بعد مرور أيام على توقيع اتفاق المصالحة المبدئي بين الحكومة المالية وحركات الطوارق المسلحة في شمال البلاد 18 يونيو المنصرم، لا تزال النخبة السياسية المالية في أجواء الشحن التي واكبت سقوط إقليم أزواد (شمال) العام الماضي، في أيدي "الطوارق" والجماعات المتشددة التي كانت سندا و حليفا لها في تلك الفترة، قبل أن ينفرط عقد التحالف بين الجانبين. فقبل أن يجف حبر اتفاق العاصمة البوركينية "واغادوغو"، تقاذفت سهام بعض السياسيين المحليين الوسيط المالي المكلف بالأزمة "تيبلي درامي"، متهمة إياه بإبرام اتفاق مع "عصابات الجريمة و قطاع الطرق" في إشارة إلي ممثلي حركات الطوارق، وبالتنازل عن بعض القضايا التي تمس سيادة مالي وهيبة جيشها. ولم تتوقف حملة منتقدي الاتفاق على السياسيين، فقد انتقد "شيخن تقي"، و هو أحد الأقلام الصحفية الموالية للنظام في مالي، مشاركة زعامات التمرد في التوقيع على الاتفاق، وقال في مقال نشره في صحيفة "22 سبتمبر" المالية الإثنين، إنه "كان الأولي بالوسيط رفض توقيع اتفاق مع أشخاص مطلوبين لدى العدالة المالية". حالة السخط السياسي هذه دفعت بالرئيس المالي بالإنابة ديكوندا تراوري للاجتماع برؤساء الأحزاب السياسية في البلاد لشرح بنود الاتفاق وملابسات توقيعه، التي تمت برعاية الرئيس البوركيني، بليز كومباوري، وسيط الأزمة المكلف من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس). غير أن مراقبين محليين لا يستبعدون مع بدء دخول توقيت الانتخابات الرئاسية و التشريعية المقررة في 28 يوليو المقبل مرحلة العد التنازلي، أن يتم تعاطي نخبة مالي السياسية مع الأزواديين بحالة من التعقل و الحكمة تستشعر تحديات المرحلة و تستشرف آفاق مرحلة جديدة، تنقل اتفاق المصالحة المبدئي الموقع بين مالي و حركات الطوارق إلي جو من التعايش يعيد لدولة مالي سلطتها المحلية، و يمنح الأزواديين وضعا جديدا ينسيهم العيش في وطنهم كمواطنين من الدرجة الثانية. و برأي هؤلاء المراقبين فإن بوادر مرحلة جديدة بين الطرفين باتت تلوح في الأفق، فقد بدأت رسائل المغازلة السياسية تنهمر على الأزواديين، حيث دعا رئيس الوزراء المالي السابق "سوميلو سيسي" ، وأحد المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية القادمة، الماليين إلي التسامح والتصالح لتأسيس مرحلة جديدة، وذلك عشية توقيع الاتفاق بين الطرفين. كما زار "إبراهيم بوباكار كايتا" رئيس الجمعية الوطنية السابق (البرلمان) ومرشح حزب "التجمع من أجل مالي" للانتخابات الرئاسية مدينة تمبكتو بالشمال في خطوة اعتبرها مراقبون حملة سياسية سابقة لأوانها للتأكيد على جوهرية مشكلة الشمال بالنسبة لهذا الزعيم السياسي. ومع أن حدود الانفتاح السياسي لكبار لاعبي المشهد السياسي المالي على الأزواديين مازالت ضيقة، إلا أن ثمة مؤشرات قوية على أن تتسارع وتيرة هذا الانفتاح في الأيام والأسابيع القادمة متجاوزة تقديم برامج انتخابية تركز على تقديم حلول ومقاربات للإقليم المضطرب في شمال البلاد، إلي خطب ود زعامات التمرد. يشار إلى أنه وفقا لنص الاتفاق المبدئي الموقع الشهر الجاري، فإنه لن يتم نزع سلاح المتمردين الطوارق إلا بعد توقيع اتفاق شامل ونهائي للسلام بين السلطات الجديدة التي ستتولى المسؤولية عقب الانتخابات من جهة، والمجموعات المسلحة في الشمال من جهة أخرى. وبعد الانقلاب العسكري الذي شهدته مالي في النصف الأول من العام الماضي، تنازعت "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" مع كل من حركة "التوحيد والجهاد" وحليفتها حركة "أنصار الدين" السيطرة على شمال البلاد وامتدت إلى مناطق أخرى. وبعدها شن الجيش المالي، مدعومًا بقوات فرنسية، عملية عسكرية في شمالي مالي يناير الماضي لصدها واستعادة تلك المناطق. وتعد "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" أكبر تنظيم يمثل طوارق شمال مالي. وإضافة لهذه الحركة، توجد حركات أزوادية أخرى تتفاوت بشأن مسألة الحوار مع الحكومة، كما تختلف ما بين تابعة لتيار إسلامي أو غيره، ومن بينها "الحركة العربية الأزوادية" التي تم الإعلان عن تأسيسها في عام 2012، وتضم أبناء القبائل العربية بالإقليم والمكونة أساسًا من قبيلة "لبرابيش". وتُعرّف الحركة نفسها على أنها "حركة سياسية وطنية شعبية يجب أن تدخل في شراكة حقيقية مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد، رافضة تهميش بعض العرب في أزواد". أما "الحركة الإسلامية الأزوادية" فأعلنت انشقاقها عن جماعة "أنصار الدين"- التي تقاتل الحكومة - مع بدء العمليات العسكرية الفرنسية يناير الماضي.