تقريبا هذه هي المرة الأولى التي أجدني فيها مختلفا مع أستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد الساسي، لقد اتفقت أفكارنا في أكثر من موطن وأكثر من قضية، سيما في قضايا الحكم المدني والحريات ومنها حرية الاعتقاد، والنضال في إطار حركة 20 فبراير، والموقف من النظام السياسي المغربي، وغيرها من المسائل المحلية والدولية، لكن موقفينا من الحدث المصري شكل نقطة اختلاف ليس بين كاتب هذه السطور وبين الأستاذ الساسي فحسب، ولكن بين الكثير ممن ينتمون إلى الصف اليساري والعلماني واللبرالي والعقلاني وبين من ينتنمون إلى الصف ذاته، كما ساد الاختلاف نفسه بين حركات الاسلام السياسي ذاتها. على مدى الأسابيع الثلاثة التي أعقبت حدث 30 يونيو في مصر، كتب ذ.الساسي أكثر من مقال مدافعا عن خارطة الطريق التي وضتعها قيادة الجيش المصرين من أجل نفي صفة الانقلاب على ماحدث يوم 3 يوليوز، فكان المقال الأول بعنوان "الحق في الثورة" وعنون المقال الثاني ب "إنقلاب أم ثورة" وفي المقالين سرد مجموعة من الأدلة والبراهين للانتصار إلى فكرة أن ما حدث في مصر هو ثورة وليس انقلابا عسكريا. كما أعاد الأستاذ الساسي ما كتبه خلال محاضرة شارك بها في ندوة، إلى جانب الأستاذ محمد عصيد، حول الموضوع نفسه. وهي المحاضرة التي سنركز عليها في هذه الأسطر لأننا نرى أنها كانت عُصارة ما أنتجه ذ.الساسي من حجج، لنفي صفة الانقلاب العسكري على ما حدث في مصر.(نشير هنا إلى أن الأستاذ عبد الحق الريكي قد ناقش بهدوء ذ.الساسي في مقال منشور بعنوان "شرعية الساسي وانقلاب السيسي" ، وقد تضمن هذا الرد مجموعة من المعطيات التاريخية والأكدامية التي ربما غابت عنه) في محاضرته "حجج مقاربة الثورة في مصر" قسم الأستاذ الساسي موضوعه إلى قسمين؛ الأول، تناول فيه سؤال ماذا يحدث في مصر؟، والثاني، تطرق فيه إلى الدروس والعبر التي يمكن للمغاربة استخلاصها من الحدث المصري. وستتركز مناقشتنا على ما جاء في القسم الأول ما دمنا نتفق من ذ.الساسي حول الدروس التي على المغاربة استخلاصها من الحدث المصري. وظف المحاضر عشر حجج قال أنها دليل على أن ماحدث ثورة شعبية. وهي الحجج التي سنوردها في هذا الرد ونعلق عليها بنوع من الايجاز الذي يسمح به الحيز: الحجة الأولى: قال الأستاذ الساسي في محاضرته ان حركة تمرد فاجأت الجميع بمن في ذلك الجيش وجبهة الإنقاذ، وجمعت 22 مليون توقيع ضد حكم محمد مرسي. لكن المحاضر لم يكلف نفسه وهو الناقذ الفذ أن يسائل صحة هذا الرقم ولا كيف أمكنه تصديق القائلين به، فكيف كنا نكذب نسبة نجاح حسني مبارك في استفتاءاته الشعبية التي أشرف على جلها القضاء، ونصدق أرقام أعلن عليها شباب تمرد؟ من هي الجهة المحايدة التي نثق فيها من أجل تأكيد هذا الأمر؟ وكيف شكك البعض في الانتخابات التي أوصلت مرسي إلى الحكم والتي أشرف القضاء على جميع مراحلها، وراقبتها المنظمات الحقوقية المحلية والدولية وسهر على حمايتها الجيش، في الوقت الذي نصدق فيه أرقام مرسلة؟ ألم يصرح الشاعر فؤاد نجم بأنه وقع أكثر من سبع استمارات لتمرد؟ ألا يمكن لأعداء محمد مرسي من النظام القديم أن يوقعوا أكثر من استمارة؟ ولماذا نصدق الأرقام التي أعلنتها حركة تمرد ولا نصدق الارقام التي أعلنتها حركة "تجرد" المؤيدة لمرسي والتي قالت أنها جمعت أكثر من 26 مليون توقيع لصالح مرسي؟ ولماذا لم تقدم حركة تمرد الاستمارات التي جمعتها إلى المحكمة الدستوري كما وعدت بذلك، ولماذا لم تلجأ لهذه الوسيلة المرنة لعزل الرئيس بدل أسلوب الانقلاب الخشن؟ وعلى فرض أن رقم 22 مليون صحيح فهل نسي ذ.الساسي أن مضمون الاستمارة كان هو انتخابات مبكرة وليس عزل الرئيس من قبل الجيش؟ الحجة الثانية : قال فيها المحاضر بأن ماحدث يوم 30 يونيو كان أكبر احتشاد عالمي بشهادة وسائل الاعلام والمراكز الحقوقية، حيث فاق عدد المتظاهرين 14 مليون وفي تقديرات أخرى ما بين 27 مليون و33 مليون. لكن ذ.الساسي قفز على المنهج العلمي الذي يدرسه لطلبته وينادي به في مقالاته، والذي يرفض الإرتكان لوسائل الاعلام من أجل تأكيد أعداد المتظاهرين الذين يعلن عنهم هذا الطرف أو ذاك مالم تؤكد ذلك بالأبحاث الميدانية والمسوح الضروية، كما لم يخبرنا المحاضر من هي وسائل الاعلام هذه التي أعلنت عن 14 مليون أو اكثر، هل هي وسائل الاعلام المحايدة من قبيل ال BBC و CNN ، أم هي القنوات المتورطة مع هذا الطرف أو ذاك، والتي أصبحت عبارة عن منشورات حزبية تحدد أماكن التظاهر وموعدها وتحرض على المخالف من قبيل ONTV و CBC والعربية ؟ كما لم يخبرنا ذ.الساسي عن من هي هذه المراكز المستقلة التي أعلنت عن هذه الأرقام. فضلا على أننا لم نفهم لماذ انتقل المحاضر من رقم 14 مليون إلى 27 و33 مليون وهو انتقال من الرقم إلى ضعفه أو أكثر، هل يعني هذا ان ذ.الساسي لم يصدق الرقم الثاني وأراد أن يقلل من حجمه، أم أنه أقلّ الرقم الأول وأراد تضخيمه؟ ما نعرفه عن أعداد المتظاهرين هو ما نقلته لنا وسائل الاعلام المصرية التي شاركت في التعبئة ضد الرئيس مرسي، وما نقلته لنا شاشاتها هو ما صورته كاميرات المخرج السينمائي خالد يوسف من على الطائرة العسكرية التي مكنه منها الجيش لتصوير المشهد من أعلى. يعني أنني رأينا الصورة من جانب واحد وهو الجانب الذي أريد لنا أن نرى منه. كما من حقنا أن نتساءل لماذا لأول مرة في التاريخ المصري تتوافق الأرقام التي تعلن عنها الجهات الداعية للتظاهر مع تلك التي تعلن عنها قيادة الداخلية والشرطة؟ ولماذا تخصص الطائرات لتصويرة تظاهرات المعارضة بينما يتم التعتيم على تظاهرات المؤيدين؟ ولماذا ترمي طائرات الجيش الاأعلام المصرية على متظاهري التحرير، بينما رتمي بالبيانات التحذيرية على مؤيدي الرئيس؟ ولماذا ذكر ذ.الساسي عدد اعداد المتظاهرين المعارضين ونسي الاشارة إلى عدد المؤيدين أم أنهم غير مواطنين؟ الحجة الثالثة: قال ذ.الساسي أن الحشود التي خرجت يوم 30 يونيو لو خرج عشرها لاسقال أي رئيس وهي لم تطلب إلا بانتخابات مبكرة. وفي هذه الحجة قد نتفق مع المحاضر وإن كنا لا نتقبل فكرة الحشد في الشارع من أجل اسقاط الحاكم المتتخب ما لم يخرق الدستور أو يصادر الحريات أو يتلاعب بالقوانين، لأن المكان المناسب لاسقاط الحكومات المنتخبة هو صندوق الاقتراع عندما يحين الموعد الانتخابي، وأن هناك وسيلتين لحكم الناس إما عدها في صندوق الانتخاب أو قطعها كما قال احد الساسة. ولكن يمكن أن نسلم بهذه الأمر لكي نقول: نعم تلك الحشود كان بإمكانها أن ترغم مرسي على الاستقالة من خلال الاستمرار في التظاهر وإعلان العصيان المدني. علاوة على مسألة غاية في الأهمية تطرق لها ذ.الساسي وهي ان تلك الحشود خرجة من أجل الانتخابات المبكرة وليس من أجل عزل الرئيس وترك الفراغ لكي يملأه الجيش. فالمتظاهرون طالبوا بأن يعلن الرئيس عن انتخابات مبكرة وقد يشارك فيها مرسي نفسه. وهو مطلب تضمنه الأسس الديمقراطية في جميع الأحول وإن كان نادر الوقوع. فالتاريغ الغربي المعاصر، مثلا، لم يسجل لنا ان رئيس منتخب خرج الشعب لإسقاطه وتحقق ذلك، بل ما سجله التاريخ الحديث أن مظاهرات ضخمة خرجت ضد سياسة رئيس منتخب وأن الاخير فضل الاستقالة من تلقاء نفسه دون تدخل الجيش ودون حتى ان يطلب منه ذلك، وهو الحال مع الرئيس الفرنسي ديغول سنة 1968، الذي شعر بتدني شعبيته فصاغ مجموعة قوانين وطرحها للاستفتاء الشعبي واشترط لاجازتها نسبة تفوق 60 في المائة، حيث ربط مصير التصويت عليها بمصيره، وهو ما أوفى به عندما جاءت النتيجة في غير صالحه وقدم استقالته. وهو الأمر الذي يدفعنا لطرح السؤال: مادامت حركة تمرد تملك بين أيديها 22 مليون توقيع وأعلنت عن 33 ملوين متظاهر وهو نصف الناخبين، لماذا لم تطرح مبادرة حول الاستفتاء الشعبي على مشروعية الرئيس بحماية الجيش ومراقبة القضاء وتعبئة وسائل الاعلام وهي كلها مؤسسات بينت الأيام أنها ضد حكم مرسي؟ وبما أن الجيش تملَّك القدرة على عزل رئيس واختطافه، ألم يكن بمقدوره إجراء استفتاء على بقاء الرئيس أو على خارطة الطريق حتى من دون موافقة الرئيس، ألا يستطيع من يملك الأعلى أن يملك الأقل، دون أن يعني ذلك أن هذه الوسيلة مشروعة ولكن على الأقل كانت ستكون أكثر مقبولية؟ الحجة الرابعة : هي مسألة الحق في الثورة، فحسب ذ.الساسي صندوق الاقتراع حق والاحتجاج في الشارع حق أيضا للمطالبة باستقالة الحاكم المنتخب، وأن الحركة الاسلامية حرمت الخروج على الحاكم المنتخب. نعم نتفق مع المحاضر بأن الثورة حق للشعوب متى انحرف الرئيس المنتخب عن الدستور أو أخل بواجباته القانوينة أو صادر الحريات، وأنه ليس من حق أحد أن يحرم الخروج على حاكم منتخب إذا حاد عن النهج الديمقراطي لذي أوصله للحكم. غير أننا نتساءل لماذا لم يثر الشعب المصري على مرسي بالمعنى الحقيقي للثورة؟ ولماذا قطع قادة الجيش تفاعلات الشعب المصري ومنعه من استكمال ثورته؟ ولماذا قبل "ثوار 30 يونيو" أن يتصدى الجيش للمشهد؟ ألم يكن من اللائق أن يترك المجال "للثوار" من أجل إرغام الرئيس على الاستقالة كما أرغم الشعب التونسي ابن علي الفرار؟ وهل تدخل الجيش يكون فقط عبر تهديد رئيس دولة بالانقلاب وإمهاله الساعات؟ ألم يكن من الأجدر بالجيش أن يحمي المنشآت والمتظاهرين المؤيدين والمعارضين ويفسح المجال أمام الساسة لكي يقدم تنازلات متبادلة؟ وما هي هذه المؤاخذات الخطيرة (نقول خطيرة لأننا نسجل على نظام مرسي الكثير من الأخطاء والسلبيات، كما نسجل على محازبيه والمنتمين بشكل عام للاسلام السياسي، محموعة من الجرائم الفكرية المتمثلة في تكفير المخالف ورفض الآخر، ولكنها كلها مخالفات تنتمي لما هو شفوي دون أن تتجاوزه إلى ما هو عملي إلا في حالات نادرة كمحاصرة المحكمة الدستورية ومدينة الاعلام من قبل متظاهرين لا ينتمي غالبيتهم لحزب مرسي وجماعته) على مرسي كي تتم الدعوة لرحيله؟ هل قام بخرق الدستور، أم صادر الحريات ونحن كنا نستمتع بحلقات الاعلامي باسم يوسف التي كانت كلها ضد الرئيس، ورأينا، عبر الاعلام المعارض له، متظاهرون يقتحمون قصر الاتحادية ويكتبون على أسواره عبارات تصف الرئيس بأقدح النعوت؟ أم "أخْوَن" الدولة ونحن رأينا أن مرسي لما عُزل لم يجد معارضوه من يعزلوه معه؟ ألم تضم الحكومة التي عينها الجيش أكثر من 7 وزارء شاركوا في حكومة مرسي ومنهم وزير الدفاع ووزير الداخلية؟ إذا كان مرسي قد قمع الحرية وانتهك حقوق الانسان فلماذا تحتفظ الحكومة الجديدة بالأداتين الرئيسيتين لقمع الحريات، المتمثلتين في وزارتي الداخلية والدفاع اللتين يرأسهما شخصان قادا التمرد على مرسي، ويشكلان حجر الزاوية في الحكومة الحالية، بل إن وزير الدفاع السيسي أضيفت إليه مهمة نيابة رئيس الوزراء على غرار ما كان يحصل مع الحكومات التي كان يشكلها حسني مبارك؟ ما هذه الثورة التي تُسقط الرئيس وتحتفظ بوزيري الداخلية والدفاع وأكثر من نصف الحكومة؟ الحجة الخامسة : ذكر فيها المحاضر أن مرسي لم يحترم وعوده الانتخابية. لكن ذ.الساسي نسي أن مدة ولاية مرسي هي 4 سنوات وليس سنة واحدة، فضلا على أن مطلب الانتخابات السابقة لأوانها رفع بعد 3 أشهر من انتخاب مرسي بدعوى عدم تحقيق وعود المائة يوم الاولى، وأن أول "مليونية" تطالب برحيل محمد مرسي كانت يوم 4 غشت 2012. لماذا نسي أستاذ القانون الدستوري ان مكان محاسبة الحكومات على انجازاتها هو صندوق الانتخابات؟ ولماذا نسي أن الدساتير تضع للرئيس مدة 4سنوات لتحقيق وعوده وتدارك أخطائها. فلو كانت سنة كافية لتحقيق الانجازات لأمكننا المطابة منذ اليوم بأن تحدد الدساتير مدة سنة واحد للرؤساء. هذا دون إغفال التساؤل المشروع حول لماذا أختفت كل المشاكل التي واجهت حكم مرسي مباشرة بعد تنحيته، من قبيل نقص في السولار ، وازدحام مروري، وانقطاع الكهرباء؟ ألم تحتفظ الحكومة الجديدة بنفس وزير الكهرباء الذي اتهم في عهد مرسي بالتسبب في قطع الكهرباء؟ ولماذا حُبست المساعدات الخليجية على الشعب المصري، ولم نشهد هذا الكرم الحاتمي الذي تكرمت به أنظمة السعودية والكويت والامارت على مصر بُعيد الانقلاب؟ الحجة السادسة: هي أن السيسي، حسب المُحاضر، قال أن ما قرأه في بيان عزل الرئيس هو ما اتفق عليه شباب تمرد وجبهة الانقاذ. وهل هذا الأمر يستحق أن يكون حجة على أن الأمر ليس بانقلاب؟ ألم يقرأ ذ.الساسي في صحيفة "عكاظ" السعودية خارطة الطريق التي أعلن عليها الجيش قبل موعد 30 يوينو ب 3 أيام؟ وأن تصريحات أكثر من فاعل داخل المعارضة، ومنهم الاعلامي المعارض مصطفى بكري، صرح بأن السيسي جمع العدة لعزل مرسي بعد لقاء اللجنة التثقيفية، وبعد رفض مرسي لدعوة الحوار التي وجهها السيسي للقوى الوطنية في نونبر 2012، بدون علم رئيس الجمهورية وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة؟ الحجة السابعة: قال ذ.الساسي أن خارطة الطريق مؤقتة لتحضير الشروط لإعداد الانتخابات، وأن بيان الجيش قال بأن الجميع سيشارك دون إقصاء. لكن المُحاضر لم يكلف نفسه الاشارة إلى أن الاقصاء بدأ حتى قبل إعلان خراطة الطريق. ألم يعتقل قادة الجيش الرئيس مرسي نفسه حتى قبل بيان الجيش؟ ألا يعتبر هذا إقصاء لمرسي من حقه في المشاركة في المشهد السياسي؟ ألم يعتقل قادة الاسلام السياسي مباشرة بعد إتمام السيسي لبيانه؟ ألم تُقتحم استوديوهات القنوات الاعلامية على الهواء مباشرة؟ إذا لم يكن هذا إقصاء فماذا يمكن تسميته؟ أين هو عقل ذ.الساسي الحقوقي والدستوري؟ الحجة الثامنة: هي من أهون الحجج التي توسل به المحاضر، حيث جاء في كلامه أن "الرئيس المؤقت هو قاض عينه مرسي نفسه (رغم ان مرسي لم يعينه وإنما وافق على تنصيبه بما ينص على ذلك قانون المحكمة الدستورية)...ومرسي نفسه قال بأن القضاء محايد". فهل يعني أن يكون الرئيس قاض دليل على نزاهته؟ وهل إذا كان الرئيس قاض نزيه يعني أن الأمر لا يتعلق بانقلاب؟ وهل بعد هذا سيمكن أن نتحدث عن انقلاب، فبإمكان أي قائد جيش أن ينقلب على رئيس ويعين بدله قاض معتبر، وبالتالي لن يلومه أحد على انقلابه، سيما إذا مهد لذلك بانتفاضة شعبية كما حدث أيضا مع الرئيس الشيلي سلفادور أليندي سنة 1973؟ الحجة التاسعة: قال ذ.الساسي إذا كان الأمر يعد انقلابا فإنه يعد كذلك بعد 25 يناير حيث تدخل الجيش وبقي في الحكم، بينما اليوم لم يبق في لحكم. وهنا أيضا نفضل أن نجيب على المحاضر من خلال مجموعة من الاسئلة؟ هل راهن الشعب المصري يوم خرج في 25 يناير على الجيش؟ وهل توقع أحد من المتظاهرين ان ينحاز الجيش للمتظارهين؟ وهل توقع أحد ماذا سيحصل بعد خروج الشعب للشارع؟ ألم يلحظ ذ.الساسي الفارق الكبير بين البيان الأول للجيش إبان ثورة 25 يناير والذي انحاز فيه إلى الرئيس وبين البيان الثاني الذي أظهر فيها حياده؟ وهل قرأ الجيش في ثورة 25 يناير بيانا يعلن فيه عزل مبارك أم أن نائبه من قرأ بيان تخليه عن الحكم؟ لو كان ما حدث يوم 11 فبراير انقلاب على مبارك، لماذا تُرك حرا طليقا لمدة شهور في شرم الشيخ، بينما اعتقل الجيش المصري مرسي حتى قبل أن يتم الاعلان عن عزله وهو اليوم يعد مختطفا يُعرف خاطفه ولا يعرف مكان اختطافه ولا يسمح بزيارته ولا تسرب أي معتلومة عنه؟ هذا، دون الحديث على أن هناك طيف من الشعب المصري رفض تدخل الجيش في السياسية بعد الاطاحة بمبارك، وأن من الثوار من رفض مغادرة ميدان التحرير إلى أن يتسلم المدينيون السلطة، وأن شهداء سقطوا ضد الحكم العسكري الذي أعقب خلع ومبارك؟ وأن حركات وشخصيات سياسية هي من وقفت حائلا دون استكمال الشعب المصري ثورته وقتذاك، ومنها حركات الاسلام السياسي التي انقلب عليها العسكر اليوم ومنها شخصيات تقود جبهة الانقاذ والتي تقف في صف العسكر هذه اللحظة؟ الحجة العاشرة: وبعد كل هذه الحجج المتهافتة التي توسل بها ذ.الساسي، لم يتبق له إلا القول بان هناك تمايز بين خطاب رئيس الدولة المؤقت عدلي منصور (الذي لا تعرف نسبة 44 في المائة من المصريين اسمه حسب استطلاع الرأي الذي أجراه مركز "بصيرة للدراسات الميدانية" المستقل) وبين تصريحات الجيش بخصوص ما حدث أمام الحرس الجمهوري، حيث طالب الرئيس المؤقت بلجنة للتحقيق بينما سارع الجيش لنفي الأمر والادعاء بأنه كان هناك هجوم على الجيش واستدعى الرد. هذه هي الحجة الأخيرة التي وظَّفها المحاضر لتخدم رأيه النافي لصفة الانقلاب على الحدث المصري. وهي الحجة التي ربما لا ترقى لكي نرد عليها لان تناقضها يكمن داخلها. وكأن ذ.الساسي لم ينتبه إلى أن نائب رئيس الجمهورية محمد البرادعي لا يجد أكثر من تغريدة على "التويتر" للتعبير عن رفضه قتل المتظاهرين أمام الحرس الجمهوري والمنصورة. فهل من يمتكل الصلاحيات والمسؤولية يظل يغرد في المواقع الاجتماعية أم يبادر لوقف العنف الذي يراه غير مجدي وأنه لا يولد إلى العنف على حد تعبيره؟ وقبل أن نختم هذه المقالة، نريد فقط أن نؤكد على أن اختلافنا مع الأستاذ محمد الساسي فيما حدث في مصر لا ينفي عنه صفة المناضل المبدئي والنزيه، وأنه واجه الكثير من الاغراءات والضغوطات لكي يدخل حضيرة النظام المخزني، لكن أبى والتصق بمطالب الشعب، كما أنه نفسه ساند في أكثر من مرة تيارات الاسلام السياسي ودافع عنها. ولكننا أردنا من خلال هذه الملاحظات (ولولا أن الحجج التي تطرق إليها الأستاذ الساسي هي حجج الذين يطلقون صفة "الثورة" على حدث 30 يونيو، لكنا أحجمنا على نشر هذا الرد، بل لفضلنا إرساله مباشرة إلى المعني الأمر) أن نساعد ذ.