يكمن العجز السياسي في عدم القدرة على الفعل السياسي أو محدودية التأثير في القرار السياسي والخضوع لمنطق الأقلية التي تميل إلى التغلب على آليات الديمقراطية باسم الحكم الاقتصادي الرشيد، وإلى إفراغ المؤسسات السياسية الوطنية من أي مضمون، وتأسيس جهاز فوق وطني أو فوق دولتي؛ مما يجعل التساؤل مشروعا حول مدى قدرة الحكومة المغربية على الفعل السياسي أمام إكراهات المؤسسات الدولية، في حين تكمن سياسة العجز في عدم قدرة الحكومة المنبثقة من صناديق الاقتراع على تنزيل وتطبيق برنامجها الحكومي. وسنحاول توضيح سياسة العجز الحكومي في مجموعة من القضايا ذات الأولوية، نورد بعضها على سبيل المثال كالتربية والتكوين والإصلاح الإداري؟ محدودية الفعل السياسي أمام إكراهات المؤسسات الدولية وصل الحجم الإجمالي للقروض والهبات التي منحها البنك الدولي للمغرب، في إطار عقد الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين الطرفين المتعلق بالفترة الممتدة ما بين 2010 و2013، إلى 21 مليارا و950 مليون درهم، وذلك بمعدل سنوي يناهز 624 مليون دولار سنويا، أي حوالي 5.24 ملايير درهم في السنة. وينتظر أن تعرف هذه التمويلات ارتفاعا، حسب المؤسسة المالية الدولية، في المستقبل، إذ إن الحكومة طالبت بالتوقيع على إطار شراكة جديد مع البنك الدولي سيهم الفترة الممتدة ما بين 2014 و2017، وقد أعطى البنك موافقته المبدئية، لكن شريطة تسريع وتيرة الإصلاحات، خاصة تلك المتعلقة بإصلاح منظومة المقاصة ومناخ الأعمال وتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني. كما أن صندوق النقد الدولي حث الحكومة على تقليص الإنفاق على الدعم المعمم، وتعويض هذا الخفض جزئيا عن طريق تقليص الإنفاق في مجالات أخرى، منها الإنفاق الرأسمالي؛ كما أشار إلى ضرورة إصلاح نظام التقاعد والوظيفة العمومية الذي أنهك مالية الدولة. وقد استجابت الحكومة المغربية للخطوط العريضة لمطالب البنك الدولي وبعثت رسالة نوايا إلى صندوق النقد الدولي، تعهدت فيها بتقليص العجز في أفق 2016 ليصل إلى 3 في المائة، كما تعهدت بإصلاح صندوق المقاصة في أقرب الآجال؛ فالوثيقة التي أودعها وزير المالية ووالي بنك المغرب لدى إدارة الصندوق تتعهد بالتزام السلطات المغربية ب"تطبيق الإصلاحات التي اقترحتها، للتمكين من خلق جو ملائم للنمو الاقتصادي وخلق أكبر عدد ممكن من مناصب الشغل، مع مراعاة المؤشرات الجوهرية والمالية. وستبقى الحكومة والصندوق على اتصال دائم بالسلطات لتأمين نجاح هذه السياسات". وهذا ما يفسر حاليا توجه الحكومة في مشروع القانون المالي لسنة 2014 إلى تنفيذ سياسة تقشفية تطبيقا لتوصيات صندوق النقد الدولي، الذي لم يكن راضيا عن نسبة العجز في الميزانية التي تجاوزت 7 في المائة خلال السنة الماضية، الأمر الذي سيكون له وقع سلبي على القطاعات الاجتماعية وعلى مناصب الشغل. غياب لمسة حكومية في بعض القضايا الأساسية تتضح معالم غياب الاستراتيجية في عدم القدرة على بناء رؤية واضحة المعالم في قطاعات ذات أولوية، وتقديم برامج متعددة السنوات في قطاعات تعتبر مفتاحا من أجل بداية ورش الإصلاح في بلادنا. غياب استراتيجية في قطاع التربية والتكوين صحيح أنه لا يمكن أن نحمل هذه الحكومة فشل منظومة التربية والتعليم أو فشل البرنامج الاستعجالي الذي أبان عن غياب الحكامة في تدبير هذا الورش الذي كلف ما يقارب 33 مليار سنتيم خلال أربع سنوات، غير أننا نحملها غياب رؤية أو بديل واضح؛ فقد كان للحكومة في نسختها الأولى شرف محاولة تقييم هذا البرنامج، غير أنها لم تمتلك الجرأة السياسية، بعد النقد الملكي اللاذع الذي حملها مسؤولية فشل ذلك البرنامج انطلاقا من عدم عملها على تعزيز المكاسب لتفعيل المخططات التعليمية، ولعدم إشراكها الفاعلين المعنيين