يسافر عدد من المغاربة إلى خارج البلاد بمجرد حلول شهر رمضان المبارك، بغية التخفف من "ضوابط" الصيام، والتحرر من "قيود" الامتناع عن الأكل والشرب، وأيضا من أجل الاستمتاع بطيبات الحياة خلال نهار شهر رمضان، بحسب رؤيتهم للأمور. والتقت هسبريس مغاربة اختاروا بداية الشهر الفضيل لتكون موعدا لأسفارهم إلى أوروبا، تحت ذرائع شتى، لكنهم في الوقت ذاته لا يخفون بأن أحد أسباب قضائهم عطلهم الخاصة خلال رمضان خارج البلاد هو نوع من "الهروب" من مشاق الصوم، ونظرة المجتمع المغربي لمُفطري رمضان. "حجة وزيارة" سعيد شوفاني، مقاول في عقده الرابع، أفاد في تصريحات لهسبريس بأنه دأب على قضاء عطلته الخاصة بحلول شهر رمضان في اسبانيا أو فرنسا، حسب ظروفه الشخصية، كاشفا بأنه "لا يستطيع تحمل "أعباء" الصوم، فيسافر إلى بلد ينغمس فيه وسط مواطنيه حيث يفطر هناك بكل حرية دون أدنى مضايقات". وتابع المتحدث بأن بإمكانه أن يمكث في مدينته، ولا يصوم لأسباب خاصة به، فلا أحد وصي عليه، غير أن أكثر ما يزعجه يضيف المقاول هو موقف بعض أفراد أسرته والمقربون منه، وحتى المجتمع المغربي الذي لا يتسامح مع المفطرين، إلى حد العداء والكراهية". واسترسل بأنه "لو كان المغرب بلدا يعترف بأحقية مواطنيه في الصوم من عدمه، دون تجريم فعل إفطار رمضان، لما لجأ إلى قضاء رمضان في الخارج"، قبل أن يكمل قوله بأن "سفره إلى أوروبا في رمضان "حجة وزيارة" كما يقال، لأنه يتابع بعض أنشطته المهنية هناك". انسجام مع الذات؟ ومن جهته أفصح سمير .ب.، إطار بنكي عالي، عن سفره خارج المغرب كلما حل شهر رمضان، لأنه لا يطيق نفاق المغاربة، على حد تعبيره، إذ بمجرد مجيء هذا الشهر حتى تنقلب أحوالهم من الفسق والمجون إلى التوبة والإيمان، مضيفا أنه سيكون سعيدا لو بقي حالهم على هذا الأمر، غير أنهم سرعان ما يعودون إلى طبيعتهم الأولى بمجرد انصرام رمضان. وأردف سمير، في تصريحات لهسبريس، بأن السبب الثاني الذي يدفعه لاختيار قضاء عطلته السنوية تحديد في رمضان خارج المغرب، يكمن في كونه يشعر بحرية أكبر، كما أنه يكون حينئذ أكثر انسجاما مع ذاته، حتى لا يضطر للصوم فقط من أجل أن ينال رضا محيطه ومجتمعه" وفق تعبير المتحدث. ولم يُخْف مصطفى .د.، صاحب شركة استيراد وتصدير، عادته في السفر إلى بعض البلاد الأوروبية خلال شهر رمضان، ليس فقط لأنه لا يقوى على الصوم كامل الشهر، بل لأنه ظروف عمله تستوجب منه السفر والتنقل بين العواصم العالمية"، مضيفا بأنه "عندما يحل رمضان يكون حينها في إيطاليا أو بلجيكا أو ألمانيا، فيعيش مثله مثل مواطني تلك البلدان". فئة شاذة وبالمقابل قال أحمد معروف، مهاجر سابق إلى فرنسا، في تصريحات لهسبريس، إن الحديث عن توجه مغاربة إلى خارج البلاد، من أجل عدم الانضباط لشهر الصيام دون أدنى متابعة أو إحراج، فيه الكثير من التهويل وغير قليل من المبالغة". ويشرح المهاجر إلى أنه "استنادا لما عاشه في بلاد المهجر طيلة سنوات، فإن لجوء بعض المغاربة إلى الدول الأوربية لقضاء عطلتهم هناك خلال رمضان، من أجل الإفطار بكل حرية، يعد أمرا غير شائع، ولا يمكن تعميمه على جميع من يسافر في رمضان إلى أوروبا". وبالرغم من عدم شيوع ظاهرة سفر المغاربة إلى أوروبا من أجل تفادي الصيام، شدد محمد بنبشير، الواعظ الديني، على أنه "أمر مُقلق ولا ينبغي السكوت عنه، فبقدر ما لا يجب تهويله، بقدر ما ينبغي عدم تهوينهأيضا"، مشيرا إلى أن "كل سلوك منحرف يتعين تصويبه وعدم تركه دون تقويم". وزاد الواعظ بأن "الذي يجب أن يعلمه مثل هؤلاء الذين "يفرون" من تعاليم الدين الإسلامي إلى بلاد أوروبا، هو أن الله الذي أوجب رمضان على المسلمين يوجد في المغرب، كما يوجد في أوروبا وأمريكا، فهو مع عباده أينما حلوا وارتحلوا"، مُعزيا حدوث مثل هذه السلوكيات إلى ضعف مراقبة الله وغياب الوازع الديني عند هذا الصنف من البشر". سلوك الميسورين..وتوعية الدين وبالنسبة للباحثة في علم الاجتماع ابتسام العوفير، فإن مثل هذه الحالات واردة جدا، ومن "الطوباوية" عدم استحضارها أو إغفالها، حيث يتذرع البعض بعدد من الأسباب الخاصة أو الدوافع المهنية من أجل السفر إلى أوروبا، وقضاء عطلهم الصيفية هناك بحلول هذا الشهر الكريم". وأضافت الباحثة، في تصريحات لهسبريس، بأن أول ملاحظة يمكن تسجيلها في هذا السياق هو أن من يقومون بمثل هذه السلوكيات هم بالطبع من فئة الميسورين، فلا يمكن لفقير أو صاحب دخل محدود أن يسافر إلى أوروبا لقضاء عطلته، وإفطار رمضان هناك بحرية، فهذا غير منطقي تماما". وثاني الملاحظات، تُكمل العوفير، تتجسد في أن الإقرار بمسألة السفر خارج البلاد من أجل إفطار رمضان، عدا أنه لا يتأتى للجميع، فهو أمر يتضمن شجاعة أدبية من هؤلاء، باعتبار حساسية الموضوع في مجتمع محافظ كالمجتمع المغربي، والذي يتصرف إزاء الصيام بشيء من القداسة لا يتصرف بها نحو عبادات أخرى مثل الصلاة والزكاة". وذهبت المتحدثة إلى أن "إفطار رمضان بدون أعذار شرعية أمر يبقى بين الله وعبده، فكما هو يجزي عباده بصيام رمضان، فكذلك عقاب الإفطار يكون من عنده سبحانه وحده لا غير"، مشيرة إلى أن "هذا الأمر يتطلب توعية دينية من طرف العلماء حتى يعلم الجميع أن الصوم ليس عقوبة أو شيئا ثقيلا على المسلم، بل مجرد عبادة تأتي مرة واحدة في السنة فقط".