لقد انتظر المراقبون والملاحظون ومختلف الأطياف المجتمعية المغاربية ردا من حكام الجزائر يكون في مستوى المرحلة انتصارا لروابط التاريخ والدم التي تجمع ما بين الشعبين الشقيقين، بعدما وجه ملك البلاد خطابا تاريخيا بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لعيد العرش، والذي دعا من خلاله حكام الجارة الشرقية للمملكة إلى طي صفحة الماضي والانفتاح على المستقبل المشترك، للعمل سويا دون شروط من أجل علاقات ثنائية أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار؛ إلا أن الرئيس الجزائري قال، من خلال لقائه مع الصحافة الجزائرية يوم الأحد الماضي، إن بلاده لم تتلق استجابة من المغرب بخصوص التوضيحات التي طلبتها من الرباط حول ما قام به السفير المغربي لدى الأممالمتحدة. كما أفاد الرئيس الجزائري أن قضية الصحراء في يد الأممالمتحدة ولجنة تصفية الاستعمار، مشددا على أن الجزائر تلعب دور الملاحظ النزيه فقط. هكذا، نجد أن الرئيس الجزائري تحاشى التفاعل مع هاته الدعوة التي وجهها ملك البلاد، وحاول الهروب إلى الأمام مقدما العديد من التبريرات الواهية التي لا تصمد أمام الأمر الواقع. ونجد أن رد الرئيس الجزائري كان منتظرا؛ نظرا لطبيعة صناعة القرار في الجزائر والذي تتحكم فيه مؤسسة الجيش تحكما مطلقا، حيث تغدو كل المؤسسات الأخرى عبارة عن منشآت ذيلية فاقدة للمبادرة والاستقلالية في اتخاذ القرار وعن واجهة للاستهلاك الإعلامي في المحافل الدولية. ونجد أن الحراك الشعبي لدى أشقائنا في الجزائر ينتفض لمواجهة هذا الواقع المفروض ولمواجهة الطغمة الحاكمة، من أجل العيش بكرامة في إطار دولة ديمقراطية حقيقية ومجتمع مدني فاعل ومؤثر في صناعة القرار. لقد تورط حكام الجزائر في تبني جبهة "البوليساريو"، وبنوا عليها رؤية جيوسياسية ميتافيزيقية، وراهنوا على زعامة إقليمية وهمية منتشين بعائدات البترول التي أهدرت في السراب. وحري بالذكر أن الميزانية السنوية المخصصة لجماعة "البوليساريو" تفوق 800 مليون دولار، ناهيك عن شراء الأسلحة والذمم وجماعات الضغط وشراء الاعترافات، في الوقت الذي يدعون فيه أنهم يقومون فقط بدور الملاحظ النزيه وأنهم ليسوا طرفا في النزاع ولا أطماع لهم في الإقليم. والغريب في الأمر هو أن الجزائر أصبحت، بعد أحداث معبر الكركرات، تؤكد، علانية وبدون خجل، أن المسألة تمثل قضية سيادية للجزائر تتعلق بعمقها الأمني الإستراتيجي ! هكذا، نجد أن حكام الجزائر، والذين اتخذوا من عداوة المغرب عقيدة وإيديولوجية ثابتة تلقن حتى في المدارس والجامعات، لم يأبهوا قبل سنة 2008 حينما وجه الملك في خطابه للعرش نداء يدعوهم إلى فتح الحدود وإقامة شراكة حقيقية بين البلدين وتوجيه جهودهما إلى التنمية والتكامل بدل إهدارها في النزاعات. كما أن العاهل المغربي دعا، في سنة 2018، إلى إرساء آلية ثنائية للحوار المغربي الجزائري؛ ولكن لا حياة لمن تنادي. إن البحث عن عدو خارجي بالنسبة إلى حكام الجزائر لن يكون حلا في المرحلة المقبلة؛ لأن العدو المفترض هو الفقر والغلاء وندرة المواد الاستهلاكية والبطالة انسداد الأفق وهدر ثروات الشعب الجزائري الشقيق، الذي يعاني من نقص حاد في الماء ويعاني من رعب وقهر كبيرين جراء أزمة "كورونا" التي كشفت زيف ادعاء أكبر منظومة صحية بإفريقيا تضاهي أكبر بلدان العالم، حيث نفاد الأدوية والأوكسجين؛ بل إن بلد البترودولار بات يستجدي المساعدات والإعانات من الدول والمنظمات الدولية ونصب خياما في كل أنحاء البلاد من أجل جمع تبرعات من الشعب المنهوك والمغلوب على أمره. إن يد المغرب ما زالت ممدودة للسلام؛ لكنها لن تفرط في شبر من أراضيها وسيادتها، ولها حق الرد بالمثل على كل التدخلات والاستفزازات، وليعلم حكام الجزائر أنهم يحرثون في البحر. (*) أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش