بايتاس: ارتفاع الحد الأدنى للأجر إلى 17 درهما للساعة وكلفة الحوار الاجتماعي تبلغ 20 مليارا في 2025    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    الكلاع تهاجم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين المدانين في قضايا اعتداءات جنسية خطيرة    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصيد: القول إن 99 % من المغاربة مسلمون خطاب مُضلّل
نشر في هسبريس يوم 22 - 07 - 2013

دُعاتها يوصفون من قبل الكثيرين بالمُلحدين وأعداء الدين، وهؤلاء يقولون إنّها ليست ضدّ الدّين، وأنّها، على العكس من ذلك، تحميه من الاستغلال السياسوي.
إنها العلمانية، التي برز الصراع بشكل أكبر بين دعاتها والإسلاميين، الذين أوصلتهم ثورات "الربيع الديمقراطي" إلى سُدّة الحكم. في هذا الحوار يتحدث الباحث والناشط الحقوقي وأحد دعاة العلمانية بالمغرب أحمد عصيد عن مفهوم العلمانية، وموقف دُعاتها من الدّين، ومحاورَ أخرى...
* ما هي العلمانية؟ وماذا يريد العلمانيون؟
- من الناحية السياسية، تعني العلمانية حيادَ الدولة ومؤسساتها في مجال العقيدة والايمان، واعتبارهما أمرا شخصيا يرجع إلى الاختيار الحُرّ للأفراد، وتتكفل الدولة بحماية حقهم في الاعتقاد وحماية اختياراتهم الدينية، وممارسة شعائرهم بكل حرية وطمأنينة، دون أن تحتكر دينا معينا ولا تحرُسه بالسلطة والعنف ولا تفرضه بالإكراه.
أما مفهوم العلمانية من الجانب الاجتماعي، فيعني احترامَ الاختلاف، واحترام الآخرين، باعتبارهم مواطنين كاملي العضوية في المجتمع، دون أن يتدخل أحد في اختياراتهم العقدية. احترام الآخر رغم اختلافه عنا، واحترام المواطنين لبعضهم البعض، هذه هي العلمانية بمفهومها الاجتماعي والأخلاقي.
العلمانية لها أيضا مفهوم فلسفي، وهو استقلال العقل في التفكير الحُرّ وفي اختيار منهجيته وأساليب اشتغاله خارج أيّة وصاية. فلكي يفكرَ العقل البشريّ ويبدع ويبحث ويكتشف، لا بد أن يكون خارج الوصاية، دينيّة كانت، أو سياسية، وإلا سيكون عاجزا عن التفكير الحرّ.
* هل معنى هذا أنّ الدّين يُساهم في تَحَجُّر العقول؟
- لا، أبدا، الدّين في حدّ ذاته لا يؤدّي إلى تحجّر العقول؛ الذي يُحَجّر العقول ويرسّخ الاستبداد، ليس هو الدين ذاته، وإنما التوظيف السياسي للدين. عندما تتبنى الدولة منظورا متحجرا ومتخلفا للدين، وتفرضه على المجتمع كما هو الحال في السودان والسعودية وإيران، فإنّ نتيجة ذلك هي التخلف والقهر.
الدين عندما يتمّ توظيفه في السياسة لا يمكن أن يعطي نتائج إيجابية، والدّليل القاطع على ذلك هو أن جميع الدول التي توظف الدين في المؤسسات وتحرسه وتفرضه وتراقبه، هي دول متخلفة، بينما الدول العلمانية، هي كلها دول متحررة ومتقدمة، وإن بدرجات متفاوتة، لكنها متقدمة على الدول التي تعتمد شرعية دينية، وتفرض الدين وتحرسه، وتخلق نوعا من حالة الاستنفار والطوارئ اليومية بين الدولة والمجتمع.