الساسي على تبيُّن نواقص أطروحته التي ترى في ماحدث في مصر ثورة ، لأننا نفترض أن ذلك سيخدش الصورة الناصعة التي تكونت حوله، خاصة فيما يتعلق بنضالاته الديمقراطية ودفاعه عن مطلب دستور ديمقراطي تنتجه جمعية تأسيسية، إذ كيف يمكن أن يطالب بذلك في المغرب بينما يعارضعه في مصر ويدافع عن خارطة الطريق التي أعلن فيها الجيش المصري تعطيل الدستور الذي أنتجته لجنة تأسيسية، وتعديل بنوده من خلال لجنة معينة وبتقنية غير منصوص عليها في الدستور. فهل الثورات تلغي الدساتير أم تعدلها؟ وهل الثوارت تعطل الدستاتير وتعين لجنة لتعديلها، أم تلغي الدساتير وتنتخب مجالس لصياغة أخرى حديثة؟ ندعو الأستاذ الساسي والمدافعين عن الانقلاب العسكري في مصر، العودة لقراءة تجربة الانقلاب على "سالفادور أليندي" في الشيلي، وتجربة الثورة المضادة في رومانيا حيث قاد انصار نظام تشاوشيسكو "جبهة إنقاذ" تدعو إلى تصحيح مسار الثورة، ولم يعي الشعب حقيقة الأمر إلا بعد أن سقط النظام الذي جاء بعض الاطاحة بشاوسيسكو، لكي يجد بعد المواطنون أنفسهم وجها لوجه أمام أنصار النظام القديم. ملحوظة: بعد إنهائنا لهذا المقال ومباشرة إرساله للنشر، صُدمنا بخطاب وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، وهو في نفس الوقت نائب رئيس الحكومة، الذي يخاطب فيه المواطنين ويدعوهم "للخروج يوم الجمعة في تظاهرات من أجل تفويضه محاربة العنف والارهاب"، وهي الدعوة التي تزامنت، من حيث التوقيت، مع جلسة المصالحة التي انعقدت بإشراف رئيس مصر المؤقت، ونائبه البرادعي، ورئيس وزراء وأبرز أقطاب نظامه. فبينما انشغل هؤلاء بنقاش سبل المصالحة، جمع السيسي بعض الجنود وبعض المواطنين واستدعى الاعلام، لكي يخبر الناس بتاريخه مع الرئيس مرسي، دون أن يتيح للأخير فرصة للرد، وفي الأخير دعاهم للخروج للتظاهر، دون أن يكلف نفسه إخبار الناس عن الصفة التي يوجه بها دعوته هذه، هل لكونه وزيرُ دفاع، أم نائب رئيس الحكومة، أم الحاكم العسكري، وربما دون إخبار الشخص الذي عينه رئيسا مؤقتا للبلاد. فهل هي دعوة للتظاهر أم مبادرة لإشعال حرب أهلية؟ وإذا كان السيسي قد عزل مرسي "تجنبا لما تحمد عقباه ونزع فتيل الأزمة" كما قال، فلماذا يدعو المواطنين لمواجهة بعضهم البعض مرة أخرى في الشارع؟ أظن أن بعد تصدر السيسي للمشهد السياسي مرة أخرى بهذه الدعوة، وهو يرتدي لباسه العسكري المزخرف بالنياشين، ويعتمر قبعته الصارمة، ويضع نظارات شميسية، ويتهم فصيل سياسي بأقدح النعوت، أظن ان هذا المشهد لا يمكن بعده للأستاذ الساسي أو لغيره، أن ينفي صفة الانقلاب على ما حدث يوم 3 يونيو. *باحث في القانون الدستور وعلم السياسة [email protected]