بورش التربية والتكوين؛ فقد كان على الحكومة الحالية، حسب الملك، "استثمار التراكمات الإيجابية في قطاع التربية والتكوين، باعتباره ورشا مصيريا، يمتد لعدة عقود". وعبر الملك عن رفضه الشديد الحديث مع كل حكومة جديدة عن مشروع تعليمي جديد، وقال في هذا السياق: "من غير المعقول أن تأتي كل مرة حكومة بمناهج تعليمية جديدة"، داعيا إلى الاستثمار والاشتغال الجيد على المشروع الحالي. ما الذي جعل السيد رئيس الحكومة يبتلع لسانه بدل من أن يدافع عن مقاربة حكومته في القطاع أو يقدم إلى الملك مشروعا متراصا ومتكاملا في قطاع التربية والتكوين يستفيد من الاختلالات التي عرفها البرنامج الاستعجالي ويقدم رؤية جديدة بنفس جديد يقنع الملك بالانخراط فيه، بدل أن يقبل الحل السهل المتمثل في استقدام رشيد بلمختار المتشبّث بالبرنامج الاستعجالي بعدما أعلنت الحكومة سابقا عن فشله، هل يعكس هذا التغير في المواقف تصور الوزير للقطاع أم تصورا حكوميا جديد؟ أم يعكس سياسة عجز الحكومة عن تقديم تصور لإصلاح قطاع يعتبر قاطرة التنمية، تصور للتربية والتكوين يستفيد من التجارب المقارنة الناجحة في هذا المجال، خصوصا الأنظمة الأنجلوسكسونية والآسيوية، ويتلاءم مع خصوصيتنا الوطنية. متى يبدأ الإصلاح الإداري؟ يعتبر ورش الإصلاح الإداري من الأوراش الهامة والمفتاح من أجل مغرب الكفاءات والاهتمام بالموارد البشرية القادرة على إحداث التغيير في الإدارة المغربية، ومن ثم المساهمة الفعالة للقطاع العام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد. وبالرجوع إلى البرنامج الحكومي، نجد أن الحكومة التزمت بمجموعة من المقتضيات الهامة، نسوق من بينها: - مواصلة الإصلاحات الهيكلية الشاملة والعميقة لمنظومة تدبير الموارد البشرية؛ - إصلاح منظومة الأجور؛ - التدبير على أساس النتائج؛ - محاربة الفساد؛ - تبسيط المساطر الإدارية؛ - منظومة التعيين في المناصب العليا؛ - الإدارة الرقمية أو الإلكترونية في الإدارات والجماعات الترابية، مما يجعلنا نتساءل، بعد مرور سنتين من الولاية الحكومية، حول حصيلة الحكومة في هذا المجال. إن ورش إصلاح الإدارة المغربية يتسم بالجمود، فالكذبة تصبح حقيقة إذا تم تكرارها بما يكفي، وتبعا لذلك صدقنا أننا تجاوزنا مرحلة الإصلاح الإداري ووصلنا إلى مرحلة تحديث الإدارة، في حين أن نفس أوراش الإصلاح تراوح مكانها منذ عشرات السنين من (تخليق الحياة العامة وتبسيط المساطر الإدارية وتثمين الموارد البشرية وإصلاح منظومة الأجور في الوظيفة العمومية ومحاربة الفساد...)، بل نستطيع أن نجزم بأن البرنامج الحكومي في النقطة المتعلقة بإصلاح الإدارة منقول حرفيا من توصيات ما أطلق عليه المناظرة الوطنية الأولى حول الإصلاح الإداري التي نظمتها وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري آنذاك بتاريخ 7 و8 ماي 2002 تحت عنوان "الإدارة المغربية وتحديات 2010، فأية خطوات قطعتها الحكومة في هذا المجال؟ إن تحليل مسار الإصلاح الإداري في المغرب يسمح لنا بأن نخلص إلى تواصل سياسة العجز الحكومي، بالرغم من تغير الحكومات، في تقديم الحلول وفرض البدائل. إن العجز الحكومي عن مقاربة هذه الملفات يقتضي امتلاك الجرأة السياسية لمصارحة المغاربة بدوافعه وأسبابه، هل يرجع إلى غياب الفعالية والنجاعة في التدبير الحكومي أم إلى "الطابور الخامس"، على حد تعبير وزير الشباب والرياضة، بدل عفاريت وتماسيح رئيس الحكومة؟ أم إلى غياب رؤية استراتيجية في مجموعة من القطاعات وغياب برامج متعددة السنوات من شأنها أن تنطلق من تشخيص دقيق للوضعية الراهنة، مرورا باتخاذ القرار المناسب وصولا إلى وضعه حيز التنفيذ وحل هذه الإشكالات تدريجيا، لكن بخطى ثابتة وبرؤية استشرافية لمغرب الغد، وهنا يكمن بيت القصيد. أناس المشيشي