في إطار الجهود المبذولة لاستكمال ورش إصلاح منظومة العدالة، دشنت رئاسة النيابة العامة، اليوم الجمعة، لقاء تواصليا وتنسيقيا بين المسؤولين القضائيين والأمنيين، استهل بلقاء مع المديرية العامة للأمن الوطني، سيليه لقاء مماثل، غدا السبت، مع الدرك الملكي. ويأتي اللقاء التواصلي والتنسيقي بين رئاسة النيابة العامة والمديرية العامة للأمن الوطني، المنعقد بمقر المعهد العالي للقضاء بالرباط، بحضور ثلة من المسؤولين القضائيين والأمنيين، بهدف تقوية وتعزيز التعاون بين المؤسستين، ومن أجل تذليل الصعاب التي تواجه عملهما المشترك. وأكد مولاي الحسن الداكي، الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، أن مصالح الشرطة القضائية بمختلف رتبها ودرجاتها "هي عين النيابة العامة التي ترى بها وأذنها التي تسمع بها، والتي تحيطها علما بكل تفاصيل الجرائم المرتكبة ومقترفيها ومشاركيهم أو المساهمين معهم في ارتكابها، وتنجز الأبحاث اللازمة بشأنها". وأضاف المسؤول القضائي بأن النيابة العامة هي الجهة التي خولها القانون صلاحية الإشراف على الأبحاث الجنائية وتسييرها، وتوجيه التعليمات لضباط الشرطة القضائية بخصوصها، والاستعانة بهم للتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة، وإيقاف مرتكبيها؛ لكنها لا يمكن أن تفعل صلاحياتها الدستورية والقانونية بالشكل المطلوب دون عمل الشرطة القضائية. وتهدف رئاسة النيابة العامة والمديرية العامة للأمن الوطني، من خلال اللقاء التواصلي والتنسيقي الأول من نوعه بينهما على الصعيد المركزي، منذ استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية، إلى تبادل الأفكار والرؤى حول العمل المشترك بينهما على مستوى تدبير الأبحاث والإجراءات الجنائية والرفع من مستوى تنظيم وتأطير التعاون في أفق التأسيس لتجويد الأداء وتقديم خدمة أفضل للعدالة وللمواطن عموما ومرتفقي العدالة على وجه الخصوص. وقال مولاي الحسن الداكي إن اللقاء التواصلي والتنسيقي "يشكل فرصة مهمة من أجل تشخيص الوضع القائم لشرعية الأبحاث القضائية بغية تثمين مكامن القوة ومعالجة مكامن النقص"، ومناسبة أيضا "لرصد الصعوبات والإكراهات التي تواجه سلطات إنفاذ القانون في الممارسة العملية". وشدد المتحدث ذاته على أن التنسيق بين رئاسة النيابة العامة والمديرية العامة للأمن الوطني يهدف، أيضا، إلى إيجاد حلول واقعية لها للصعوبات التي تواجه سلطات إنفاذ القانون، تستمد أساسها من الإطار القانوني المنظم للأبحاث الجنائية، وإضفاء لمسة وبعد حقوقيين على هذه الأبحاث، بما يكفل تحقيق التوازن المنشود بين مكافحة الجريمة والحفاظ على أمن المجتمع من جهة، وصيانة الحقوق والحريات وكفالة كرامة المواطنين من جهة ثانية. وبالرغم من أن مهمة إنجاز الأبحاث الجنائية وإحالتها على العدالة، التي تقوم بها النيابة العامة والشرطة القضائية، تتم "بتنسيق كامل وسلاسة، وثقة متبادلة، واحترام تام للضوابط القانونية"، فإن رئيس النيابة العامة سجل أن الممارسة "تكشف بين الفينة والأخرى بعض الثغرات القانونية، أو الصعوبات العملية". وأوضح المسؤول القضائي أن هذا الأمر يقتضي تشخيص الوضع القائم بخصوص تدبير الأبحاث والإجراءات ورصد مكامن القوة والضعف فيها، كما يقتضي دراسة سبل رفع جودة تدبير الأبحاث القضائية، ومواكبة التزامات المغرب الدولية وتوجهاته الإستراتيجية عبر تكريس وتقوية دعائم الحقوق والحريات في الأبحاث القضائية، ودراسة سبل تكريس القيم والمبادئ الأخلاقية في تدبير المهام المشتركة بين النيابة العامة والشرطة القضائية، فضلا عن تحسين ولوج المرتفقين للعدالة وتطوير آليات التواصل معهم. ويشتمل برنامج اللقاء التواصلي والتنسيقي بين رئاسة النيابة العامة والمديرية العامة للأمن الوطني على أربع ورشات، يشارك فيها المسؤولون القضائيون والأمنيون؛ تتعلق بفحص وضعية إدارة التحقيقات والإجراءات وتحديد نقط القوة والضعف، وتعزيز الحقوق والحريات في إطار الأبحاث القضائية، وتحسين مستوى الولوج إلى القضاء وعصرنة وسائل الاتصال، وتكريس القيم والمبادئ الأخلاقية في تدبير المهام المشتركة بين النيابة العامة والشرطة القضائية. وأفاد رئيس النيابة العامة بأن الأهداف المسطرة للقاء التواصلي والتنسيقي مع المديرية العامة للأمن الوطني تشكل لبنة إضافية لاستكمال ورش إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، مبرزا أن التوصيات التي ستتمخض عن اللقاء "يمكن أن تشكل مصدر إلهام للمشرع، ما دامت تستمد مرجعيتها من المواثيق الدولية ذات الصلة بالمحاكمة العادلة وحقوق الإنسان، وتسعى بالأساس إلى تجويد تنفيذ النصوص القانونية وتطويعها بما يخدم المواطن، ويحقق طموحه المشروع في عدالة فعالة، سريعة، نزيهة، في مستوى تطلعاته". وكشف الداكي أن رئاسة النيابة العامة والمديرية العامة للأمن الوطني ستعملان على إحداث لجنة للتنسيق على المستوى المركزي من أجل تتبع مخرجات اللقاء التواصلي والتنسيقي بينهما وتفعيل توصياته، بهدف إيجاد الحلول لجميع الإشكاليات المطروحة.