إذا كان "عمود" المخزن المسلط على المغاربة كل يوم قاسيا للغاية ، فالأعمدة الطويلة التي يصنعها القراء كل يوم في "مصنع" هسبريس بواسطة مئات التعليقات الحارقة ، لا تقل قسوة عن عمود المخزن . المخزن يسلخنا كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة ، ونحن نرد له الصاع صاعين ، ونسلخه بالكلمات الحارقة التي لا يتوقف ألمها حتى يصل إلى العظم ، وتخلف أثرها في القلب ، لسوء الحظ فقط أن رجال المخزن في المغرب ما فيهومش النفس ، وإلا لاستقمت الأمور عندنا منذ زمان! وبما أن فضاء الأنترنت ، ومن خلاله موقع هسبريس قد منحنا ما يكفي من الحرية كي نقول للمخزن ما لا يريد أن يسمعه ، فعلينا أن نكون مثل أصابع اليد الواحدة . رغم اختلافها تشارك بعضها البعض عند القيام بأي مهمة. لا يهم أن تكون عربيا أو أمازيغيا ، ولا يهم أن تكون من سكان الجنوب أو الشمال أو الشرق أو الغرب ، المهم هو أنك مغربي في نهاية المطاف ، هذا وحده يكفي حتى ننسى خلافاتنا مع الآخرين . "" المغرب وطن لكل المغاربة ، لكن المخزن وأزلامه من أصحاب النفوذ والجاه يريدون أن يستولوا عليه ، ويسرقوه منا مثل لصوص حقيرين ، ويرمونا نحن إلى الهامش . يريدون منا أن نكون عبيدا في خدمتهم ، أن نقضي أعمارنا بالكامل في العمل داخل مصانعهم وضيعاتهم الفلاحية برواتب مخجلة لا تكفي حتى لدفع أجرة كراء شقة متواضعة لمدة شهر واحد ، بينما هم يملكون قصرا لكل واحد من أفراد عائلاتهم الكريمة ، ويربحون أموالا طائلة على ظهورنا ، ويهربونها بعد ذلك إلى البنوك في الخارج ، كي يلتحقوا بها عندما تنقضي مصالحهم الشخصية هنا ، ومع ذلك لا يخجلون ويدعون أنهم أكثر مغربية منا . يريدون منا أن ندبر أمورنا بأنفسنا ، أن نعتمد على مواردنا الضئيلة كي نتعلم ، من القسم التحضيري إلى آخر قسم ، وعندما نتخرج من الجامعة بعد أعوام طويلة من الدراسة نجد أن تلك الشهادة السخيفة التي يمنحوننا إياها ليست لها أي قيمة ، لتستقبلنا البطالة القبيحة في حضنها النتن ، ومن يقرر الاحتجاج يجد عمود المخزن في انتظاره ، بينما أولادهم وبناتهم يدرسون في مدارس البعثات الأجنبية الراقية ، ويكملون دراستهم العليا في أرقى مدارس أوربا وأمريكا ، ليعودوا بعد ذلك لاحتلال المناصب السامية في البلاد ، كما تحتل عساكر الاستعمار بلدان الآخرين . المصيبة أنهم لا يكتفون بمنصب واحد ، بل يحتلون عدة مناصب بأجور خيالية ، يكفي واحد منها لتشغيل عشرات من أبناء الشعب الضائعين . يريدون منا أن نذهب بكثافة إلى صناديق الاقتراع ونصوت لهم في انتخاباتهم الوهمية ، كي يوهموا العالم بأن المغرب بلد ديمقراطي تجرى فيه الانتخابات كما يحدث في كل ديمقراطيات العالم ، وفي النهاية تتشكل الفرق البرلمانية من تجار المخدرات والراشين الذين يشترون الأصوات بالمال الحرام ، وقليل من الأشخاص النزهاء . لذلك نفهم لماذا لا يستطيع هؤلاء البرلمانيون أن يدافعوا عن مصالح الشعب والوطن ، فهم لا يعرفون شيئا آخر غير الدفاع عن أنفسهم وعن مصالحهم الشخصية ، وليذهب الوطن والمواطنون إلى الجحيم . عمود المخزن لا يكمن فقط في هراوات قوات الأمن وأحذيتهم الثقيلة التي يتشكل جزؤها الأمامي من قطعة حديد ، ولا يكمن فقط في الصفعات المدوية التي تهز أرجاء الكوميساريات عندما تنزل على خدود المواطنين العزل ، ولا في الصعقات الكهربائية التي يختارون أهم المناطق الحساسة في جسد الإنسان لتجريب مدى فعاليتها ، ولا في كل أساليب التعذيب الأخرى . عمود المخزن يمكن أن ينزل عليك في شكل خبر صغير تقرأه على الجريدة وأنت ترتشف قهوتك الصباحية ، وتفهم منه أن الحكومة قررت بعد اجتماع وزرائها السمينين في العاصمة أن ترفع من أسعار المحروقات والزيت والسكر والحليب والخبز دفعة واحد ة ، أي كل المواد التي تربط المواطن بالحياة ، وتهدد فوق ذلك أنها