البكالوريوس نظام جديد تقرر العمل به ابتداء من السنة المقبلة في الجامعات المغربية؛ إصلاح تأجل لسنة كاملة بسبب تداعيات أزمة كورونا. اتخذ القرار، لكن ليس أغلب التلاميذ على علم به. هسبريس التقت عددا من التلاميذ بمختلف ربوع المملكة، منهم من يدري أن النظام الجديد سيدخل حيز التطبيق السنة المقبلة، وآخرون، وهم كثر، لا علم لهم به على الرغم من أنه يعنيهم مباشرة. وقال عبد الرزاق بنساكة، رئيس قسم الإعلام والتوجيه بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي، إن "نظام البكالوريوس هو الشهادة الأكثر تداولا في العالم، وهو أول شهادة للتعليم العالي بمجموعة من التجارب الدولية والجامعات الدولية الناجحة". وعدد بنساكة مزايا هذا النظام، في حديث مع هسبريس، قائلا إنه "سيمكن الطالب من جواز يتضمن مجموعة من الكفايات، سواء في اللغات أو في الكفايات الحياتية والذاتية، وأيضا في مجالات أخرى للإشهاد، سواء في المجال الرقمي أو في مجال المقاولات وريادة الأعمال، وفي مجموعة من التخصصات". وأفاد المتحدث بأن "هذا النظام سيسمح أيضا للطالب بتطوير قدرات التعليم الذاتي، وذلك من خلال تطوير نظام مختلط يجمع ما بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد والتعليم بالتناوب ما بين الجامعة والمقاولة. كما سيمكن خريجي التعليم العالي من فرص أكثر للاندماج في المجال المهني، عبر تأهيلهم في مجموعة من الكفايات الحياتية والذاتية المطلوبة من طرف المشغلين، وأيضا من خلال تأهيلهم وتمكينهم من اللغات الأجنبية، ناهيك عن أنه سيمكن الطالب من حركية دولية ووطنية أكبر، من خلال اعتماد ملحق البكالوريوس الذي سيمكن من مقروئية أكبر لشهادته المحصل عليها على الصعيدين الوطني والدولي". يعتمد المغرب حاليا نظام "LMD" (Licence-Master-Doctorat-إجازة-ماستر-دكتوراه) الذي انطلق العمل به منذ عام 2003، ويسمح بالحصول على الإجازة في ثلاث سنوات. ومن بين التغييرات التي سيأتي بها نظام البكالوريوس، التخرج بعد أربع سنوات، وتعزيز تعلم اللغات الأجنبية. ورغم ما تتحدث عنه الوزارة الوصية على القطاع من إيجابيات لهذا النظام، إلا أن الجدل يرافقه. وفي هذا الإطار، قال مختار اعمارة، أستاذ القانون الخاص بجامعة محمد الخامس، إن ما يرفضه الأساتذة هو تكرار التجربة السابقة، أي "بعد كرور 15 أو 20 سنة، نقر بأن الأمر يتعلق بنظام فاشل". الأستاذ في كلية الحقوق بسلا أضاف في تصريح لهسبريس أن "من ضمن مساوئ النظام، اعتماده على اللغات الأجنبية التي يعاني أغلب الطلبة من ضعف فيها"، مردفا أن "الإصلاح كان لزاما أن يبدأ من مستويات التعليم الثانوي والإعدادي والابتدائي قبل الوصول إلى الجامعة، وليس البدء فيه من الجامعة مع العلم أن مخرجات المراحل السابقة مخرجات ضعيفة". الجميع متفق على أن النظام الحالي بالجامعات المغربية، "LMD"، أثبت فشله؛ فحسب معلومات حصلت عليها هسبريس من وزارة التعليم العالي، فإن الجامعات المغربية تستقطب 90 بالمائة من التلاميذ المغاربة، 16.5 بالمائة منهم يغادرون الجامعة في سنتهم الأولى، و47 بالمائة يغادرون دون الحصول على أي شهادة. فقط 19 بالمائة من المسجلين في سلك الإجازة يستطيعون الحصول على هذه الشهادة، وفقط 13.3 بالمائة يحصلون عليها في مدة ثلاث سنوات المنصوص عليها قانونيا، فيما معدل عدد السنوات للآخرين هو ما بين 4,5 و5 سنوات. وبهذا الخصوص، قال بنساكة إن "الإحصائيات الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط تؤكد أن نسبة 19 بالمئة من حاملي الشهادات العليا يعانون من معضلة البطالة على الصعيد