كلما تأملتُ الكتابات التي تُفرزها هذه الأيام الكورونية، وغير الكورونية، بغزارة أشبهَ بغزارة الوَبْلِ إن لم تكن هي هو، أحسستُ بنوع من الإشفاق والتحسُّر. فكثير من الأقلام في اللحظة الحاضرة استغرقها هول كورونا، وعلو ما يجري من أحداث، فأضحتْ تستمد حبرها من دواته، وتُبدِع كتابة آنية، كالأُكلات الآنية، مكتفيةً بالنظر إلى الآن، ولا تمد عينيها إلى الغد، كأنَّ الغدَ لا قُرَّاء فيه. مما يعني أن ما يتفتق عنه خيالها من نصوص لا أفُق له منفسحاً في الزمن المُقبِل، لأنها نصوص لحظية عابرة، منذورة لقراءة واحدة، كما الشطيرة المنذورة لآكلٍ واحد، وكما المنديل الورقي المنذور لاستعمال واحد كذلك، وكما كثير من المنتجات المُعدَّة لاستعمال واحد فقط. إن أخوف ما نخافه، في الظرفية الراهنة، أن تتحَول الكتابة الإبداعية – تحت ضغطِ الطارئ الكوروني وغيره، وضغطِ الحَجر الصحي المطلوب قانونا – إلى منتَج مَزهُو بذاته، وباستحسانِ عينِ المتلقي له في التوِّ واللحظة، يُلقَى في سلة النسيان والإهمال، لأنه وليد برهة مماثلة لفقاعة الصابون، فحين تزول تلك البرهة يزول معها، مثله مثل أغلب المنتجات المكرَّسة لاستعمال وحيد فقط، والتي يكون مصيرها الوأد بعد انتفاء الحاجة إليها، لكونها لم تعد مفيدة للحياة. إن النصوص التي لا تتعلق بالآني ولا بالعابر هي تلك التي يكون نبضُها نبضَ اللانهائي، لغةً وتخييلاً، وتَصوُّرا وحرارةَ دَمٍ، وإيقاعَ كونٍ وذاتٍ، لا إيقاعَ نفْسٍ منعزلة في ثقبِ إِبرَةٍ.