بعدَ أنْ بدأت ثورات "الربيع الديمقراطي" التي اجتاحت عددا من بلدان المنطقة تهدأ، ووصول الإسلاميين إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع في كل من تونس والمغرب ومصر، اندلعت شرارةُ المواجهة بين الإسلاميين والعلمانيين. الإسلاميون يرفعون شعار "الإسلام هو الحلّ"، والعلمانيون يقولون إنّ "العلمانية هيَ الحلّ". لكنّ مصطلح العلمانية يثير حفيظة الكثيرين، ويعتبرون أنّ العلمانية مرادفة للكفر والإلحاد، والسعي إلى محْو الدين من حياة الناس. فما هي العلمانية؟ وهل صحيح أنّ دعاتها يستهدفون الدّين الإسلامي؟ وهل هي دعوة إلى الكفر والإلحاد؟.. في السطور الآتية يردّ بعض من دعاة العلمانية بالمغرب على هذه الأسئلة... "العلمانية لا تعْني الإلْحاد" "مفهومُ العلمانية يجب تصحيحه لدى العامّة، لأنّ هناك محاولات حثيثة لتشويه هذا المفهوم، وتغيير مضمونه، وشيْطنة دُعاة العلمانية"، تقول الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان خديجة الرياضي، مُتحدّثة عن العلمانية، التي قالت إنّ معناها هو حيَاد الدولة في المجال الديني، وذلك بِمنع التوظيف السياسي للدين، وعدم استغلاله من طرف الدولة أو أيّ جهة أخرى لتحقيق مصالح سياسية. الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان اعتبرت أنّ العلمانية، وعلى عكس ما يظنّه البعض، هي التي تحمي الناس في ممارسة شعائرهم ومعتقداتهم الدينية بحرية، لأنّها تُلزم الدولة على حماية الأفراد في ممارسة معتقداتهم بأمان واطمئنان، وبلا إكراه أو وصاية، "لكنّ البعض يرى أنّ العلمانية تعني الالحاد، ويُصوّر العلمانيين على هيأة كفّار ومُلحدين، بينما دور العلمانية هو حماية الدين من التوظيف السياسي، وحماية السياسة من التوظيف الديني". موليم العروسي، أستاذ علم الجماليات بكلية الآداب ابن مسيك بالدار البيضاء، يقول إنّ مفهوم العَلمانية (بفتح العين)، تأسّس من منطلق التفسير الدنيوي، (الدنيا هنا بمعنى العالم المادّي، وفق الترجمة العربية لكلمة "laïcité")، وهي التدبير الدنيوي للشؤون اليومية والحياتية للناس، كما تعني فصْل الدين عن السياسة. ويضيف العروسي أنّ العلمانية تُلزم الدولة على أن تقف على نفس المسافة من جميع المعتقدات والديانات التي قد تتواجد في دولة واحدة، بما في ذلك المعتقدات التي لا تؤمن بالأديان أو تلك التي ليست ديانات سماوية أو توحيدية، "وقد بدأ هذا المفهوم في التداول عندما كان هنري الثامن، ملك إنجلترا، في القرن الخامس عشر يُزيح تدريجيا كرادلة الكنيسة الكاثوليكية عن إدارة الشؤون الدنيوية وحصْر نشاطهم في أمور الشؤون الدينية-الأخروية، حيث بدأ الحديث يدور عن العَلمانية، أي تسيير الدولة من طرف شخص غير رجال الدين وبقوانين غير مستوحاة من النصوص الدينية"، يشرح أستاذ علم الجماليات الذي سبق أن أثار زوبعة عندما نشر صورة شخصية وهو يقبّل زوجته على صفحته الفيسبوكية ردّا على مطالبة قياديين في حزب العدالة والتنمية بوقْف عرْض فيلم يتضمّن مشاهد "حميمية" أثناء رحلة على متْن طائرة مصرية. من جانبها، ترى فدوى رجواني، عضو اللجنة الادارية لحزب الاتحاد الاشتراكي، التي سبق أن تعرّضت لاعتداء بآلة حادة على مستوى عنقها، بفضاء كلية الآداب والعلوم الانسانية بأكادير، قيل إنه نجَم عن كتابة عبارة "العلمانية هي الحلّ" على صفحتها الفيسبوكية، حيث علق المعتدي على صدرها ورقة كتب عليها "الإسلام هو الحل"، (ترى) أنّ العلمانية ليس لها موقف من الدين "كما يزعم بعض المتأدلجين"، و إنما هي رؤية للحياة في مجتمع يرنو للديمقراطية و يؤمن بالتعدد والاختلاف ويفصل بين المجال الديني والمجال السياسي، على اعتبار أن الدين عقيدة وإيمان وشأن شخصي،في حين أن السياسة مجال يتعلق بتدبير الشأن العام ويفترض التنافس والتدافع، من أجل النفوذ والسلطة، وتحكمه المصالح الطبقية والفئوية والقومية. هل العلمانية ضدّ الدين؟ الاتّهام الذي يواجَه به دعاة العلمانية هو أنّهم يستهدفون الدين، ويسعوْن إلى محْوه من حياة الناس، والدعوة إلى الكفر والالحاد. منير العروسي يردّ على هذا "الاتهام" بالقول "الذين يتهمون العَلمانيين بهذا الأمر أناس لا يعرفون أصلا ما هي العَلمانية، وينتفعون من الدين لأسباب سياسية". ويضيف العروسي أنّ الأحزاب الإسلامية هي التي تقول بهذا، "لأنّ فصْل الدين عن السياسة معناه سَنّ قوانين تمنع الأشخاص من الإحالة على الدين في التأطير السياسي أو في الدعاية الانتخابية، وهذا يَحْرمهم (الاسلاميون)، من الخطاب الوحيد الذي يمتلكون". وإبعادا ل"تهمة" الالحاد عن العلمانيين، قال أستاذ علم الجمال "إن هناك عددا كبيرا، بل ربما أغلبية من العلمانيين مؤمنون، منهم مؤمنون عاديون ومنهم علماء دين". واشار إلى أنّ العَلمانية تجعل الدّين ينحصر في الدائرة الشخصية للأفراد ولا يصير محلّ نزاع بين الجماعات، إذ أنّ سبب التناحر بين عدد من التيارات الدينية، وتكفير بعضها البعض، يضيف المتحدث، يأتي من عدم الاتفاق على رِؤية واحدة للدين، "لذلك فإنّ العلمانية تسعى إلى الحفاظ على قُدسية الدين، وحصْره في فضائه الخاص، الذي هو البيت أو المسجد، وترْكه بعيدا عن النزاعات السياسية". وأورَد العروسي مثالا لاستغلال الدين في المجال السياسي، بما أقدم عليه أنصار حزب العدالة والتنمية، خلال امتحانات الباكلوريا الماضية، من توزيع التمر والزبيب على التلاميذ أمام الثانويات، إذ قال "قبل أن تتصل بي بقليل لأردّ على أسئلتك قرأت على حائط أحد أصدقائي بالفايسبوك تعليقا يقول فيه "بينما كنتُ مع ابنتي المرشحة داخل السيارة قرب مركز الامتحان، ننتظر إشارة الدخول، فاجأتنا مُنقّبة وشابّ يحمل في علبة كارتونية أكياسا صغيرة تحمل ثمرة رديئة وحبيبات من الزبيب وبطاقة مكتوب عليها دعاء (اللهم لا سهْل الا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزَن إذا شئت سهلا) مع علامة "المصباح" واسم الحزب". وعلّق العروسي على هذا السلوك قائلا: "إقحام الدين في المصالح السياسية والانتخابية بهذه الطريقة لا يمكن أن يحدث في بلد ديمقراطي علماني، دون أن تعقُبَه ملاحقة قضائية". فدوى رجواني ترى من جانبها، أنّ العلمانية ليست أبدا نقيضا للدين، وإنما هي بكل بساطة دعوة صريحة للتمييز بين مجالات تقوم في العمق على أسس إبيستيمولوجية ومنهجية متباينة، "ونجد للعلمانية بهذا المعنى إرهاصات في تاريخ الدولة الإسلامية، خاصة زمن انتصار الحاكمين للاتجاه العقلاني في الفكر الإسلامي، مثل المعتزلة، ابن رشد، جمال الدين الأفغاني، علال الفاسي". هل الدّين عائق أمام تطبيق الديمقراطية؟ "الدين ليس عائقا أمام تطبيق الديمقراطية، لكنّه يصير عائقا عندما يتمّ توظيفه في السياسة"، الجواب لخديجة الرياضي، التي ترى أنه لا يمكن أن تكون الدولة ديمقراطية في ظلّ التوظيف السياسي للدين. وتضيف الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أنّ العلمانية وحدها لا تكفي لكي تصير دولة ما دولة ديمقراطية، "إذ هناك دول علمانية، لكنها غيرُ ديمقراطية، وفي المقابل لا يمكن أن تكون الدولة ديمقراطية طالما أنها توظف الدين في المجال السياسي، لأنها بذلك تملك وسيلة فعّالة للحدّ من الحريات الفردية للمواطنين والحريات بشكل عامّ". أما فدوى رجواني فترى أن الدّين في بُعده النصّي والسلوكي معا لا يُعتبر عائقا للتقدم، لأنّ الإسلام، حسب قولها، دعا إلى العلم والمعرفة والاجتهاد فيما يخصّ تنظيم حياة الناس وتدبير شؤونهم الدنيوية بعيدا عن كل دوغمائية أو جمود عقائدي؛ ويكفينا، تقول رجواني، في هذا الصدد أن نستحْضر أنّ بغداد في العهد العباسي كانت العاصمة الفكرية للعالم، "لذلك فإنّ المشكل الحقيقي يكمن في التأويل المتخلّف والمحافظ والظلامي للدين، إذ أنّ القيَم التي تأسست عليها الديمقراطية لها ما يناسبها في التعاليم الإسلامية السّمحة الداعية إلى اعتبار أن الإنسان وُلد حُرّا ولا يجوز استعباده، وأنّ أمرَ الناس شُورى بينهم، وأن الناس سواسية وأنْ لا إكراه في الدين". موليم العروسي يرى بدوره أنّ الدين لا يمثّل عائقا أمام الديمقراطية إلا إذا اختلط بالسياسة، والسبب في ذلك، يُضيف، هو أن الأديان كلها تدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة التي لا يُداخلها الخطأ، بينما السياسة هي ميدان الخطأ والمراوغة، لهذا سنّ الناس التداول على السلطة، لاعتبار أنّ الحقيقة السياسية متحركة تختلف حسب المواقف والأحوال، بمعنى أنّ الحقيقة الدينية ثابتة والحقيقة السياسية نسبية. ويضيف "من هذا المنطلق لا يمكن للمنطق الديني الذي هو مجال المُطلق والوحْدة أن يتساكن في نفس النظام السياسي مع مبدأ الاختلاف والتنوع الذي تنادي به الديمقراطية، وكل من لا يريد فهم هذا الأمر ما عليه إلا أن يعود للتاريخ البعيد أو القريب، سواء في بلدنا أو في البلدان التي تدّعي أنها أكثر إسلامية، فكم من نُظم وقوانين ومخترعات رُفضت باسم الدين وتأخّر الناس في العمل بها، وبذلك تأخروا في تحسين أسباب عيشهم، وبعد عشرات السنين أصبحت مقبولة أو فُرضت، وسارع العلماء لإيجاد الحُجج الدينية لإباحتها، وأصبح رفْضها باسم الدين من الماضي". أين يكمن الخلل؟ في التأويل أم في النصوص؟ إذا كانت العلمانية لا تشكّل عائقا أم الديمقراطية، حسب العروسي ورجواني والرياضي، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يطالبون إذن بفصْل الدين عن الدولة؟ وأيْن يكمن الخلل، هل في تأويل النصوص الشرعية، أم في النصوص في حدّ ذاتها؟ تقول خديجة الرياضي جوابا على السؤال إنّ الإشكال يكمن في التأويل وليس في النصوص في حدّ ذاتها، في ظلّ غياب الاجتهاد الفقهيّ المتنوّر، "فما وردَ في القرآن يمكن تأويله تأويلات مختلفة، بحيث يستطيع كلّ مفسّر أن يفسّره حسب قناعاته، والتي تكون مختلفة عن قناعات الآخرين، ونحنُ لا نعرف أيّ تأويل هو الأصحّ بين باقي التأويلات". وتضيف الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان قائلة، إنّ تأويل النصوص الشرعية لا يتمّ فقط حسب القناعات الشخصيّة، بلْ أيضا وفْق الإيديولوجية وما تُمليه المصلحة السياسية، "وهنا يكمن الخطر في توظيف الدين في السياسة". في سياق تأويل النصّ المقدّس دائما، يقول موليم العروسي، إنّ رجال الدين لا يُؤوّلون النصوص المقدسة بل يقتلونها، ويرى