الوطني، وعندما ندقق في الإحصائيات نجد أن غالبية الحاصلين على الشهادات الجامعية الذين يعانون من البطالة هم من حاملي شهادة الإجازة بالمؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح". من جانبه، قال اعمارة إن "مخرجات الجامعة المغربية، بتصريح التقارير التي تنجزها المؤسسات المختصة كالمندوبية السامية للتخطيط وغيرها، ثبت أنها ضعيفة وأن خريجي الجامعات ليسوا بالكفاءة المطلوبة في السوق". وتتحدث الوزارة عن أن عدم إصلاح النظام الحالي يكلف خزينة الدولة 3.7 مليارات درهم سنويا. في المقابل، يؤكد المختصون ضرورة رصد الإمكانيات اللازمة للقيام بأي إصلاح، سواء تعلق الأمر بالإمكانيات البشرية أو المادية وحتى اللوجستيكية. في هذا الإطار، قال جمال صباني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي: "كيفما كان الإصلاح، فله تكلفة. لا يكون فقط على الأوراق، بل تلزمه إمكانيات وإرادة". وأضاف صباني في حديث لهسبريس، قائلا: "حينما تكون الإرادة لإصلاح شمولي وترصد الإمكانيات المادية والبشرية لإنجاحه، سيتم الإصلاح". وأكد صباني أن نظام البكالوريوس "مشكله هو جزئيته فيما الإشكالية هي أعقد من مجرد إصلاح بيداغوجي، لأنه قمنا بنفس هذا الإصلاح عام 2003 وبنفس المبررات ولكن كما قلناها سابقا، لا يكفي اصلاح بيداغوجي اليوم، يجب أن نقف لنقول المشاكل وتقييم التجربة ككل، وأن يؤدي التقييم إلى حلول جذرية: تغيير المنظومة ككل وإصلاحها وعلاج وضعية العاملين بالمنظومة"، على حد تعبيره. هسبريس حاولت الحصول على معطيات بشأن تكلفة إرساء نظام البكالوريوس في الجامعات المغربية، لكننا لم نحصل على رقم محدد بدعوى أن النظام هو جزء من كل. وقال بنساكة: "الوزارة تشتغل في إطار حافظة تنزيل مشاريع القانون 51.17 على إعداد مخطط للتعاقد ما بين الدولة والجامعات، يضم مجموع المشاريع المتعلقة بإصلاح منظومة التربية والتكوين، وليس فقط الجانب المتعلق بالبكالوريوس؛ إذ إن هذا الأخير هو فقط جزء من كل". من جانبه، قال اعمارة: "نحن اليوم نكرر نفس الأخطاء، ننفذ مشروعا سيحكم على أجيال خلال العشرين سنة القادمة دون أن نهيئ له الظروف الحقيقية"، مؤكدا أن العملية في رمتها تتوقف على ثلاثة عناصر أساسية، "هناك الطالب والأستاذ والظروف التي يشتغل فيها الطرفان، وهي المدرجات ووسائل التواصل والمادة العلمية والكفايات وما إلى ذلك، وإذا اختل أحد هذه الأطراف، فإن العملية ستكون فاشلة برمتها". الوزارة تتحدث عن إرساء النظام الجديد بمقاربة تشاركية على أساس أن ينطلق العمل به بشكل تدريجي العام المقبل، وسيتم تعميمه خلال الموسم الدراسي اللاحق، ليستهدف أكثر من 130 ألف طالب. وأمام إصرار الوزارة على تغيير النظام البيداغوجي، تتحدث النقابات الأكثر تمثيلية بالجامعة على ضرورة إرساء إصلاح شمولي. وقال صباني: "نحن كنقابة كنا دائما نطالب بإصلاح شمولي، لأنه في الستينات والسبعينات والثمانينات خلقنا مؤسسات غير تابعة للجامعة تقدم تكوينات ممهننة وأفرغنا الجامعة من التكوينات الممهننة التي كان لا بد أن تكون فيها، وبالتالي وصلنا إلى ازدواجية في المنظومة". وتابع بأن "الاستمرار بهذه الازدواجية لن يسمح بأي إصلاح، بل يجب حل هذه الإشكالية وأن تصبح لنا جامعة متعددة التخصصات وموحدة المعايير، أي توحيد التعليم وكل المؤسسات غير التابعة للجامعة تصبح تابعة لها". أزمة مركبة يقر البعض بأنها مرتبطة بالمستوى الجامعي، ويعتبر كثيرون أنها تتجاوزه وتنطلق من مرحلة التعليم الابتدائي، لكن يبقى السؤال المطروح هو: هل هناك طموح من أجل إرساء تعليم يرقى إلى مستوى المواطنة؟