إذا كانت ساحة جامع الفنا أيقونة مراكش التي لا تنام، مما جعلها وجهة المغاربة والأجانب، فقد تحولت خلال جائحة "كوفيد- 19" إلى فضاء فقد هويته الفرجوية، غير أنها بدأت تستعيد بهجة الحياة في الليل كما في النهار مع حركية وأنشطة في مختلف المجالات، فيما يبقى أمر واحد ضروري، هو استحضار الجانب الصحي، الذي يعد ضمن أولويات الجهات المسؤولة عن تدبير المدينة والسياحة، استعدادا لاستقبال زوار المدينة الحمراء. ولأن جائحة "كوفيد- 19" ارتبطت بالجهاز التنفسي، فإن مسألة نظافة هواء مراكش تفرض نفسها بقوة، لما لذلك من دور في ضمان حياة آمنة لسكان عاصمة النخيل وزوارها، فهذا الوضع الطارئ علّم الجميع ضرورة طرح آليات الحكامة المعتمدة لتدبير الشبكة الجهوية لمراقبة جودة الهواء، والإجراءات الواجب اتخاذها من أجل مكافحة تلوث الهواء وضمان كسب رهانات التنمية المستدامة بجهة مراكش. فهل ما كان متوفرا من وسائل النقل يمكن أن يلائم هذا التحدي الجديد؟ وكيف يمكن تغيير سلوكات المراكشيين والمغاربة للتقليل من استخدام دراجاتهم النارية وسياراتهم خلال جولاتهم؟ وبأي معنى يمكن الحديث عن فقدان أهل مراكش عادة استعمال الدراجة العادية والمشي بين المنتزهات والأزقة التي تحكي تاريخا عريقا؟ وإلى أي حد يأخذ المسؤولون هذا المستجد بعين الاعتبار؟ وهل يمكن للحملات التحسيسية بالحفاظ على جودة الهواء أن تكون كافية؟ وما دور النصوص القانونية الزجرية في تحقيق ذلك؟.. تلكم أسئلة ستوجه هذا الربورتاج لمقاربة هذه الإشكالية. في لقاء مع هسبريس، أوضح بوجمعة بلهند، الرئيس المنتدب لجمعية "مدرسي علوم الحياة والأرض" بمراكش، أن "النقل والتنقل أصبح إشكالية كبيرة بسبب إفراز الغازات الدافئة، مما يرفع مخاطر التلوث، الذي تجاوز العتبة المحددة من طرف منظمة الصحة العالمية، لذا يشكل هذا الموضوع أولوية بالنسبة إلى مدينة تراهن في اقتصادها على السياحة، واستقطاب أكبر عدد من الزوار محليا ودوليا". وأكد بلهند على ضرورة تجاوز احتفالية تقديم التقارير حول جودة الهواء، التي دأبت الجهات الرسمية على تنظيمها بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للبيئة، الذي اختير له هذه السنة شعار "استعادة النظم البيئية"، في الوقت الذي يشكل هذا الإشكال رهانا اجتماعيا يهم كل مواطن داخل الوطن وخارجه، وهو ما جاءت الجائحة لتبرزه، من خلال تعزيز أهمية نظافة الجسد والمحيط، لذا وجب تشجيع استعمال وسائل النقل النظيفة، باعتماد الدراجة العادية التي تعتبر وسيلة النقل الأكثر انتشارا بمدينة مراكش، ومن موروثها، يضيف الرئيس المنتدب لجمعية "مدرسي علوم الحياة والأرض". وكشف عبد الصادق لفراوي، رئيس جمعية "حماية المستهلك" بجهة مراكشآسفي، أن حالة النقل والتنقل تختلف باختلاف المدن، موضحا أن "مدينة مراكش كحاضرة كبيرة تشكو من مشاكل الطرق، وكثرة حوادث السير، وارتفاع التلوث الناتج عن كثرة وسائل النقل من مركبات ودراجات نارية، حيث أصبحت أزقة المدينة العتيقة تعيش مشاكل جمة بسبب كثرة الدراجات النارية التي أصبحت تجوبها خلال جميع ساعات اليوم، جاعلة منها نقطة سوداء في تلوث الهواء". وتابع لفراوي قائلا: "هذا الوضع أصبح يعيق ولوج المواطنين وزوار المدينة إلى أحيائها وأزقتها، مما يؤثر سلبا على الدينامية التجارية، وسيبطئ دينامية تعافي الاقتصاد المراكشي من تداعيات جائحة كورونا". وأضاف