ؛ ويظهر أيضاً أنه -أي الرئيس مرسي - مستتبع بالتزامات الجماعة إضافة إلى التزاماته حيال الشعب المصري ؛ ويظهر من محزنة الإعلان الدستوري أن التشاركية والحوار مفردات لا يمكن أن تتساكن بسهولة مع التراتبية والانضباط الذي يفترض في الرئيس مرسي لصالح رئيسه في الجماعة ؛ وهنا وجدت المعارضة منطقها ووقود حركيتها وأسباب التجاوب مع طروحات تتباين بين الموضوعي والتعجيزي وبالتالي يجب أن يعاد التفكير بشأن العلاقة بين الجماعة والحزب ؛ من أجل إنقاذ التجربة في حال استجابت الأطراف المتنازعة إلى الحوار وسيل المبادرات ومشاريع الحلول التي لن تنجح في اعتقادي دون رجوع الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي ؛ وإذعانه لرغبة الشعب في تنظيم انتخابات رئاسية قبل آوانها بمراقبة دولية ؛ وحياد كامل لحزب عبد الفتاح السيسي . 2- الجزء الأعظم من الدرس يتمثل في طبيعة أدوار الهيئات السياسية الوطنية التي تأخذ زمام تدبير مابعد الانتفاضات بالنسبة للأقطار التي أسقطت أنظمتها ؛ فمن الغير الحكيم أن تعتبر جماعة الإخوان المسلمين في مصر أن الوصول إلى السلطة في زمن مابعد الثورة تناوب طبيعي ؛ وأن تدبيرها وتسيير الادارة يمكن أن يتم بالشكل المتعارف عليه مثل أي سلطة تأتي كنتيجة لتداول عادي وفي ظروف ولادة طبيعية أو تعتقد أن الثورة التي حملتها إلى المواقع والمقاعد انتهت بحمل رئيس من المعارضة أو الممانعة إلى سدة الحكم ؛ وأن فتيل الشارع سيستكين إلى نوايا إصلاحات وشعارات ثورية غير مقنعة وأحيانا متضاربة ؛ من المستغرب أن لا تلتقط الجماعة المحترمة إشارات عتيقة وعريقة في سوسيولوجيا الثورات والتي تبزغ من داخلها تاريخيا ً منعرجات ناسفة تتغول على التعقل والصبر والحكمة ؛ أعتقد أن دور الجماعة كان سيكون أقوى وأكثر تأثيرا في مستقبل مصر مابعد نظام مبارك لو أنها -أي الجماعة - صاحبت أهداف الثورة المصرية بشفافية أكثر وحكمة أكبر ؛ وهدأت من فورة الرغبة في ممارسة الحكم بمقاربة استحواذية ؛ استناداً إلى عقيدة الصناديق و النصر والهزيمة والأغلبية والأقلية وكل مفاهيم الزمن السياسي العادي الفاتر ؛ يُفترض في حاكمي الفترات التأسيسية وكتابة الدستور الكثير من الترفع والوعي من أجل لم الشتات ورتق عورات الوعي الديمقراطي والتشاركية وعقلنة وسائل تدبير السلطة من أجل إنجاح مسيرة الدول نحو حكم المؤسسات بسلام وبدون عنف وعنف مضاد . 3- أعتقد أنه أسقط في يد المعارضة ؛ فبقدر ما ركزت مطالبها على مراجع مبدئية في الديمقراطية مقنعة متماسكة بناءة ؛ بقدر ما غاصت في عمق تحول استبدادي مرجعه القوة والانقلاب وافتكاك الشرعية بالرصاص ؛ فماهو الأفق اليوم ؛ وكيف يصحح العطار ماأفسده السيسي ؛ كيف نستطيع أن ننجح تحولاتنا وعقلياتنا لتدبير الإختلاف بالعقل واحترام قواعد كونية للعبة السياسية عبر آلية الانتخابات وتمكين الرابح من قيادة الاختيارات الجماعية وبناء التوافق حول خطوات الإصلاح وصياغة دستور واضح يجتمع حوله جل الأطراف ؛ من أجل تهدئة الوضع وبناء مواطَنةَ لا تلجأ إلى العنف والتحريض والنبوءات ؛ لا تورط الدين ولا تزج به في الصراعات.