في إجراء هو الأول من نوعه، وقع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات مذكرة تعاون بين المؤسسات القضائية الثلاث، بهدف تعزيز الجهود المبذولة في مجال تخليق الحياة العامة ومكافحة كل أشكال الفساد. يأتي توقيع هذه المذكرة المشتركة، صباح الأربعاء في مقر المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالرباط، تنزيلا لأحكام الدستور المتعلقة بالتعاون بين السلطات وإسهامها في تخليق الحياة العامة ومحاربة كل أشكال الفساد وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وترمي الاتفاقية إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات، من أجل محاصرة كل أشكال الفساد التي تؤثر سلبا على التدبير العمومي وتخليق الحياة العامة، وكذا تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة. وسيتمحور التعاون بين المؤسسات المذكورة حول التكوين ودعم قدرات قضاة المحاكم المالية وقضاة المحاكم الزجرية، والتنسيق بشأن معالجة الشكايات والوشايات والتقارير ذات الصلة بالجرائم المالية وتبادل الوثائق المتعلقة بها والاجتهادات القضائية المتميزة. وقال محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إن توقيع مذكرة التعاون بين الهيئات القضائية الممثلة للمحاكم العادية والمحاكم المالية، "يستحق أن يسجله التاريخ"، مبرزا أن التعاون بين الهيئات القضائية الثلاث يروم تحقيق النجاعة في مكافحة الفساد. مبادرة توقيع مذكرة التعاون بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة من جهة، والمجلس الأعلى للحسابات من جهة ثانية، جاءت من طرف رئيسة الهيئة الأخيرة زينب العدوي، التي قال عبد النباوي إنها خاطبته ورئيس النيابة العامة في موضوع وضع إطار للتعاون بين السلطة القضائية والمجلس الأعلى للحسابات لحظات قليلة بُعيْد تعيينهما في منصبيهما. وشدد عبد النباوي على أن مكافحة الفساد "تكتسي أهمية بالغة بالنسبة لمصير كل بلد بالنظر للآثار السلبية للفساد على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومساسه بمبادئ الشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص، وتكريسه لثقافة الغش والتواكل، وتأثيره على الأمن الاجتماعي، فضلا عما يلحقه من أضرار بالمال العام، وتبديد لموجودات المواطنين، ولا سيما أموال دافعي الضرائب". وأضاف المسؤول القضائي ذاته أن ضرورة التعاون بين السلطة القضائية والمجلس الأعلى للحسابات، يمليها أيضا العمل الذي تقوم به مختلف المؤسسات المعنية في مجال تنفيذ الأهداف الاستراتيجية لاتفاقية "ميرندا" لمكافحة الفساد، التي تعد من أهم اتفاقيات الأممالمتحدة المتعلقة بتوفير شروط النزاهة في المجتمعات، والتي صادق عليها المغرب. وأردف الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن سلطات ومؤسسات الدولة، "مدعوة إلى تفعيل الآليات القانونية وتطوير أساليبها التقليدية وتطوير وسائل التعاون، لتكون في المستوى المطلوب لمحاربة الفساد ودعم النزاهة وتخليق الحياة العامة وترسيخ المبادئ الدستورية السامية المتعلقة بالحكامة الجيدة، التي خصص لها الدستور 18 فصلا من مواده". وأشار إلى أن مذكرة التعاون بين السلطة القضائية والمجلس الأعلى للحسابات، ستشكّل إطارا حقيقيا للتعاون يسهّل اضطلاع كل جهة بمهامها للتصدي للفساد في مجال التدبير العمومي، وتخليق الحياة العامة، وحماية مبادئ الحكامة الجيدة، والشفافية والمحاسبة بالنسبة للأجهزة العمومية. وأوضح أن التعاون بين المؤسسات الثلاث سيتم عن طريق إرساء قنوات حداثية لتبادل المعلومات والخبرات والتجارب، وتعزيز قدرات العنصر البشري وإذكاء مهاراته في الجوانب التقنية والقانونية وفتح جميع آفاق التعاون. من جهته، قال مولاي الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، إن تحقيق الغايات المرجوّة من السياسات الوطنية في مجال مكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة، "يقتضي مقاربة الموضوع من جميع الزوايا عبر اعتماد تدابير للوقاية وأخرى للزجر دون إغفال الجوانب ذات الصلة بالحكامة والتربية والتكوين والتوعية والتحسيس". وأوضح رئيس النيابة العامة أن مكافحة الفساد تقتضي أيضا تكامل الأدوار وتنسيق الجهود من أجل ربط المسؤولية بالمحاسبة وكشف كافة أشكال الاختلالات والممارسات والسلوكيات التي تمس بنزاهة وشفافية المرفق العمومي وجودة الخدمات العمومية ومساواة المواطنين في الاستفادة منها، مضيفا أن "الجرائم المالية، كما أثبتت التجربة، تبقى من الجرائم التي تجمع بين ما هو قانوني وما هو تقني محاسباتي ولا يمكن بأي حال من الأحوال التمكن من فهم تفاصيلها ومكافحة كافة صورها دون تضافر جهود أجهزة الرقابة والتدقيق وسلطات إنفاذ القانون والسلطات القضائية". ونوّه الداكي إلى أن التعاون بين المحاكم المالية والمحاكم الزجرية، "لا ينبغي أن يبقى حبيس الإجراءات الإدارية والمراسلات الرسمية، بل لا بد أن يوازي ذلك حوار مباشر من أجل تنسيق الجهود وتبادل الرأي والمشورة، والتعاون في مجال التكوين للرفع من قدرات القضاة في مجال الجرائم المالية وما يرتبط بها من إشكالات في مجال المحاسبة العمومية والصفقات العمومية والرقابة العامة على المالية العمومية، فضلا عن تبادل الاجتهادات القضائية المتميزة".