10 ملاحظات أولية حول المسكوت عنه في تقرير النموذج التنموي الجديد لا أحد يماري اليوم في العلامات المضيئة والأفكار الثمينة التي تضمنها التقرير العام لنموذج التنمية الجديد، غير أنه اعتبارا لكونه يعد بناء يتوخى منه طرح الأسئلة الكبرى في التعبير عن رؤية إستراتيجية في البلاد، فلا بد أن نبدي بعض الملاحظات الأولية حول المسكوت عنه في التقرير كما يلي: 1. عدم الاستجابة بما فيه الكفاية لمختلف مضامين ومتطلبات "كناش التحملات"، العبارة الشائعة في لغة الخبراء، كما سطرها الخطاب الملكي بوضوح وبكل حذافيرها (التحملات)، والقاضية بشأن عمل اللجنة "بكل تجرد وموضوعية، وأن ترفع للملك الحقيقة، ولو كانت قاسية أو مؤلمة، وأن تتحلى بالشجاعة والابتكار في اقتراح الحلول". 2. غياب الاستناد إلى التجارب الدولية المقارنة الناجحة والفضلى في تحقيق التنمية الإنسانية الشاملة، مثل تجربة سانغفورة وكوريا الجنوبية وتايوان، وأسباب نجاحها وتألقها عالميا والدروس المستنتجة من ذلك في بناء نموذج مثالي وعملي. ابن خلدون يقول: "بأضدادها تعرف الأشياء". 3. غياب المرجعية النظرية والجيو-إستراتيجية والاقتصادية في طرح الأسئلة الكبرى والمخاطر المحدقة بالبلاد في بناء براديغمات النموذج التنموي المثالي، وبناء عقيدة تنموية قوية تستند إلى المعرفة العلمية العميقة في بلورة المشروع المجتمعي، فكرا وممارسة (بزوغ ملامح اقتصاد الصالح العام والحياة). 4. عدم استثمار مفهوم الحلم المغربي لتعبئة المجتمع في تحقيق هذا الحلم في عمقه الإستراتيجي والإنساني والحضاري الدولي والإفريقي والمغاربي والعربي، عبر تمجيد قيم العمل والإنتاج والاستحقاق والكفاءة على حساب سلوكيات وعقليات الريع ومنظومة التفاهة. 5. المعيقات المنهجية المتمثلة في تشتت الأفكار وعدم الربط الجدلي بين المكونات وغياب التركيب...ما جعل التقرير ركيكا وغير محفز على القراءة وغير قادر على إعطاء خريطة طريق واضحة المعالم؛ إذ إن المعدن البارد للخطاب لم ينغمر بعبارات ساخنة قد تغلي بحيث تكتسب درجة حرارة في مستوى تطلعات وسقف الانتظارات العالية للأمة. 6. عدم استثمار التقرير الدائرة الفاضلة لربط المسؤولية بالمساءلة ولمعيقات هيئات الحكامة وتعددها وكلفة اشتغالها الباهظة على مالية الدولة، في غياب نجاعة الأداء أو أي مردودية تذكر في مواجهة تنامي الفساد والزبونية في التوظيف وتهريب الأموال وتضارب المصالح وعيوب السوق والاحتكار. 7. طرح الاستدانة (المديونية الخارجية) في تمويل التنمية كجزء من الحل بدل كونها جزءا من المشكلة، اعتبارا لحمولتها الثقيلة على الأجيال المقبلة، بدل التركيز على التضريب التصاعدي للفلاحة والثروة من خلال تبني إصلاح جبائي وتعبئة الموارد الداخلية وترشيد النفقات وتقوية المراقبة الداخلية على المال العام. 8. عدم استثمار مفهوم السعادة الإجمالية الداخلية (BIB) عند المغاربة المتدنية دوليا واعتماد تحليل كمي(PIB) في تضاعف الدخل الفردي إلى 16000 دولار في أفق 2035 في غياب مقاربة نوعية؛ وهو تحليل لم يأخذ بدوره بعين الاعتبار آثار التضخم المالي والآفات والأزمات وكلفة صدمة كوفيد المهولة على الاقتصاد والمجتمع والشباب والطبقة الهشة إجمالا، والتي قد تدوم تداعياتها عدة سنوات. وكان بالأحرى اعتماد تحسين ترتيب المغرب المتدني في سلم التنمية الإنسانية. 9. غياب التطرق للتجارب والممارسات الدبلوماسية الاقتصادية والعلمية والثقافية والفنية والأدبية، وضعف التموقع المغربي في المنظمات الدولية والإقليمية ودورها البارز في ترسيخ نموذج تنموي جديد والترافع حوله، استنادا إلى أجندة الأممالمتحدة 2030 وأجندة الاتحاد الإفريقي 2063. 10. عدم تحديد السيناريوهات المحتملة في إدارة المخاطر، في غياب أجندة خاصة حول القضاء النهائي على الأمية وتغيير العقليات وبناء الصلابة والصمود في المجتمع لرأب التصدعات العميقة التي أصابت الاقتصاد بفعل جائحة كوفيد-19، وما نتج عنها من تفاوت فادح بين الفقر المدقع والثراء الفاحش، عبر ترسيخ قيم التضامن الحقيقي ودعم الوساطة والقضاء على النزاعات داخل الإدارة والمجتمع المغربي لكي لا تفشل البلاد ويذهب ريحها.