"كنت أحلم أن أكون طبيب أسنان في صغري، ولمّا كبرت، صرت أحلم أن تنمو شركتي الخاصة وفقط" هكذا كان يفكر أحمد الشقيري في بداياته، فصاحب أحد أكثر البرامج العربية نجاحا في السنوات الأخيرة "خواطر"، دخل للإعلام بالصدفة، إلا أنه لم ينجح فيه بالصدفة، لأن حجم الإبداع التي يكتنزها برنامجه، جعلت من الشقيري يصل إلى قرابة مليونين ونصف معجب على موقع الفايسبوك، وعدد المشاهدين لبرنامجه يتجاوز الملايين من جل أقطار الوطن العربي. ابتسم له الحظ عندما وُلد في كنف عائلة سعودية غنية سنة 1973، مكنته من الدراسة الجامعية في كاليفورنيا الأمريكية تخصص إدارة الأعمال، هناك، تعرف على نمط العيش الغربي، وتشبع بثقافة حقوق الإنسان، خاصة وهو الذي كان يعاني بعض التوتر في اختيار طريقة العيش بين ما هو شرقي محافظ وما هو غربي منفتح، لينتصر فيه الجانب المتوازن ويقرر أن يحافظ على طبيعته المسلمة لكن مع توسيع آفاق تفكيره، وهو ما تجسد بشكل كبير عندما عاد إلى وطنه، فإضافة إلى فتحه لمشروعه الخاص، قرر المشاركة في العمل الخيري والتطوعي لدعوة الشباب إلى العلم والمعرفة، في ظل سياق دولي حكمته هجمات 11 شتنبر الإرهابية، التي جعلت الإعلامي السعودي يفهم أن هناك فراغا فكريا كبيرا بالعالم الإسلامي. الشقيري الذي دعا على الدوام إلى وحدة بين البشر عبر رباط الإنسانية، بدأ حياته الإعلامية في برنامج "يلا شباب" على قناة إم بي سي، الذي كان موجها نحو قضايا الشباب، حيث أن مشاركته في تقديم هذا البرنامج أتت عن طريقة الصدفة بعدما تم الاستنجاد به نظرا لخبرته في العمل التطوعي من أجل إعداد البرنامج، إلا أن إلحاح معد البرنامج عليه من أجل تجريب حظه في التقديم رفقة شباب آخرين، جعلت الشقيري يقبل بالعرض، ومن هناك، تعرف عليه المشاهد العربي، لينتقل بعد "يلا شباب" إلى برنامج "رحلة مع الشيخ حمزة يوسف" الذي جعله يتعرف على كبار الدعاة والمشاهير في العالم العربي. في تلك الفترة، كان الشقيري يكتب عمودا أسبوعيا في جريدة المدينة السعودية تحت عنوان خواطر شاب، احتكاكه بالعمل التلفزيوني جعله يقرر نقل هذه التجربة إلى التلفزيون، غير أن إدارة قناة الإم بي سي، ترددت كثيرا في قبول هذا العمل الجديد الذي تبلغ مدة كل حلقة منه 5 دقائق، وطلبت من الشقيري حلقة تجريبية من ماله الخاص، وهو ما قام به، لتأتي الموافقة، على النسخة الأولى من برنامج خواطر في سنة 2004، ويستمر البرنامج للموسم التاسع على التوالي. كسر برنامج خواطر الإعلام التقليدي الذي عُرفت به دول الخليج، بل أنه قدم فهما جديدا للإسلام بعيدا عن تلك الدعوات المنغلقة التي حصرت الدين في التراث الفقهي، فقد دعا الشقيري إلى ضرورة الاقتداء بالغرب في مجموعة من السلوكيات، وفي كل مرة كان يقدم تجربة غربية ناجحة يدعو من خلالها إلى تطبيق شبيهة لها بالعالم العربي، كما زار بلدان إسلامية متقدمة كتركيا وماليزيا، ونقل عنها ما رأى أنه مفيد لباقي الأوطان المسلمة المتخلفة، إضافة