فيما يشبه متوالية من الطلقات أو صرخة مسترسلة،تنهض هذه المقالات على إيقاع مرافعة قوية للدفاع عن الوطن والإصلاح ،ضدا على الرداءة و الفساد. في هذه النصوص ،تستعيد مقالة الرأي ألقها الذي تكاد تضيعه الصحافة المكتوبة الجديدة في زحمة جريها اللاهث وراء الأخبار الموجزة ،و التعاليق العجلى،و في رغبتها الغامضة في صناعة لغة هجينة بين الدارجة و الفصحى! يبقى الكاتب من خلال هذه التجربة ،و قبلها عبر مؤلفه الأول"رهانات مشتركة"،من الصحافيين الذين لم تَحُلْ مساراتهم ، بل و نجوميتهم داخل عوالم الفضاء السمعي البصري،دون الوفاء للحب الأول:الكلمة المكتوبة. على أن هذا الرجوع إلى بياض الورقة و تَهَيُب القَلم ،هذه العودة للمقالة و للكتابة،ليست مجرد تمرين على الحنين ،و لا مجردامتداد وظيفي للعمل داخل التلفزيون.إنها في الأصل تعبير واضح عن التزام واضح تجاه أسئلة الواقع و المحيط ،بكل تداعياتهاالاجتماعية و السياسية و الفكرية،كما أنها مساهمة نقدية من مثقف منخرط في ديناميات بلاده،في قضايا الفضاء العمومي. بشكل آخر، تبدو هذه الكتابة،حصيلة للمسارات المركبة و المتقاطعة للمؤلف الإعلامي و الصحافي ،الذي يعيش الأحداث و الوقائع ،و ويعايش الفاعلين و صناع الخبر،ثم المواطن /المثقف الذي ترك وراءه العمل السياسي المباشر ،دون أن يترك جانباً،هواجسه و مبادئه و أفكاره و أحلامه و قيمه و قناعاته تجاه قضايا أمته ،بلاده ،مجتمعه و،مدينته. وهنا ،فإن هذه المقالات ،لا تمارس فقط الانزياح الجميل ،عن الكتابة الصحافية لباقي الأجناس و المعتمدة في الغالب على حد أدنى منالاقتصاد في اللغة و التعابير،و على تهميش الذات الكاتبة على حساب التناول الموضوعي/المهني . بل أكثر من ذلك ،إنها فرصة للكاتب ليمتح من عشقه الكبير:الآداب،حيث تتميز النصوص باهتمام واضح بالأبعاد الجمالية على مستوى الصياغة و البناء . و هنا فإن ما سبق للمؤلف أن أصدره في كتابه "أناشيد الذاكرة"ضمن منشورات إتحاد كتاب المغرب،يبقى دليلاً حاسماً على هذه الإمكانيات التي يتوفر عليها في مجال الكتابة ،بمواصفاتهاالإبداعية و التخييلية. كُتبت مجمل هذه الأوراق ،في السنوات الأخيرة،و نشرت أغلبها كأعمدة رأي ،في جرائد عربية:القدس العربي،الحياة اللندنية ،أو وطنية،مثل الاتحاد الاشتراكي،صوت الناس،العلم،مغرب اليوم،الجريدة الأخرى،المساء،الجريدة الأولى،الأيام..كما عرف بعضها طريقه للنشر الإلكتروني ،في مواقع إخبارية مثل "لكم"... يتوزع الكتاب ،الذي يمثل شهادة على "مرحلة "عاصفة و غير مكتملة المعالم،على مناقشات حول قضايا الوطن و الوطنية و المواطنة والهوية و اللغة و الانتماء،و إشكاليات الإصلاح و التحديث،و أسئلة التجربة الحزبية ،و أعطاب الإعلام "العمومي"الذي يبدو كما لو كان يصارع إرادة التاريخ في الخروج من جبة "الإعلام الرسمي"،و الذي يشكل لوحدة جبهة واسعة لإحدى المعارك الفكرية التي يخوضها الكاتببلاهوادة منذ سنوات و من كل المواقع. غير أن كثير من المقالات ،تنتمي إلى روح الهبة التي عاشتها بلادنا بعد فبراير 2011،لذلك تبدو منخرطة في أفق الأسئلة الحارقة التي فجرتها الشبيبة المغربية حول الديمقراطية و الكرامة. هذا الكتاب دفاعٌ عن "الرهان"الذي يجسده مغرب التقدم و التغيير و الحداثة ،و تشخيص في الوقت نفسه ،للأعطاب المغربية الكثيرة ،و التي تجعل بلادنا "رهينة" مُكبلة بأغلال التأخر و الفقر و الرداءة. لا يملك عبد الصمد بن شريف في هذه النصوص،الكثير من الأوهام ،لكنه يمارس فعل الكتابة كشكل من أشكال المقاومة. واضح،لذلك يقول بكل إرادوية ممكنة: "..نكتب من أجل أن نستفز المجتمع. نكتب من أجل أن نحرك البرك الآسنة. نكتب من أجل تطويق الفساد و المفسدين. نكتب من أجل تبديد اليأس. نكتب من أجل التشويش الأخلاقي على الانتهازيين."