أن "هذه المشاكل تجعل المسؤولين بالمؤسسات المنتخبة والسلطة المحلية والأمنية أمام إلزامية وضع حلول آنية لتيسير الولوج إلى المدينة العتيقة للقاطنين والتجار والزوار على حد سواء". وفي يوم دراسي نظم بعمالة عاصمة النخيل، بمناسبة اليوم العالمي للبيئة، من طرف المديرية الجهوية للبيئة بجهة مراكشآسفي، بشراكة مع ولاية جهة مراكشآسفي، وبدعم من المختبر الوطني للدراسات ومراقبة التلوث التابع لقطاع البيئة، حول تنزيل البرنامج الوطني لمراقبة جودة الهواء على مستوى جهة مراكشآسفي، أكد والي الجهة كريم قسي لحلو على أهمية العناية التي يحظى بها قطاع البيئة من طرف الملك محمد السادس، لارتباطه العميق بكل المجالات الاجتماعية والاقتصادية وانعكاساته على مستوى التنمية البشرية. وأشار الوالي إلى "التجربة الكبيرة التي يتوفر عليها المغرب في المجال البيئي، والتي مكنته من وضع ترسانة مهمة ومتنوعة من القوانين للحفاظ على البيئة، رافقتها خلال السنوات الأخيرة نصوص تطبيقية من أجل تحقيق التنمية المستدامة"، مضيفا أن هذه المناسبة العالمية تمثل فرصة لتوسيع قاعدة السلوك المسؤول للأفراد والشركات في سبيل المحافظة على البيئة، وعرض الجهود التي بذلت من أجل مكافحة تلوث الغلاف الجوي على مستوى الجهة عبر آليات الحكامة المعتمدة لتدبير الشبكة الجهوية لمراقبة جودة الهواء وضمان كسب رهانات التنمية المستدامة بهذه المنطقة. من جهته، أوضح المدير الجهوي للبيئة، نور الدين برين، أهمية انخراط جميع الفعاليات في هذا البرنامج المتعلق بحماية وتدبير البيئة بصفة عامة، لاسيما في الجانب المتعلق بجودة الهواء والتصدي لمحاربة التلوث الهوائي، مشيرا إلى وضع المغرب الآليات القانونية والتقنية والتمويلية في أفق 2030 لمحاربة هذه الظاهرة. وأضاف "من المنتظر أن يتوفر المغرب على 140 محطة قياس جودة الهواء بكل المدن التي يفوق عدد ساكنتها 200 ألف نسمة، في ظل وضعية بيئية مطمئنة تتطلب المزيد من الجهود للحفاظ على مدن بيئية نظيفة لاستقبال السياح الأجانب والمغاربة في ظروف إيكولوجية أفضل". وقال إن جهة مراكشآسفي تتوفر حاليا على 9 محطات لقياس جودة الهواء، وقد تصل في أفق 2030 إلى 15 محطة. هذه المجهودات الرسمية لا تكفي لوحدها، يقول بوجمعة بلهند، لأن هذا التحدي يحتاج إلى خطوات أخرى، من قبيل تهيئة فضاءات بشوارع المدينة تُمنع على وسائل النقل الملوثة، وتقاسم التقارير السنوية المرتبطة بقياس جودة الهواء مع الشركاء بالمجتمع المدني وعموم المواطنين لإشراكهم في تحمل مسؤولياتهم، مع سن قوانين زجرية تتأسس على تغريم المخالفين، وتحسيس زوار المدينة بأفضلية ركن سياراتهم خارج المدينة القديمة بساحة الباب الجديد، واستعمال وسائل النقل العمومية. أما بالنسبة إلى الطبيب أحمد المنصوري، فإن الحل الأمثل، في نظره، للمساهمة في الحد من تلوث الهواء بمدينة الحدائق، هو إحداث "ترام تحت أرضي"، مضيفا أن المبادرة التي عرفتها مراكش والدار البيضاء أبانت عن فشلها، ولم تؤت أكلها إلى حدود اليوم. فيما يقترح بلهند نقل تجربة أكادير، التي تتميز بانتظام في السرعة بمعدل حافلة واحدة كل 5 دقائق، مما سيمكن من تقديم خدمة بين الأحياء والمناطق الحضرية الرئيسية، وهذا سيساعد سكان مدينة مراكش على التخلي تدريجيا عن الاعتماد على نقلهم الخاص، الذي يسبب الاكتظاظ وكثرة حوادث السير وتلوث الهواء.