في ظل ظرفية اقتصادية صعبة، لجأ المغرب الى طرق أبواب العديد من الدول وصندوق النقد الدولي من أجل إيجاد التوازن المالي لهذه السنة، ما يعني الخضوع أكثر للاملاءات الدولية وصعوبة تحقيق مستوى النمو المأمول... لجأت الحكومة ومنذ أواخر السنة الماضية إلى عدد من القروض كسبيل لإيقاف نزيف المالية العمومية، مسألة فرضية اللجوء إلى هذه القروض كانت مسألة وقت، بعد موسم فلاحي صعب وتزايد متتالي لعجز الميزان التجاري. المغرب كان يستعمل عائدات السياح وتحويلات العمال المهاجرين لتمويل عجز التجارة الخارجية الذي ارتفع بدوره بسبب ضعف الطلب الأوربي على الواردات، وضعف اليورو والقدرة الشرائية للسوق الأوربية، استمرار الأزمة الأوربية سينعكس سلباً على الصادرات المغربية التي ترتبط بنسبة %66 بهذه السوق، مما سيعمق أزمة السيولة وعسر التمويل الذي تعانيه الميزانية العامة للحكومة، والذي تتم تغطيته عادة باللجوء إلى الإقراض. ناقوس الخطر سبق وأن دقه أحمد الحليمي المندوب السامي للتخطيط، إذ أكد أن احتياطي المغرب من العملة الصعبة سيزداد تدهورا في السنوات المقبلة، مشددا على أن المغرب سيصبح في حاجة ماسة إلى مضاعفة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى ثلاث مرات، من أجل تغطية الخصاص المغربي من العملة. وذكر الحليمي بتراجع احتياطي العملة من خمسة أشهر في 2011 إلى ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر في سنة 2012، محذرا من تدهورها مع سنة 2013. كل هذه المؤشرات تؤكد عدد القروض والهبات التي حصل عليها المغرب هذه السنة... صندوق النقد الدولي...دائما وأبدا وصل الحجم الإجمالي للقروض والهبات التي منحها البنك الدولي للمغرب، في إطار عقد الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين الطرفين المتعلق بالفترة الممتدة ما بين 2010 و 2013، إلى 21 مليارا و950 مليون درهم، وذلك بمعدل سنوي يناهز 624 مليون دولار سنويا، أي حوالي 5.24 ملايير درهم في السنة. هذه التمويلات ينتظر أن تعرف ارتفاعا، حسب المؤسسة المالية الدولية، في المستقبل، إذ أن الحكومة طالبت بالتوقيع على إطار شراكة جديد مع البنك الدولي سيهم الفترة ما بين 2014 و 2017، إذ أعطى البنك موافقته المبدئية، لكن شريطة تسريع وتيرة الإصلاحات، خاصة تلك المتعلقة بإصلاح منظومة المقاصة، ومناخ الأعمال، وتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني. وتتوزع التمويلات التي استفاد منها المغرب، خلال أربع سنوات الأخيرة، على ثلاث آليات أساسية تتمثل في قروض السياسة التنموية، والمشاريع الاستثمارية، والقروض للبرامج مقابل النتائج، أي أن منح القروض، في إطار هذه الآلية الأخيرة، يرتبط بالنتائج المحققة بالنسبة إلى البرامج المطلوب تمويلها. فعلى سبيل المثال يربط البنك منح القروض في هذا الباب بمجموعة من المؤشرات من قبيل نسبة تمدرس الفتيات بالعالم القروي، وعدد المساكن التي تستفيد من الربط بشبكة الماء الصالح للشرب بالبوادي. ولجأ المغرب إلى هذه الآلية التمويلية في أول مرة من أجل تمويل برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إذ استفاد من قرض بقيمة 300 مليون دولار، في حين أن جل تمويلات البنك همت السياسات التمويلية ومشاريع الاستثمار، إذ استفاد المغرب في ما يتعلق بتمويل السياسات التنموية من غلاف مالي يناهز مليارا و 530 مليون دولار، في حين مول البنك مشاريع استثمار بقيمة 694 مليونا و500 مليون درهم. وتتراوح مدة القروض المتعلقة بعمليات الاستثمار ما بين 5 و 10 سنوات، في حين لا تتعدى مدة استرداد القروض الممنوحة في إطار تمويلات السياسات التنموية 3 سنوات. ويعتبر قطاع الفلاحة الأكثر استفادة من تمويلات البنك الدولي، إذ استفاد من تمويلات بقيمة إجمالية تجاوزت 414 مليون دولار، تليه مشاريع التنمية البشرية، إذ استفادت من 305 ملايين و500 ألف دولار، يليها قطاع الماء والتطهير بغلاف مالي في حدود 288 مليون دولار. بالموازاة مع ذلك، يخصص البنك للمغرب هبات مالية سنوية من أجل تمويل بعض الأنشطة، مثل تمويل الدراسات، والمساعدات التقنية، والتكوين، وتكاليف السفر للتكوين. هذه التمويلات وإن كانت تأتي لسد العجز الحاصل، إلا أنها تضع المغرب تحت رحمة هذه المؤسسة الدولية التي تحدد السياسات العامة للدول المقترضة. ضغط الإصلاح في تقرير لصندوق النقد الدولي أكد هذا الأخير على" " أثر الربيع العربي.. في زيادة المخاطر التي تهدد استقرار الاقتصاد الكلي في المدى القريب.. فسنة 2012 ستتسم بنفس القدر من الصعوبة نتيجة انخفاض النمو وارتفاع البطالة واستمرار الضغوط المالية والخارجية. وإلى جانب ذلك، فقد تقلص الحيز المتاح لخيارات السياسة في كثير من البلدان، بعد أن أفرطت في السحب من احتياطات النقد الأجنبي والمالية العامة عام 2011". كما أشار رئيس بعثة الصندوق إلى المغرب" دومينيك غييوم" إلى أن "من المتوقع أن يتراجع النمو الكلي لإجمالي الناتج المحلي الحقيقي من 5% عام 2011 إلى حوالي 3% عام 2012" . الصندوق حث الحكومة على تقليص الإنفاق على الدعم المعمم، وتعويض هذا الخفض جزئيا عن طريق تقليص الإنفاق في مجالات أخرى، منها الإنفاق الرأسمالي. كما أشار إلى ضرورة إصلاح نظام التقاعد والوظيفة العمومية الذي أنهك مالية الدولة. استجابت الحكومة المغربية للخطوط العريضة لمطالب البنك الدولي الواردة في هذه الوثيقة، وللتوجيه الذي يحث على المسؤولية الدولية المشتركة. الحكومة المغربية حينها بعثت رسالة نوايا إلى الصندوق، إذ تعهدت بتقليص العجز في أفق 2016 ليصل إلى 3%، كما تعهدت بإصلاح صندوق المقاصة في أقرب الآجال. الوثيقة التي أودعها وزير المالية ووالي بنك المغرب لدى إدارة الصندوق تتعهد بالتزام السلطات المغربية ب"تطبيق الإصلاحات التي اقترحتها، للتمكين من خلق جو ملائم للنمو الاقتصادي وخلق أكبر عدد ممكن من مناصب الشغل، مع مراعاة المؤشرات الجوهرية والمالية. وتستبقى الحكومة و الصندوق في اتصال دائم مع السلطات لتأمين نجاح هذه السياسات". الاقتصادي نجيب أقصبي يرى أن الحكومة الحالية تتجه إلى تنفيذ سياسة تقشفية تطبيقا لوصايا صندوق النقد الدولي، الذي لم يكن راضيا عن نسبة العجز في الميزانية التي تجاوزت 7 في المائة خلال السنة الماضية، موضحا أن هذه السياسة، إلى جانب قرار تجميد الاستثمارات، ستكون لها انعكاسات وخيمة على الاقتصاد الوطني، وستؤدي، لا محالة، إلى تراجع نسبة النمو، كما سيكون لها وقع سلبي على القطاعات الاجتماعية، وعلى مناصب الشغل. من المؤكد أن القروض التي حصل عليها المغرب تعد حلولا آنية فقط من أجل إنقاذ ميزانية الدولة، لكن تأخر الإصلاح لسنة أخرى من شأنه أن يفقد المغرب مكانته لدى المؤسسات المالية الدولية وينذر بما هو أسوأ.