إلى أن هذا الإعلامي السعودي، لم يقدم فهما ضيقا لمفهوم الانتماء، فكما يقول: "شَاهِد برنامج خواطر كإنسان"، فالإنسانية تأتي في المقام الأول ، وكل الاختلافات التي تأتي بعد الإنسانية تبقى ثانوية بالنسبة له. وحتى في مسألة السلف، لم يقف الشقيري عند حدود الحلال والحرام، بل حاول التنقيب في سيرة الرسول الكريم والصحابة لجلب أمثلة يمكن الاستفادة منها في العصر الحاضر، وهو بذلك، استطاع أن يَهرب عن البرامج الدعوية التي تُغرق المشاهدين بالنصائح الدينية، و بالتالي ساهم في خَلْق نمطٍ من البرامج يقوم على التحفيز الإيجابي دون ضغط على المتلقي بأن يكون مجرد مستهلك للمعلومة لمصلحته الشخصية، فحتى المعلومة الدينية يقدمها الشقيري لأجل المصلحة العامة وليس المصلحة الفردية كما هو عليه بالحال ببرامج العبادات أو الفتاوى. اشتغل الشقيري، صاحب مقولة "متحدين نقف، متفرقين نسقط"، على أرضية القراءة، واعتبر أنه لا خلاص لهذه الأمة إلا عبر العودة إلى الكتاب الذي صنع نهضة الكثير من الأمم المتقدمة، ففَتَح مقهى الأندلسية الثقافي في جدة، واهتم بتشجيع الشباب على التنقيب عن الكتب في الفضاء الإلكتروني من خلال موقع ثقافة.نت، ورغم أن إقناع الشباب العربي بالقراءة في زمن أخذت فيه المواقع الاجتماعية حيزا مهما من وقتهم يبقى أمرا صعبا للغاية، إلا أن الابتسامة التي ترتسم على وجه الرجل، تعطي الانطباع، بأن كل شيء ممكن إذا توفرت الإرادة. يُحسب للشقيري كذلك، أنه ابتعد عن المفهوم التجاري لما يُعرف بالتنمية البشرية، وعوض إعادة ما جاء في كتب تطوير الذات ك"دع القلق وابدأ الحياة" لديل كارنيجي، خلق نوعا جديدا من التحفيز، قائمٌ أساسا على التجربة وعلى نبذ كل ما يمكن أن يؤدي إلى الخلافات، إلا أن هذا لم يمنعه، من أن يتعرض لانتقادات واسعة من أطياف متنوعة، فبعضهم رأى أن الرجل يدعو إلى الدولة الفاضلة، ويتناسى الظروف التي أدت إلى التخلف في مجموعة من البلدان العربية ومن بينها عوامل سياسية متمثلة في استبداد وتسلط الحكام، بينما رأى البعض الآخر أن الشقيري منبهر بشكل كبير بالغرب، ولا يستطيع تقديم حلول نابعة من خصوصية المجتمعات الإسلامية، بل أن غالبية ما يقدمه، في رأي هؤلاء، مُستوحى من الغرب بشكل مبالغ فيه. الانتقاد أتى كذلك من مواطني دول بعينها، فالكثير من المغاربة، لاَموه على نشر خريطة المغرب مبتورة من الصحراء، وتحول الأمر إلى سجال سياسي اضطر معه الشقيري إلى الاعتذار، رغم أن نفس الأمر، أي بتر الخريطة، تكرر في حلقة أخرى بعد ذلك، كما انتقده مواطنون من بعض الدول العربية بالإساءة إلى بلدانهم عندما يُظهر مَشاهد الفقر فيها، ويقارنها بمشاهد التطور في الغرب. هذه الانتقادات وغيرها يقرأها الشقيري على حسابيه بالفايسبوك وتويتر، ويتفاعل معها بالشرح والتوضيح، ففي النهاية، وكما يقول دائما، يبقى أحمد مازن الشقيري، مجرد إنسان، قد يخطئ وقد يصيب، والرهان هو الارتقاء إلى الأمام والتعلم من الأخطاء.