مشعل حب الوطن حمل ثقيل كصليب يسوع، تحمله بنفسك تحت ضربات كرباج الجلاد و تسير به بين دهاليز الوحشية إلى قمة مرتفع التضحية.. يعتقدون أنهم صلبوك فيفرحون و يحتفلون بانتصارهم المزعوم، بينما أنت تظهر، بعند عنيد، للمستضعفين في اليوم التالي حيا ترزق. فيهرولون إلى مدفنتك ليجدونها فارغة كجماجمهم الجوفاء. يتولاهم الرعب منك على نحافتك و قلة أتباعك لعلمهم أن أصحابك، و إن قل اليوم عددهم، غدا ستدخل الناس أفواجا حزبهم الطلع و الطلاع و الطليعة لكل المستضعفين. صلبت اليوم لكلمة حق تفوهت بها كيسوع بن يوسف أمام الكهنة و بونتي بيلات، فافرح بما أصابك من شرف التضحية. صليبك مشعل تحمله بين ضلوعك لستستنير به أجيال قادمة في بناء الغد الموعود. لقد كشفت حقيقة عهد طالما تغنوا به و انتزعت القناع عنه. قفصك تعبير صارخ عن ضعف الروم و صفوة بني إسرائيل. إنك حر بأفكارك الجريئة و روحك المقاومة لكل ظلم غاشم. نحن معك، نحن فداك، نحن حملة المشعل من وراك .. "" إنهم يحاولون إطفاء نور الحقيقة ف"قل هل يستوي الأعمى و البصير أم هل تستوي الظلمات و النور.." ( 16 – الرعد). عندما صُلب يسوع اعتقدت روما و صفوة بني إسرائيل أنهم قضوا على روح التمرد على الباطل المتعطشة إلى إظهار الحق، لكن مشعله حُمل في مكان آخر و استمرت القافلة في طريقها نحو الغد المنير. إنها الفكرة اللعينة التي تستحود على العقول و تسير بها نحو مشكاة في آخر النفق. إنها لا تقاوم لا من الداخل و لا من الخارج، إذ أنها شيء مجرد غير مادي تشعر الروح بوجوده و لا تدركه العين. حلاوتها تذيب الجسم و تبطله لتلتقي الروح بمحبوبها دون وساطة. إنه الزهد المثمر و التصوف المنتج و العقيدة الطليعية لكل كادح مستضعف. فاللهم أدم علينا نشوة الفكرة و لا تحرمنا من حب الوطن و كن سندا لعبد دخل معبد الزهد الحقيقي المطهر من كل شك أو ارتباك و أنعم عليه بإلهام الإبداع ليكون مصباحا لمن عميت بصيرته و تاه في ظلمات الباطل يستكشف به طريقه إلى نور الحقيقة إنك مستجيب الدعاء.