أنا على علم تام أنه لا يحق لي تحقير القرارات القضائية ما دمنا نعتبر القضاء سلطة مستقلة بذاتها -أو على الأقل هذا ما نؤمن به-، لكن مجريات المحاكمة القضائية بعد نفاذها تصبح قابلة للتداول في إطار الحق في المعلومة، وهذه بعض من المعلومات الحقيقية التي لا أجد حرجا أو حاجزا في روايتها لكم مرحلة بمرحلة: 1- قبل أكثر من عشر سنوات قام موظفان اثنان منتدبان بصفة قانونية لممارسة بعض مهام الضابطة القضائية، بصفتهما مفتشين للشغل بزيارة ورش بناء بمدينة طنجة حيث قاما برصد وجود مخالفات تتعلق بتخلف مشغل مفترض -حسب ما توفر لهما من معلومات- عن التصريح بأجرائه في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ثم قاما بتحرير محضر في الموضوع وتوجيهه إلى النيابة العامة. 2- أصبح المشغل المفترض بموجب قرار المتابعة القضائية في حقه مطالبا بأداء غرامات واشتراكات مالية كبيرة لمصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لكنه قرر الطعن في ذلك القرار القضائي كما قرر -من جهة أخرى- متابعة المفتشين الاثنين اللذين زاولا مهنتهما بما ينص عليه القانون بتهمة الزور وهي تهمة تدخل في إطار القانون الجنائي قد تصل عقوبتها إلى عشر سنوات من السجن النافذ. 3- اضطر كلا المفتشين المتابعين بتهمة الزور -كان الله في عونهما- إلى المثول أمام المحكمة في خمس جلسات لحد الآن للدفاع عن نفسيهما أمام التهم والدفوعات التي تقدم بها المدعي دون أن يثبت في حقهما دليلا يذكر، يثبت سوء نيتهما في تحرير محضر مخالفات يتعلق بالحماية الاجتماعية للمغاربة وما أدراك ما الحديث عن الحماية الاجتماعية هذه الأيام! 4- تملك الصبر أعصاب كلا الزميلين المتهمين في هذه النازلة التي فتحت أمامهما كأنها أبواب جهنم، وحضرا جميع مراحل الدعوى حتى وإن اضطر أحدهما وهو الزميل احمد تيمغارين للانتقال في كل مرة من مدينة إفران إلى طنجة على حسابه الخاص للمثول أمام المحكمة، بينما لا يزال زميلنا الآخر الصديق "محمد السعدي" الذي أحيل على التقاعد منذ قرابة سبع سنوات مضطرا هو كذلك للمثول أمام المحكمة وتحمل أعباء مهنته النبيلة المثقلة بالضغوط رغم مغادرته لها قبل سنون مضت. 5- بعد كل هذا المسلسل الشاذ في مفهومه، عقدت الجلسة السادسة من المحاكمة في منتصف شهر يوليو 2021 حيث امتثل المتهمان لاستدعاء المحكمة فكانت النتيجة هي نفسها، ألا وهي تأجيل البت في هذا الموضوع إلى حين ظهور تهمة لم يستطع محامو المدعي إثباتها لحد اليوم. هذه المرة تقدم أحد محامي المدعي بطلب تأجيل الدعوى بسبب مرضه المثبت بشهادة طبية! وما أكثر تبريرات طلب التأجيل وما أسهل قبولها من طرف المحكمة. طلبات تأجيل متكررة لمحاكمات تكاد لا تنتهي، اللهم ما إذا كان المقصود منها ومن هذه المحاكمة بالذات تقزيم دور جهاز أساسي ومحوري في تجسيد سياسة الدولة في المجال الاجتماعي، ألا وهو جهاز تفتيش الشغل.