لا توجد علاقة تربط أو يمكن أن تربط بين الأمير بهاء الدين قراقوش وصديقنا ابن بطوش سوى أن حكايات الأول التي سجلها لنا كتاب "الفاشوش في حكم قراقوش" في القرن السادس الهجري، وحكايات الثاني التي جرت أطوارها بين أرض جارين من جيراننا تثير الضحك وقد تصلح متنا لمسرحية هزلية، ترفه عن الناس وتنسيهم كرب كورونا. صحيح أن القضية جدية ولا تحتمل الهزل، ولكن الكثير من الأحزان قد تجعل الإنسان يغرق في الضحك. في الكتاب المذكور، تشير كلمة الفاشوش إلى الغباوة والعته. ولعلنا نجد الكثير من ملامح هاتين الخاصتين في فصول حكاية صديقنا ابن بطوش. كيف يمكن لدولة قائمة الذات، تحترم مؤسساتها وتحترم تاريخها وهوية مواطنيها أن تُقْدم على منح شخص ما هوية مزورة لدخول بلاد أخرى تشكل الهجرة غير الشرعية أحد أكبر كوابيسها؟ هي سابقة بكل المقاييس، خصوصا وأن الأمر لا يتعلق لا بالتجسس ولا بالأمن القومي، وإنما فقط بشخص، ذاع خبر مرضه، ولا يمكن لأي كان أن يجادل في حقه في العلاج، بما في ذلك المغرب، غريمه الأساسي والذي لا يعلم صاحبنا أنه أعلن ومنذ مدة التزامه بحقوق الإنسان، "كما هي متعارف عليها دوليا" وأن "الوطن غفور رحيم"، وبما في ذلك ضحاياه أنفسهم، الذين إن طالبوا بشيء ضده فسيطالبون بالعدالة لا بالانتقام. لم يكن الأمر يتطلب كل هذا اللف والدوران بقدر ما كان يتطلب إخبارا مسبقا وتنسيقا ثلاثيا، بين المغرب وجاريه، على أساس أن المسألة تهم حالة إنسانية، ليس إلا. لكن التطوع اللامشروط للجار الأول لمنح هوية مزورة والتستر غير المفهوم للثاني عن الضيف وهويته المزورة، لا ينبئان بالخير، ولا ينمان عن حسن نية وعن رغبة في الحفاظ على علاقات حسن الجوار. إن إدارة الأمور بالطريقة التي تمت بها تؤكد أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن الأمر يتعلق بتواطئ صريح للمس بمصالح المغرب وبمعاداة مقصودة لقضيته الترابية. من المثير للاهتمام والاستغراب أيضا أن أحد الجارين نفسه يعاني من توجهات انفصالية داخلية، تفجرت بشكل عنيف خلال الفترات القليلة الماضية، لتتدخل الدولة المركزية بكامل سطوتها، ويتم اعتقال رؤوس الفتنة وإحالتهم على المحاكمة. لا يقبل الجار أبدا المس بوحدة ترابه. تلك مسألة لا تقبل أنصاف الحلول. لكن، وبالنظر إلى أننا في كتاب "الفاشوش"، فإن الجار المعني لا يجد حرجا في استقبال من يهدد الوحدة الترابية لجاره، ناسيا أو متناسيا أن هذا الأخير هو نفسه البلد الذي رفض استقبال الانفصاليين الكتلانيين، ومنع قنصليته في الإقليم المصر على الانفصال من أي تواصل معهم. وإذا تحدثنا بلغة المصالح، وهي اللغة التي يسمو صوتها على كل الأصوات في العلاقات الدولية، وهي التي تبني المواقف وتحدد الأصدقاء والخصوم، كيف لبلد أن يضحي بشريك استراتيجي، يحتاجه اقتصاديا كما يحتاجه أمنيا، وربما هذا هو الأهم، ليدعم ابن بطوش الذي يشتري الوهم من عرابه، جارنا الآخر، ويبيعه لحفنة من ضحايا أطروحات متجاوزة؟ لم ينتصر ابن بطوش، ولا ننصحه أن يحلم بذلك. ولكنه فقط أضاف فصلا جديدا لفكاهة كتاب "الفاشوش". أسدلوا الستار! *باحث، جامعة مولاي إسماعيل، مكناس