منذ أمد بعيد، يمتد إلى حوالي خمسة عقود أو يزيد، والشعبان الجزائري والمغربي يتطلعان إلى حلول ذلك اليوم السعيد، الذي تنقشع فيه غيوم الأزمة السياسية التي ترخي بظلالها على بلديهما، ويسارع النظامان كل من جانبه إلى مد الجسور بينهما وإذابة جليد العلاقات المتوترة، والعمل سويا على إنهاء الخلافات التي تعمق جراح الشعبين الشقيقين وتحول دون أي تقارب ممكن بين البلدين الجارين. فمن جهتنا نحن المغاربة كانت جذوة الأمل تزداد توهجا كلما رأينا عاهلنا المفدى محمد السادس يمد يده البيضاء جهة أشقائه في قصر المرادية بالجزائر خاصة في السنوات الأخيرة، تارة بالتلميح وأخرى مباشرة وبكامل الصدق والصراحة، تعبيرا عن نواياه الحسنة ورغبته الأكيدة في ردم الهوة التي تفصل بين الدولتين الكبيرتين. وقد بدا ذلك واضحا مساء يوم السبت: 31 يوليوز 2021، من خلال ما تضمنه خطاب العرش بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين على توليه الحكم، من مشاعر الود والأخوة. بيد أنه لم يلبث ظن المغاربة أن خاب وهم يدركون جيدا تعنت كابرانات الجزائر، الذين تبين أنهم يعانون من مرض مزمن يدعى "عقدة المغرب"، لما يضمرونه من كره مفرط للمغرب إلى حد الرغبة في تدميره بجميع الوسائل الممكنة، الشرعية منها وغير الشرعية، كما يشهد بذلك توالي استفزازاتهم وتصريحاتهم المتشنجة، ناهيكم عن دعمهم الدائم لميليشيات البوليساريو الانفصالية. وإلا كيف يمكن مثلا تفسير رد الرئيس الصوري عبد المجيد تبون على خطاب "اليد الممدودة" الداعي إلى العمل معا على تطوير العلاقات الأخوية وبناء المستقبل المشترك، والذي يشدد فيه العاهل المغربي على أن بلديهما ليسا فقط دولتين جارتين، بل هما توأمان متكاملان، وأن ما يمس أحدهما يمس الآخر، ولا يجوز استمرار الحدود مغلقة، بما يتنافى مع حق طبيعي ومبدأ قانوني أصيل تكرسه المواثيق الدولية، بالقول: "إن بلاده مستعدة لحل مشاكل الطرفين (ويقصد المغرب وجبهة البوليساريو الانفصالية)، واحتضان لقاء بينهما على أرض الجزائر بما يرضيهما معا"؟ وليس هذا وحسب بل هناك ما هو أغرب وأفظع، إذ سبق لنظام العسكر أن استنفر كل وسائل الإعلام الجزائرية للنفخ في بيان للمديرية العامة للأمن الوطني، حول اعتقال مواطن مغربي قيل إنه يقيم في الجزائر بشكل غير قانوني، ضبط مندسا بين متظاهري الحراك الشعبي، فيما الحقيقة غير ذلك، إذ يتعلق الأمر بعامل بسيط في البناء ولا صلة له إطلاقا بالسياسة، تم القبض عليه من داخل مقهى خارج المظاهرات الشعبية المستمرة لأزيد من ثلاث سنوات، والتي تطالب بمدنية الدولة ورحيل العسكر... والأدهى من ذلك أن رئاسة الجمهورية الجزائرية أبت إلا أن تصدر يوم الأربعاء 18 غشت 2021 عقب اجتماع استثنائي للمجلس الأعلى للأمن، بيانا تعلن عبره عن إعادة النظر في العلاقات مع المغرب، تمهيدا ربما لقطعها في القريب المنظور، متهمة إياه بالاعتداءات المتكررة وضلوعه في حرائق الغابات التي اجتاحت عدة ولايات بشمال الجزائر، وهو الذي كان قد عرض على السلطات الجزائرية مساعدتها، بوضع طائرتين من طراز "كانادير" رهن إشارتها للإسهام في إخماد النيران الكارثية. فضلا عما ادعته وزارة الخارجية من كون المغرب يجر إسرائيل إلى مغامرة خطيرة ضد الجزائر. فأي عقل سليم يقبل بهكذا ترهات؟ ثم ألا تكشف مثل هذه التصريحات الرعناء عمق الأزمة التي يعيش على إيقاعها جنرالات الجزائر، الذين رماهم زعيمهم الراحل هواري بومدين منذ عام 1965 في بئر سحيقة لم يعرفوا بعد كيف يطلعون منها؟ فحقد الكابرانات على المغرب ليس وليد اليوم، أملاه تصريح ممثل المغرب في الأممالمتحدة عمر هلال، في رده على استفزازات وزير الخارجية رمطان لعمامرة حول ازدواجية المواقف لدى الجزائر في الحديث عن الحق في تقرير المصير بين الصحراويين بالمغرب والقبايليين بالجزائر، خلال اجتماع حركة عدم الانحياز المنعقد يومي 13 و14 يوليوز 2021، بل يمتد إلى فجر استقلال المغرب، وتأكد ذلك من خلال خلق "جبهة البوليساريو الانفصالية" والسهر على رعايتها ودعمها بالمال والسلاح، لتظل شوكة عالقة في خصره. ويرفض النظام العسكري بشدة أن يتفوق عليه المغرب ويكشف عجزه وفشله في تحقيق التنمية، إذ كما أنه لم يستسغ قيام الجامعة العربية باستدعائه ليكون عضوا في لجنة الدفاع عن القدس والشعب الفلسطيني بالأممالمتحدة، وكذا في لجنة الوساطة قصد إنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، دون أن توجه له الدعوة، فإنه لم يهضم أيضا أن يصبح المغرب الذي لا يمتلك آبار نفط ولا أنابيب غاز، قوة إقليمية صاعدة وضاربة في صناعة السيارات، وتصنيع وتعبئة اللقاح المضاد لكورونا ولقاحات أخرى، وتحقيق انتصارات دبلوماسية وخاصة منها الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء. ثم إنه يكره المغرب لأنه استطاع بفضل حكمة قائده الملهم وسياساته الرشيدة، أن يحدث قفزات نوعية هائلة في كافة مناحي الحياة، مكنت المغرب من تحدي كل الصعاب وتجاوز العقبات والحملات المغرضة والمؤامرات الخسيسة، وحولت مناطقه إلى ورش كبير للبناء وقبلة لكبار المستثمرين، حتى أضحى جسرا متينا بين إفريقيا ومختلف دول العالم... إنه لمن المؤسف أن يستمر شنقريحة وزبانيته في كرههم للمغرب، الذي يعيش ثورة مستمرة تلهم الأجيال المتعاقبة بنفس روح الوطنية، للدفاع عن الوطن ومؤسساته ومقدساته. والتمادي في تمسكهم بتلك العقيدة البالية والعقيمة التي تزرع بذور البغض في أذهان الجزائريين ضد أشقائهم المغاربة، جاعلين من المغرب ذلك "البعبع" الذي يهدد أمنهم واستقرارهم، عوض اتخاذه قدوة تحتذى والانصراف نحو بناء وطنهم وحسن استثمار عائدات المحروقات في ما يخدم مصالح الشعب الجزائري وتلبية انتظاراته...