الدين في حدّ ذاته ليس مسؤولا لا عن تخلف الناس ولا عن تقدمهم، بل يتوقف الأمر على مقدار فهم الدين وأشكال توظيفه. الأوربيون عندما كانوا يفهمون المسيحية فهْما مُغلقا استعملوه في تكريس كل أنواع الارهاب والقهر؛ كانوا يحرقون العلماء ويضطهدون الشعراء والفنانين ويحاكمون الناس في محاكم التفتيش، لكن عندما نجح مسلسل العَلمنة تغيّرت نظرة الناس إلى الدين، وظل الدين على حاله، والذي تغير هو فهم الدين وتوظيفاته، إذْ أصبح يوظف في المجال الارشادي داخل الكنائس وفي المجال الاجتماعي، ومتوجها إلى الأفراد، الذين لهم حق الاختيار، بينما في بلدان المسلمين ما زال الدين عقيدة للدولة، وما زال يوظّف بغاية تكريس الاستبداد والقهْر، وهذا من أسباب تخلّف المسلمين.
* هل صحيح أنّ العلمانيين يستهدفون الدين، ويسعوْن إلى إلغائه من حياة الناس؟
- هذه من أكبر الأكاذيب المُنْكَرة التي يلجأ إليها المتطرفون الدينيون لهَجاء العلمانية وتشويه صورتها؛ لم يسبق للعلمانيين أبدا أن طالبوا بإلغاء الدّين من المجتمع، أو محْوه من حياة الناس، إنما يطالبون بعدم توظيفه من طرف الدولة ومؤسساتها لأغراض سياسية.
إذا كانت لهؤلاء المتطرفين شجاعة مناقشة الأفكار، وكانت لديهم بَراهينُ مقنعة، فعليهم أن يناقشوا أفكار العلمانيين كما هي وليس أن يحرفوها ويشوّهوا المفاهيم.
العلمانيون يُميّزون بين الدولة والمجتمع؛ ويعتبرون أنّ المجتمع هو المكان الطبيعي للدين، والفضاء الذي ينتعش فيه الدين وينهض وينتشر.
نحن لسنا ضدّ ذلك، لسنا ضد بناء المساجد يوميا، في كل المناطق، ولسنا ضدّ أن يُقْبِل الناس على الصلاة، هذا اختيار للأفراد، وهذا حقّهم، ونحن نطالب أن تحمي الدولة جميع المؤمنين في أدائهم لشعائرهم الدينية.
الفرق بيننا وبين المتطرفين هو أننا نتحدث عن الأديان بالجمْع، ونريد احترام كل المؤمنين، يهودا ومسيحيين ومسلمين. إذا كنا نرفض استعمال الدين من طرف الدولة في المجال السياسي، فنحن لا نرفض أبدا أن يوجد الدين في المجتمع ويتبناه الأفراد وتكفل الدولة حمايتهم في أداء شعائرهم.
* بما أننا نعيش في دولة أغلب مواطنيها مسلمون، ألا ترى أنّ المجتمع المغربي سيرفض إلغاء القوانين الشرعية، مثل حِكم الإرث مثلا، وإحلال القوانين الوضعية محلّها؟
- أولا، الحديث عن "ما يريده المجتمع" كلام باطل، لأن المجتمع الذي نتحدث عنه تمّ تكييف ذهنيته مع أهداف السلطة على مدار خمسين سنة؛ بمعنى أن هذه الذهنية التي يُقال إنها ترفض المساواةَ بين المرأة والرجل، وتريد استمرار احتقار المرأة، لا يجب أن تحول بيننا وبين تطبيق قوانين تنسجم مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. إذا كان الشعب يقول إنه لا يريد الحرية ولا يريد الديمقراطية، ويريد تطبيق الشريعة، فهذا أمر يتناقض ويتعارض مع حقوق الإنسان.
عندما نطالب الدولة بحماية حرّية الاعتقاد، والسهر على حمايتها للدين، فإننا نقصد بذلك حماية حقّ الناس في الايمان والاعتقاد وأداء الشعائر الدينية، أما الأمور المتعلقة بالحقوق، فمن واجب الدولة أن تحترم حقوق الانسان، والدستور المغربي يقول إنه يتبنى منظومة حقوق الإنسان، باعتبارها منظومة شمولية غير قابلة للتجزيء، كما يعتبر أن لها سموا على التشريعات الوطنية، لذلك فالدولة لا يمكنها أن تستعمل الدين بشكل يخرق حقوق الانسان أو باعتباره خصوصية أو غير ذلك.