تعتزم الاستغناء عن صندوق المقاصة ، باش الشعب يتفقص مزيان مع راسو . الضربات العنيفة التي ينزل بها علينا المخزن بعموده القاسي تمر في أحيان كثيرة بلا ضجيج ، لكن ألمها يكون أكثر وقعا وشدة على القلب . لذلك يجب علينا أن ننسى خلافاتنا ونتركها جانبا ، أن نكون شعبا واحدا يتشكل من مواطنين متحدين في السراء والضراء . أن تختلف معي في الرأي ، أو أن تعتنق ديانة غير ديانتي ، أوأن تتحدث لغة غير لغتي ، هذه ليست مشكلة ، فأنت في نهاية المطاف لست عدوي رغم كل هذه الاختلافات ، ما دام أن هدفنا الأسمى هو حماية هذا الوطن من بطش أعدائه وأعدائنا . العدو اللدود الذي يجب علينا أن نضع يدا في يد لمواجهته بشراسة يوجد هناك ، في كل أرجاء الوطن ، ويتشكل من جيش من المفسدين وناهبي خيرات البلاد ، هذا هو العدو الحقيقي لنا جميعا . لا يهم أن تبحث عن تعريف دقيق لمصطلح المخزن ، فذلك ليس سوى مضيعة للوقت ، ولكي لا تضيع وقتك وتختصر المسافة ، يمكنك أن تعرف المخزن على أنه مجموعة من الانتهازيين المستبدين الذين يتخيلون أنهم يملكون الأصل التجاري لهذا الوطن ، بينما نحن لسنا سوى عبيدا في خدمتهم. في موقع "هسبريس" يتشكل اليوم رأي عام قوي تزداد قوته صلابة يوم بعد يوم ، هذا الرأي العام الذي يتشكل في أغلبيته من الشباب الذي هو عماد المستقبل يمثل بعبعا حقيقيا ترتعد له فرائص المخزن . تذكرون أن الحسن الثاني قال في حوار صحفي قديم بأن التعليم يزعجه كثيرا ، "لأنه يفرز أشخاصا ينتهون إما معارضين للنظام أو منتمين إلى الحركات الإسلامية الراديكالية" . لذلك نفهم سبب هذا التردي الذي اندحر إليه التعليم المغربي ، فالمخزن يرى أن مصلحته الكبرى تتمثل في أن يظل الشعب أميا وجاهلا إلى الأبد ، باستثناء أبناء الطبقة الحاكمة طبعا. وإذا كان المخزن في العهد السابق خائفا من المتعلمين إلى هذه الدرجة رغم أنهم لا يملكون ما يكفي من الوسائل للتعبير عن آرائهم كما هو متاح اليوم ، لكم أن تتصوروا حجم القلق والخوف الذي ينتاب المخزن في الوقت الحالي بسبب الحرية التي نغتنم الفرصة لنشكر مخترع الأنترنت على إتاحتها للجميع رغم أنف أعدائها . عمود "بدون مجاملة" سنكتب فيه جميعا ، أنتم وأنا ، كل من لديه رأي أو ملاحظة أو انتقاد أو إضافة يمكن أن يتفضل بنشرها مشكورا ، فنحن عندما نكتب بهذا الشكل الجماعي نساهم في تشكيل مزيد من الفيالق الحربية التي ستقف بالمرصاد في وجه الناهبين والمفسدين ومحتكري السلطة ، ليس بالسلاح الأبيض أو الأسود ، بل بأقلام الحبر فقط ، فوقع الكلمة في العصر الحالي أشد مضاضة من وقع السيف والرصاص. والدليل هو أن الدول العربية ترغم مثقفيها وكتابها الذين ينتقدون سياسة الحكام بلا هوادة على الاغتراب والعيش في المنفى. المغاربة شعب صبور إلى أقصى الدرجات ، لذلك من حقنا أن نحلم بمغرب أفضل في المستقبل القريب. نريد أن يتقدم المغرب بدون إراقة قطرة دم واحدة ، صحيح أن المخزن لا يتورع عن إراقة دمائنا بلا شفقة ولا رحمة ، لكن من الأفضل ألا نكون سافلين مثله ونواجهه بالمثل ، فذلك لن يؤدي في نهاية الأمر إلا إلى الهلاك ، هلاك الشعب طبعا. نريد أن يتغير المغرب بأفكار أبنائه وبناته وليس بمدافع ورشاشات العسكر ... نريد أن يتغير المغرب بالكلمة النافذة إلى الأعماق وليس بحد السيف ... نريد أن يتغير المغرب بإرادة شعبه وليس بتدخل القوى الخارجية ... نريد مغربا يعمل فيه كل من يتحمل مسؤولية مهما كانت صغيرة على خدمة الشعب ، دون أن ينتظر منا أية مجاملة أو كلمة شكر واحدة ، بل أكثر من ذلك عليه أن يكون مستعدا على الدوام لسماع انتقاداتنا الحادة عندما يفعل أشياء لا ترضينا ، فخدمة الوطن والمواطنين في نهاية المطاف تبقى فرضا إجباريا وليس مجرد سنة كما يتوهم لكثيرون . ومن فوق هادشي كامل السياسة ما فيها حزارة . [email protected]