اعتبر إدريس الكريني، الأستاذ الجامعي ورئيس منظمة العمل المغاربي، أنه رغم الروابط الاجتماعية والدينية والثقافية العميقة التي تجمع الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، ما زالت العلاقات بين البلدين تتأرجح بين المدّ والجزر، فيما ظلّت الحدود البرّية إلى اليوم مغلقة على امتداد أكثر من عقدين، مما يكلّف المنطقة المغاربية برمّتها هدر المزيد من الفرص والإمكانات. وأكد الكريني، في مقال توصلت به هسبريس تحت عنوان "المغرب والجزائر ومسؤولية البناء المغاربي"، أن التفاعل الجزائري الإيجابي مع الدعوة المغربية سيكون منطلقا لوضع قطار البناء المغاربي على سكّته الحقيقية، بالنظر إلى حجم البلدين ووزنهما. إليكم نص المقال: رغم الروابط الاجتماعية والدينية والثقافية.. العميقة التي تجمع الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، ما زالت العلاقات بين البلدين تتأرجح بين المدّ تارة والجزر تارة أخرى، فيما ظلّت الحدود البرّية إلى اليوم مغلقة على امتداد أكثر من عقدين، مما يكلّف المنطقة المغاربية برمّتها هدر المزيد من الفرص والإمكانات، في زمن زادت فيه التحديات، وتنامى التوجّه الدولي نحو التكتلات الكبرى كسبيل لكسب معارك استراتيجية داخلية وأخرى خارجية. يعتبر المغرب والجزائر من الدول الوازنة داخل الاتحاد المغاربي، الذي تأسس في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي بموجب معاهدة مراكش، وهو الاتحاد الذي لم ينطلق بالشكل المطلوب بعد، رغم الطموحات والانتظارات الكبرى التي رافقت إحداثه، والإمكانات الكبرى المتاحة لبلدانه، سواء على مستوى الموقع الاستراتيجي أو فيما يتعلق بالإمكانيات البشرية والطبيعية والاقتصادية.. المتوافرة. ما زال الجمود هو السّمة الطاغية على مسار الاتحاد، وتبقى طبيعة العلاقات المغربية – الجزائرية على رأس العوامل المسؤولة عن هذا الوضع، الذي ينضاف إلى الأزمات التي ما فتئت تواجه النظام الإقليمي العربي بكل مكوناته منذ نهاية الحرب الباردة وتزيد من تعقيده أكثر. ورغم الإشكالات والمخاطر الجدية التي أصبحت تواجه المنطقة المغاربية برمتها في السنوات الأخيرة، سواء تعلّق الأمر بتحدي الجماعات الإرهابية، وتنامي الهجرة السّرية والتهريب..، أو تعلق الأمر بتأزم الأوضاع الأمنية في ليبيا، وتزايد حدّة التهافت الدولي والإقليمي على المنطقة، وتعلق الأمر كذلك باختلال موازين التفاوض مع دول الاتحاد الأوربي بصدد عدد من القضايا الاقتصادية والأمنية والسياسية.. فإن ذلك لم يكن دافعا بشكل كاف، أو محفزا على طيّ الخلافات والسعي إلى الاندماج والتكتّل. أعاد الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لعيد العرش مستقبل العلاقات المغربية- الجزائرية إلى واجهة النقاشات السياسية والأكاديمية والعمومية، بعدما أكّد على خيارات المملكة الثابت إزاء محيطها الإقليمي، خاصة ضمن الدائرة المغاربية، بحرص المغرب على توطيد الأمن والاستقرار في المنطقة، وتجديد الدعوة إلى الجزائر لفتح الحدود والعمل سويا ودون شرط لتعزيز العلاقات بين البلدين، في إطار مناخ من الثقة وحسن الجوار، انسجاما مع المواثيق الدولية، ومعاهدة مراكش المنشئة للاتحاد المغاربي. إن الوضع الراهن المشوب بالحذر وإغلاق الحدود لن يكون في صالح أي طرف مغاربي، لأنه يكرّس هدر الكثير من الإمكانات والفرص، ويساهم في نشر مناخ من القلق والإحباط إزاء المستقبل، وكذا سوء الفهم الذي تذكيه بعض الأوساط الإعلامية..، علاوة على كونه يتنافى مع تطلعات شعوب المنطقة نحو التواصل والتعاون والاندماج. تأتي هذه الخطوة ضمن مجموعة من المبادرات الدبلوماسية والدعوات السابقة التي قام بها المغرب في هذا الخصوص، فقد دعا الملك محمد السادس في خطاب له عام 2018 الجزائر إلى طيّ الخلافات مع المغرب، وفتح صفحة جديدة لمواجهة تحديات وإشكالات مشتركة، في إطار من التنسيق والتعاون، مبديا استعداد المغرب للانخراط في حوار جادّ مع هذا البلد المغاربي، كسبيل لتطوير العلاقات وتذليل كل الخلافات. كما دعا أيضا إلى إحداث آلية للحوار والتشاور، مع الانفتاح على المبادرات الجزائرية الواردة في هذا الصدد، لمواجهة حالة الجمود المخيّم على العلاقات بين الجانبين. تنمّ هذه المبادرات عن بعد نظر ورؤية استراتيجية، إذا استحضرنا حجم التحديات التي تواجه النظام الإقليمي برمّته في الظروف الراهنة، وبالنظر أيضا إلى حجم التدخلات والمؤامرات التي تتعرض لها المنطقة بصورة غير مسبوقة، علاوة على تنامي المخاطر العابرة للحدود كالهجرة السرية والإرهاب..، مما يفرض التعاون والتنسيق والتكتّل.. كما تحيل أيضا إلى الوعي الكبير بحجم الكلفة التي يخلّفها بقاء الأمور على حالها بالنسبة للمنطقة المغاربية كاملة في زمن التكتلات الدولية والإقليمية الوازنة. جدير بالذكر أن المطالب بفتح الحدود وإرساء تعاون اقتصادي بين الجانبين ظلت حاضرة أيضا في خطابات الكثير من الأحزاب المغربية والنخب الأكاديمية والفعاليات المدنية والإعلامية.. المقتنعة بنجاعة هذه الخيارات في كسب رهانات المستقبل.. قابلتها الكثير من النخب والفعاليات الأكاديمية والمدنية الجزائرية والمغاربية بقدر من الترحيب والتفاعل الإيجابي، وبإطلاق مبادرات هامة في هذا الخصوص. إن التفاعل الجزائري الإيجابي مع الدعوة المغربية سيكون منطلقا لوضع قطار البناء المغاربي على سكّته الحقيقية، بالنظر إلى حجم البلدين ووزنهما داخل هذا التكتل، كما أن فتح الحدود وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين سيسمح حتما باختفاء مجمل الخلافات العالقة بشكل تلقائي وتدريجي لحساب المشترك الوازن الذي يجمع الطرفين في الحاضر والمستقبل.