* لكنّ دراسة أمريكية أنجزها معهد "بيو" خلال مارس الماضي كشفت أنّ 83% من المغاربة يؤيدون تطبيق الشريعة في جميع مناحي الحياة، كما أنّ الأرقام تبيّن أنّ 99% من المغاربة مسلمون؟
- أولا، القول بأنّ 99 بالمائة من المغاربة مسلمون هذا خطاب غير واضح وفيه كثير من التضليل، فلم يسبق أن جرى إحصاء للعقيدة في المغرب، ولا أذكر أنّ الدولة أو جهة ما قامت بإحصاء الناس حسب الايمان والعقيدة لكي نقول إنّ 99 بالمائة من المغاربة مسلمون.
في غياب الاحصاءات إذن لا يمكننا أن نتحدث بالأرقام نهائيا، لأنّ الأرقام لا يتحدث بها إلا من قام بإحصاء ميداني؛ هذا من جهة، من جهة أخرى، حتى لو افترضنا أن 99 في المائة من المغاربة مسلمون، فما معنى إسلامهم؟ هل هم مسلمون إسلاما صوفيا؟ أم مسلمون إسلاميا حضاريا ثقافيا ولكن لا يمارسون الشعائر الدينية؟ هل هم مسلمون سلفيون متشددون، هل هم مسلمون من العدل والاحسان أو التوحيد والاصلاح؟ هل مسلمون شيعة، هل هم مسلمون على النمط الشعبي الذي تتوارث فيه الأجيال الايمان جيلا عن جيل؟ بمعنى أن الاسلام عند المغاربة متعدّد، ولا يمكن بالتالي أن نحسم في فرض شريعة معيّنة على الجميع.
أؤكد لك، وهذا لدينا عليه برهان قاطع أنّ هناك مسلمين يؤدّون شعائرهم، يصلون في المساجد مع الناس، ولا يعتبرون أن غطاء الرأس شريعة دينية، مثلما لا يعتبرون أن علينا أن نقيم دولة دينية، ويرفضون أن نطبق الشريعة الإسلامية، ويروْن أن الذكر والأنثى متساويان؛ إذن الحكم على كل مؤمن مسلم بأنه يريد تطبيق الشعب الشريعة، هذا موقف أقلية من المتشددين الدينيين المنتمين إلى ما يسمى بالإسلام السياسي.
* هل تروْن أنّ الدّين عائق أمام تطبيق الديمقراطية؟
- لا بالطبع، الدّين ليس عائقا في حدّ ذاته عندما يكون اعتقادا للأفراد، ويصبح عائقا عندما يوظف سياسيا من طرف الدولة، من أجل قهر الناس أو حرمانهم من حقوقهم.
في السعودية مثلا، تُحرم المرأة من التصويت باستعمال الدّين؛ بمعنى أن المتشددين المحافظين الذين لا يريدون للمرأة أن تشارك في الحياة السياسية يأتون بنصوص من القرآن والحديث، ليقولوا بأنّ على النساء أن يمكثن في بيوتهن، ويأتون بنصوص أيضا ليمنعوا المرأة من قيادة السيارة، بمعنى أنهم يقومون بتأويلات متعسفة للدين، والدليل على التعسف هو أن بلدانا إسلامية أخرى لا تطبق ذلك؛ في هذه الحالة الدين ليس عائقا في حدّ ذاته، بل في توظيفه الرسمي وشكل فهمه من طرف المسؤولين.
* ماذا عن النصوص القطعيّة مثل حُكْم الارث؟
- هذه قضية واضحة؛ هناك نصوص قطعية كثيرة أبطلها المسلمون وعطلوها، ولم يعودوا يطبقونها، رغم أنها قطعيّة، مثل شرعية الرق والعبودية، في الاسلام هناك نصوص حول كيفية معاملة العبد أو تحريره للتكفير عن الذنب، هذه نصوص واضحة، لكن، هل يستطيع الانسان المسلم اليوم أن يطبقها، لا يمكن ذلك. لأن بِنْية هذه النصوص لم تعد قائمة.
أيضا النصّ الذي يحثّ على توزيع الغنيمة؛ في بداية الإسلام كان مفروضا على المسلمين أن يوّعوا الغنائم على خمسة أقسام، إذا وقعت الحرب اليوم، هل يوزع المسلمون الغنيمة على هذا النحو؟ غير ممكن.
