ليس القانون وحده من يمنع عددا من المغاربة من الأكل جهارا في شهر الصيام بل يتحول الزملاء في العمل وأفراد الأسرة الصغيرة و الجيران إلى حراس يترصدون سلوك "وكالين رمضان" للتأكد أن ركنا من أركان الإسلام لن يسقط أمام جوع من يعتبرون الامتناع عن "شهوتي البطن والفرج" فريضة لا تهم من قطع حبل الصرة مع كافة أشكال التدين من زمان. هسبريس استجوبت عددا من المفطرين وهذه تقنياتهم في التحايل على "الفريضة" ابتغاء لمرضاة المجتمع. السطوك.. أولى الخطوات تمتلئ الأسواق الممتازة عن آخرها قبل شهر رمضان وفي وقت يعمد فيه عدد مهم من الزبائن إلى اقتناء كميات كبيرة من القطاني، التوابل و المواد اللازمة لتحضير موائد الإفطار، تشهد الفضاءات الخاصة ببيع المشروبات الروحية حركية غير عادية حيث يملئ عشرات المغاربة عرباتهم بقنينات النبيذ و الجعة و غيرها من المشروبات الكحولية التي تقيهم العوز طيلة شهر رمضان. الحجباوي، أستاذ جامعي يُدرس بإحدى كليات المملكة، أمضى عقدا من حياته الجامعية والمهنية بإسبانيا حيث عاش شهر الصيام كباقي شهور السنة يتناول وجبات اليوم الثلاث ويتقاسم أكواب النبيذ حول طاولات مطاعم اشبيليا بعيدا عن ما يسميه بخدام الكهنوت ومندوبي الله في الأرض. بعد عودة الحجباوي إلى المغرب صحبة زوجته البرتغالية، لجأ الى "البيسري" للتزود بكمية الخمور التي تكفيه شهر رمضان. اخلص الرجل لنفس أسلوبه في العيش داخل بيته بالعاصمة الى أن وقع "حادث غريب"، يحكي الأستاذ في لقائه بهسبريس، "تناولت وجبة الغداء داخل بيتي في أحد أيام رمضان، سنة 2010، و بعضا من كؤوس النبيذ الابيض.. خرجت متوجها الى المكتبة الوطنية، استوقفت سيارة أجرة صغيرة و هنا بدأت المتاعب..". يحكي الحجباوي أن سائق الطاكسي تقاسم معه أطراف الحديث حول مكرومات "الشهر الفضيل" فما كان من الأستاذ إلا أن حور النقاش نحو أحوال الطقس و "نرفزة" بعض من يقفون وراء مقود السيارات في شوارع المدينة.. الإطالة في الحديث جعلت سائق سيارة الأجرة يشتم رائحة الخمر المنبعثة من فاه الأستاذ الجامعي فتحول السائق إلى "مفتي الديار" يصدر أحكام التكفير و هو يوجه عربته نحو إحدى الدوائر الأمنية بالرباط لتطبيق القانون في حق من "أساء للإسلام و المسلمين" يقول الحجباوي. في الدائرة الأمنية استمع ضابط الشرطة المداوم إلى سائق الطاكسي بكثير من التركيز قبل أن يشكره و يطلب منه المغادرة. خرج السائق منتشيا، حسب وصف المستجوب، و قد أسقط سكيرا من "دعاة الكفر" قبل أن يطلق الضابط سراح الأستاذ دون فتح محضر استماع مع الاكتفاء بنصيحة واحدة "حضي راسك أدكتور هذا المغرب ماشي أوروبا..". عادة شهرية لا تنتهي خديجة، محامية في عقدها الثالث، تجربتها مع الصيام لم تتجاوز مرحلة الثانوية قبل أن يتحول شهر الصيام بالنسبة لها الى شهر لا تختلف فيه طقوس عيشها عن باقي الشهور. لم تنخرط خديجة في مرحلة الجامعة داخل تيار يساري أثر على قناعاتها، كما حكت لهسبريس، بل كانت ليبرالية فكرا و ممارسة فراجعت علاقتها بالدين التي لم تكن قوية أصلا، مما دفعها إلى التخلي عن "ركن الصيام" و الطهي مع زميلاتها في البيت المكترى بحي قريب من جامعة القاضي عياض بمدينة مراكش. استقلالية السكن و المال ساعدا المحامية في ممارسة حريتها الفردية دون إشكال يذكر باستثناء "التخبية" التي تمارسها أمام سكرتيرتها كلما احتاجت الى رشفة ماء. قررت والدة خديجة أن تصوم صيف 2012 في بيت المحامية العازب ليبدأ مسلسل الكذب طيلة شهر الصيام. لم تكن المحامية مستعدة لتحمل الجوع إرضاء للوالدة، وفق تعبيرها، غير أنها لم تكن مستعدة لصدمها بحقيقة أن البنت التي نشأت في بيئة محافظة قررت التمرد على معتقد الآباء و الأجداد و هو ما دفعها إلى ابتداع حيلة مفادها أنها تعاني اضطرابا هرمونيا يجعل دم الحيض لا ينقطع ما يستدعي نظاما طبيا و غذائيا لا يحتمل الصيام. أغلقوا النوافذ.. أكبر عدو ل"وكالين رمضان" هي النوافذ التي لا تحمل أشعة الشمس و الهواء العليل فقط بل تحمل معهما نظرات الفضوليين و تُخرِج روائح "البْلْيَة" المنبعثة من سجائر المدخنين. العبدي، أستاذ التربية الإسلامية بإحدى ثانويات أنفا بمدينة الدارالبيضاء، يعيش وضعا يصفه لهسبريس بالمركب، طبيعة المادة التي يدرسها تفرض عليه سلوكا سمته التدين غير أن معلم الاسلاميات، ملحد كما يقر، و يظهر جميع علامات "التحرر" لتلاميذه و محيطه. تحرر لا يصل حد الجهر بالإفطار في رمضان. يقول العبدي "أنا لا آكل في رمضان لأن شهيتي عموما على قد لحال.. غير أني لا أستطيع مقاومة السيجارة.. أقفل النوافذ و استسلم لرائحة البن و الدخان مبحرا بين المواقع الالكترونية و القنوات التلفزية التي تتحول إلى نشاط رئيس في رمضان.." العبدي غير مقر سكناه هذه السنة، حسب ما رواه لهسبريس، و السبب هو أن عضوا في جمعية أباء و أمهات التلاميذ التابعة لمؤسسته التعليمية يسكن الطابق العلوي و قد أخبره في شهر رمضان الفائت أن أحد الزنادقة يقطن العمارة، دليل الجار على الزندقة هو رائحة السجائر التي تملأ سلاليم العمارة طوال النهار. أستاذ الفلسفة اختار العمل بالحديث القائل "إذا ابتليتم فاستتروا" في أفق دولة مدنية و مجتمع متسامح يحترم حرية الأفراد.." وفق تعبير آخر المستجوبين من طرف هسبريس. ملحوظة: كل الأسماء مستعارة