أنّ التأويل لا يُغيّر النص ولا يُحطمه ولا يَطمسه، بل يعطيه معنى خاصا مرتبطا بالزمن الذي يعيش فيه المؤوّل، ويستمر النصّ كما هو ليأتي مؤوّلون آخرون ويستخرجون منه كنوزا أخرى تغذي أرواحهم. ويضيف أنّ النص الديني المقدس المبنيّ أساسا على الآيات، أي الرموز والإشارات والعلامات، لا يتوقف عن توليد المعاني الروحية، والمقدس أوسع بكثير من العقيدة، المبنية على الفرائض والمحرمات والجزاء والعقاب والثواب، بينما يتوجه الروحي إلى الروح ويعتمد على الإيمان أكثر من الخوف، "هذا النوع من التعامل مع الدين لا يليق بالفقهاء لأنهم خدّام السلاطين ويساهمون في تسييج العامة ولجْمها لتبقى تحت سلطة الاستبداد، لذا فهم لا يؤوّلون النصّ بل يتعاملون مع ما يوحي به كما لو كان قانونا أبديا لا يتغير". العروسي تطرّق إلى الاجتهادات الفقهية التي واكبت الاشتغال على إعداد مدوّنة الأسرة قائلا، إنّ عددا من المطالب التي كانت ترفعها الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة، وتدخل ضمن الحريات الفردية، مثل مطلب تحديد سنّ الزواج ووصاية الوليّ، كانت من العقبات التي أشهرها الفقهاء وكأنها رُكن من الأركان الخمسة للإسلام، وصوّروا التفريط فيها كالتفريط في العقيدة بكاملها، "لكن عندما تدخّل الملك بصفته الدينية وضغط لأن العالم الخارجي ضغطَ بدوره راحوا يبحثون عن التفسيرات والتبريرات، حتى من خارج المذهب المالكي ووجدوها". يشرح العروسي. هل سيقبل المجتمع المغربي بالعلمانية؟ من بين الأسئلة التي تطرح نفسها أثناء النقاشات حول العلمانية، سؤال: إلى أينَ يمكن أن تصل الحريّات الفرديّة، التي يدعو إليها العلمانيون؟ وهل سيقبل المجتمع المغربي (المحافظ) بهذه الحريّات؟ خديجة الرياضي تجيب على هذا السؤال بالقول إنّه لا يجب أن ننتظر إلى أن يقتنع المجتمع بالعلمانية ثمّ نطبّقها، لأنّ المغرب صادق على عدد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وملتزم أمام المنتظم الدوليّ بتنفيذ هذه الاتفاقيات، "وهذه الاتفاقيات يجب أن تطبّق وتنفّذ الآن وليس أن ننتظر إلى أجل غير مسمّى". أما موليم العروسي فيقول إنّ القول بأن المغاربة لن يقبلوا بالعلمانية "قول لا معنى له، إذ هناك مغاربة يطالبون بالسماح لهم بممارسة حرياتهم الفردية، وهناك مغربيات يطالبن بقانون يحميهن ويوفر لهن الحق في امتلاك أجسادهن، وإذا وُجدت هناك نساء لا يُرِدن الحرية فلا أحد يفرض عليهن ذلك". ويضيف العروسي أنّ عبارة "المجتمع المغربي" هي عبارة فضفاضة لا تعني شيئا، في ظلّ تحديد دقيق لمصطلح "المجتمع المغربي"، ومعرفة أين تقف حدوده؟ هل عند المتعلمين جدا؟ أم في المتوسطي التعليم؟ أم في الذين لم يلجوا المدرسة قط؟" وأضاف "لنأخذ على سبيل المثال إحدى الحريات الفردية التي يُطالب بها عدد كبير من النساء والرجال، وهي ممارسة الجنس خارج الزواج، هل يمكن لأي كان من الرجال بالخصوص والفقهاء على وجه التّخصيص والتقليدانيين والإسلاميين أن يقول لي بصراحة أنه لم يمارس الجنس قبل الزواج وخارج الزواج؟" واسترسل قائلا "إذ كان كل الناس يمرّون من هذه المرحلة، بل ويعيشونها يوميا، فلماذا النفاق؟ ولماذا التلويح دائما بحديث "إذا ابتليتم فاستتروا"؟ وإذا افترضْنا أن هناك عددا قليلا من المغاربة يرفضون فرْض قيود على حرياتهم الفردية، فماذا نفعل بهؤلاء المغاربة؟ هل نطردهم؟ هل نفرض عليهم الفكر الواحد والمعتقد الواحد والفنّ الواحد؟ هذا له اسم واحد هو الاستبداد، لذلك يبقى الحل هو دولة عَلمانية تضمن للفرد حريته حتى ولو كان لوحده". حريات فردية مطلقة أم بحدود؟ العلمانية في أذهان المغاربة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحريات الفردية، مثل ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، وإفْطار رمضان علانية، والحريّة في اختيار العقيدة... في هذا الإطار يُطرح سؤال: إلى أي حدّ يمكن أن تصل الحريّات الفردية في حال إقرار العلمانية كنظام عامّ ينظّم شؤون الناس؟ فدوى رجواني تقول إنّه من الضروري عدمُ الخلط بين الحريات الفردية والانحلال الأخلاقي، "نحن نعني بالحريات الفردية حرية التعبير والانتماء الفكري والسياسي والتنظير والاختيار في إطار دولة الحقّ والقانون واحترام حقوق الإنسان". وتضيف "لا يجب أن ننسى أننا نعيش في عالم مُعوْلم تهيمن فيه وسائل الاتصال الحديثة على حياة الناس، بحيث أصبحت الپروپڭندا الاجتماعية سلاحا فتاكا يتجاوز كل الحدود والأسْيجة الممكنة، مما لا يترك مجالا لمنع الناس من الرحيل عبر الفضائيات والانترنت إلى كل العوالم الماجنة منها والزاهدة، ولذلك، فإن صمّام الأمان اتجاه الپروپڭندا الكاسحة يكمن في تنمية ثقافية وفنية في مستوى تحديات العولمة". وتضيف رجواني، أن قراءة موضوعية في خريطة الدعارة تبين بالملموس "أن ممولي الوهابية وحاضنيها عربيا هم من أبرز زبناء الدعارة ومنشطي المواخير والكازينوهات العالمية، وقد أظهرت آخر الإحصائيات المنجزة من طرف محرّك ڭوڭل أن كلمة البحث الأكثر استعمالا من قِبل العرب هي كلمة "سكس" أو "پورنو"، و هذا دليل أخر على أن الفساد الأخلاقي ليس بالضرورة مرادفا للغرب والحداثة والديمقراطية، بل قد يكون من شيم دُعاة التديّن". موليم العروسي يقول إن هناك أولا المادتان 18 و19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المتعلقتين بحرية التعبير والتفكير والمعتقد، مع ما يستتبع ذلك من الإعلان عن ذلك والدفاع عنه وتعليمه... يلي ذالك كل ما يتعلق بامتلاك الفرد لجسده والتصرف فيه دون تدخل خارجي شريطة أن لا يتعدى الفرد على حرية الأفراد الآخرين. وجوابا على سؤال حول ما إنْ كانَ تطبيق العلمانية سيسمح بإنشاء دُور للدعارة المقنّنة، كما هو معمول به في الغرب، وخلق فضائيات لبثّ الأفلام الاباحية، قال العروسي "فيما يتعلق بالأفلام البورنوغرافية والدعارة أنا من الناحية الفلسفية ضد كل ما يهيج الشهوة الجنسية ويجعل منها استهلاكا، كما أنني ضد بيع الجنس لأنني أعتبر أن في ذلك حطّا من كرامة المرأة أو الرجل اللذين يمارسان هذه المهن". وأضاف أنّ الحلّ لمنع مثل هذه الظواهر هو أنّ على الدولة أن توفّر شغلا للناس وتطبيبا نفسيا للذين يعانون لا توازنا جنسيا يجعلهم يعيشون نَهَمًا شهويا يتجاوز حدود الشبق الإنساني، "إذا توفّرت هذه الأمور فلن يحتاج الناس لقنوات تلفزية بورنوغرافية أو لأماكن دعارة متخصصة". العروسي ذهبَ إلى أنّ المنع لن يحل مشكل الانحلال الأخلاقي، "فرغم المنع ومظاهر العفّة الكاذبة المنافقة، فالمغرب من بين الدول العشر الأوائل الذي يستهلك المواقع البورنوغرافية على الأنترنيت، ولا أظنّ إخوتنا العرب وفي بعض دول الخليج بالتحديد، إلا على رأس القائمة". يقول العروسي، معتبرا أنّ مجال الحريات الفردية يتعلق بكل ما لا يمس حرية الآخرين بإجبارهم على الاعتقاد أو التصرف مثلهم.