* بمعنى أنّه يمكن إلغاء حكم الارث رغم كونه نصّا قطعيّا؟
وضعية المرأة في المجتمع انقلبت اليوم رأسا على عقب، وأصبحت المرأة فاعلا في المجتمع، وتتولى المناصب التي حرّمها الفقه الاسلامي، مثل الرئاسة ورئاسة - - الوزارة وتسيير مؤسسات الدولة، كان كل هذا في الفقه يشترط الذكورة، أي أن يكون الإنسان المسلم ذكرا، لأنه في الفقه الاسلامي كان هناك تشكيك في القدرات العقلية للمرأة، هذا الفقه كله أصبح اليوم متجاوزا.
وإذا شرحنا بدقّة لماذا خصّص الإسلام للمرأة نصف حق الرجل في الارث، سنجد أن هناك سياقا مُعيّنا ووضْعا معيّنا في الأسرة والقبيلة كان قائما ولم يعد موجودا اليوم؛ إذن على العقل الفقهي الإسلامي، أن يجتهد كما اجتهد في أمور دينية سابقة، وعطل بها الكثير من النصوص لصالح كرامته الإنسان، كذلك ينبغي أن يتمّ اليوم، لأن ضرورات الوقت ومستجدات العصر والوضعية الجديدة للأفراد في المجتمع هي التي تفرض هذه القراءة الاجتهادية التي بموجبها ينبغي إقرار فقه جديد لعصرنا هذا، وهذا ليس خروجا عن الاسلام، لأن الاسلام هو الأركان الخمسة؛ إذا آمن الناس وصلّوا وصاموا وزكوا وحجّوا، فهم مسلمون، الأمور الأخرى المتعلقة بالمجتمع يدبّرونها حسب أوضاع الدولة وأوضاع المجتمع، وحسب ما بلَغهُ تطور العصر.
قبل 70 سنة مثلا، كان الفقهاء المغاربة يرفضون أن تدخل الفتاة إلى المدرسة، وها هي اليوم المرأة تحصل على الشهادات الرفيعة رغم أنف الفقهاء، كل هذا يقتضي فِقْها جديدا، لأن الفقه القديم الذي كان ينبني على نظام القوامة لم يعد له مبرّر، نظام القوامة سقط لأنه كان مرتبطا بوضعية أن الرجل يخرج لطلب الرزق والمال، بينما تمكث المرأة في البيت، وهذا وضع لم يعد قائما اليوم، لذلك فنظام القوامة لم يعد مبرَّرا، وبسقوطه ستسقط معه أمور كثيرة.
* هل تعتقدون أن المجتمع المغربي المحافظ سيقبل بالحريات الفردية المرادفة للعلمانية؟
- نحن أمام وضعية ينبغي التفكير فيها بعقلانية مع البحث في جذورها؛ مشكلة المحافظين أنهم يحكمون على المجتمع المتخلف كما هو ويريدون أن يبقى على حاله، لأنهم يستفيدون من تخلفه، بينما العلمانيون يقولون إن هذه الوضعية صُنعت صُنعا من طرف السياسات العمومية وعلينا أن نرقى بمجتمعنا إلى ما هو أفضل.
إذا كان مجتمع ما لا يقبل الحريات فليس معنى هذا أن نتخلى عن الحريات لأن المجتمع متخلف؛ ما يجب علينا فعله هو أن نعيد النظر في التعليم وفي الاعلام وفي كل سياساتنا العمومية لكي نرقى بوعي المواطنين، وفي نفس الوقت ندافع عن الحريات لتغيير الذهنيات.
تعديل مدونة الأسرة مثلا ساهم في تغيير الدهنيات، فعلى الرغم من أن المحافظين كانوا يصرخون من على المنابر ويقولون إن إدماج المرأة في التنمية خطة صهيونية وغيرها من الأكاذيب، تمّ تعديل المدونة بقوّة القانون.
أن يكون مجتمع ما متخلفا لا يعني أن نُقرّه على تخلفه وأن نقمع الحريات لأنّ المجتمع متخلف كما يسعى إلى ذلك المحافظون، هذا ليس حلا.
إذا كان المجتمع مثلا يمارس ختان البنات، فلا يجب أن نقول إن هذه عادة متوارثة ونترك الأمور على ما هي، ما ينبغي عمله هو محاربة العادات التي تحطّ من الكرامة الانسانية، وتمسّ بحقوق الإنسان، والدفاع عن حريات المواطنين وكرامتهم، حتى نتمكّن من تغيير وضْعنا المنحرف، ونصلَ إلى وضع إنساني أرقى وأفضل.
* ما هي المجالات التي يمكن أن تشملها الحريات الفردية؛ هل يمكن أن تكون لدينا مثلا فضائيات تبث أفلاما إباحية أو دورَ دعارة على شكل ما هو معمول به في الغرب؟
- هذه الأمور تتعلق بالتطوّر التدريجي للمجتمع؛ الحريات الفردية أيضا تمّ تشويهها من طرف المحافظين مثلما شوّهوا مفهوم العلمانية، هم يقولون إن العلمانيين يريدون حرية مطلقة، وهذا كلام باطل وغير صحيح نهائيا.
الحريات الفردية ليست حريات مطلقة، بل هي حريات مدنيّة في إطار القوانين وفي إطار احترام حرية الآخرين. أن تدخّن في الفضاء العام مثلا مع إضرار الغير أو تستمع إلى الموسيقى بشكل صاخب وتقول هذه حريتي الفردية، هذا إيذاء وتعدّ على الغير لا نقبله، لكنّ حرية اللباس وحرية الرقص والغناء، والابداع في المسرح والتشكيل والسينما، وحرية استهلاك المشروبات الروحية، فهذه أمور كلها تدخل في إطار الحريات الفردية الصّميمة، التي ليس من حق أحد أن يمسّ بها، لأنها لا تمسُّ بحرّيات الآخرين.
المتدين المحافظ مثلا لا يغْصِبه المسرحيون على أن يتّجه رفقة أسرته رغم أنفه إلى المسرح ليشاهد مسرحية على سبيل المثال، المسرح يختاره الناس طواعية ويتجه إليه من يريد، ولا يذهب إليه من لا يريد.
* ماذا عن الأكل في رمضان؟
- الأكل في رمضان هذا اختيار حرّ للأفراد، ولا يجوز لأحد مطلقا أن يحجرَ عليه أو يمسّه، لأن الذين يصومون يفعلون ذلك عن اقتناع وإيمان عميق، ولا يؤذيهم أبدا أنّ غيرهم مختلف، لو كانت لهم الثقة في اعتقادهم.
الذين يقولون نحن لا نقبل أن نصوم ويفطر غيرنا، فهذا ليس إيمانا، وليس اعتقادا، هذا موقف سياسي، لأن الايمانَ إيمان فردي وليس وصاية على الآخرين، وهذا هو معنى العلمانية.
معنى العلمانية أنك عندما تؤمن تفعل ذلك لنفسك ولمصيرك الشخصي وليست لك وصاية على غيرك لأنه ليس من حقك أن تفرض على الآخرين اعتقادا، والصيام اعتقاد ليس لك الحق أن تفرضه على الآخرين.
الذريعة التي يستعملها المتطرفون بقولهم إنّ من حق كل واحد أن يفطرَ شرْط أن يستتر داخل بيته، يعطون بها الحق لأنفسهم بالتمظهر بإيمانهم في الواجهة العمومية، في الوقت الذي يسلبون من غيرهم الحق إما في ممارسة شعائرهم الدينية كمسيحيين أو يهود، أو ممارسة سلوكات منافية لما هو سائدة، مثل الأكل في رمضان، إذا يلزمهم أن يستتروا، لأن المؤمن المسلم لا يقبل أن يراهم، ولا يقبل أن يكون هناك من يخالفه في العقيدة. هذه العقلية غير متسامحة وغير ديمقراطية بالمرة، وتتعارض كليا مع حقوق الانسان.
صحيح أنّ الحريات الفردية ليست كلها حريات مطلقة، لكن يجب أن نميز فيها بين ما هو من الحريات الفردية الصميمة التي لا يجوز قهرها، أو قمعها، وبين ما هو إيذاء للآخرين، والذي يجب أن يكون خاضعا للقانون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.