نشرة إنذارية.. أمطار قوية محليا رعدية بالناظور ابتداء من الإثنين    طنجة: انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية    أسعار المحروقات تشهد زيادة "طفيفة" للمرّة الثانية توالياً خلال شهر بالمغرب    المغاربة أكثر الجاليات اقتناء للمنازل في إسبانيا    استثمارات كبرى لتعزيز التنمية في الناظور.. البنك الدولي يدعم مشاريع البنية التحتية بقيمة 250 مليون دولار    ترامب يثير الجدل مجددًا.. يدعو لضم كندا كولاية أميركية رقم 51    بن سلمان يستقبل أحمد الشرع في الرياض    اقتراب كأس إفريقيا يُسرّع وتيرة الأشغال بملعب طنجة الكبير    العثور على مهاجر مغربي مقتول داخل سيارته بإيطاليا    نشرة إنذارية (تحديث): تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء بعدد من أقاليم المملكة    درك شفشاون يطيح ب"ملثم" سطا على وكالة لتحويل الأموال    احتجاجاً على تقييد حق الإضراب.. الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب يدعو إلى إضراب عام    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    من طنجة.. تتويج رشيد البقالي بجائزة عبد الله كنون للفكر والأدب المغربيين    مكتب الصرف: تحويلات مغاربة العالم فاقت 117,7 مليار درهم سنة 2024    الزوبير بوحوت يكتب: السياحة في المغرب بين الأرقام القياسية والتحديات الإستراتيجية    وهبي: العدالة الانتقالية تجربة وطنية رائدة أفضت إلى تعزيز المصالحة بين المجتمع المغربي وتاريخه    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين بتهمة قرصنة المكالمات الهاتفية    بن شرقي: "اللعب للأهلي كان حلمي وسأسعى لحصد الألقاب معه"    القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    نادٍ نرويجي يتبرع بعائدات مباراته ضد فريق إسرائيلي لدعم غزة    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    كريستينا.. إسبانية سافرت للمغرب لاستعادة هاتفها المسروق بمدريد والشرطة المغربية أعادته إليها في أقل من ساعة    "هِمَمْ" ترفض التضييق والتشهير بمديرة جريدة "الحياة اليومية"    نزار بركة يترأس الدورة العادية الموسعة للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال في العيون    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    السلطات الأسترالية تعلن وفاة شخص وتدعو الآلاف لإخلاء منازلهم بسبب الفيضانات    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    المغرب يعزز موقعه الأممي بانتخاب هلال نائبا لرئيس لجنة تعزيز السلام    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأحزاب السياسية.. اقتراحات للخروج من الأزمة
نشر في هسبريس يوم 25 - 05 - 2021

أمام الأزمة المركبة التي يعيشها المشهد السياسي الحزبي، ومع تزايد فقدان الثقة في التنظيمات السياسية وفي الفاعلين الحزبيين، بسبب غياب الديمقراطية الداخلية وتدني السلوك والممارسة السياسيين، وخلود الزعماء في مناصبهم، وتحول الأحزاب إلى "دكاكين انتخابية" يستشري فيها الفساد والزبونية والمحسوبية، وصولا إلى عدم الوفاء بوعودها للناخبين، واستعمال المال والعمل الخيري المغلف بالسياسة، وأساليب أخرى بعيدة عن المنافسة السياسية الشريفة...
أمام هذا الوضع الكارثي، الذي يهدد مستقبل الديمقراطية والتنمية في بلدنا، وما دامت الديمقراطية بدون أحزاب غير ممكنة في الدولة الحديثة ودولة المؤسسات، فإن الوقت قد حان لامتلاك إرادة سياسية حقيقية لتأهيل الأحزاب وتجويد سلوكها وممارستها السياسية، حتى تكون قادرة على أداء أدوارها المنوطة بها، إنها ملزمة بامتلاك الشجاعة الكافية للانخراط في إصلاح واسع، سأحاول هنا عرض بعض الاقتراحات التي من شأنها المساهمة في تحقيق هذا الهدف بشكل تدريجي، مع ضرورة الإشارة إلى أنني سأركز على الجوانب الذاتية للأحزاب بشكل أكبر، مع أن هناك عوامل أخرى ساهمت وتساهم في تعميق الأزمة الراهنة كتلك التي تتعلق بالأمية والهشاشة وغياب الثقافة السياسية، وتدني القيم، لا بد من مباشرة إصلاحها كذلك، بدءا بالإصلاح البنيوي للتعليم والإعلام وغيرها من المؤسسات الاجتماعية، مع أن ذلك يتطلب وقتا.
مناظرة وطنية
قبل الشروع في أي إصلاح شامل وبنيوي من شأنه تخليق الحياة الحزبية وتجاوز الأزمة العميقة التي تعيشها، لا بد من تنظيم مناظرة وطنية كبرى تشارك فيها الأحزاب وممثلو المنظمات الحكومية وغير الحكومية، لتعميق وتعميم النقاش حول الموضوع، وعرض تقييم موضوعي دقيق لأوضاع الأحزاب، والخروج بتوصيات تلتزم الأحزاب بتطبيقها لتجويد ممارستها وسلوكها السياسيين، ويمكن للجمعيات والمنظمات النشيطة في مجال تخليق الحياة العامة ومحاربة العزوف وحماية المال العام، أن توقع اتفاقيات مع هذه الأحزاب لتتبع أنشطتها وتقييم مدى التزامها بالإجراءات الكفيلة بتجديد وتجويد الممارسة والسلوك السياسيين، والديمقراطية الداخلية وغيرها...
الديمقراطية الداخلية
ليس من حق أحزاب غير ديمقراطية الحديث عن التغيير الديمقراطي، لأنها غير قادرة على تحقيق ذلك، ولأن سلوكها الفاسد لا يمنحها المصداقية لتتحدث في الموضوع وتعد الناس بأشياء لا تلتزم بها هي نفسها، ففاقد الشيء لا يعطيه، ولكي نبني أحزابا حقيقية تحترم الديمقراطية داخليا، نقترح:
– توفير شروط ظهور التيارات واختلاف الآراء والمواقف داخل نفس الحزب، وتدعيم ذلك بإصلاح شامل للقوانين الأساسية والداخلية.
– إعادة الاعتبار للمجالس الوطنية كبرلمانات تراقب وتصحح مسارات ومواقف الأحزاب، وتتدخل لحماية الديمقراطية الداخلية ومرجعية الحزب، لتجاوز مقاربة "حزب الزعيم والببغاوات"، من خلال توسيع صلاحيات هذا المجلس.
– اتفاق جميع الأحزاب على تحديد سقف لفترة قيادة الأحزاب في ولايتين لكل أمين عام/ كاتب وطني...، لوضع حد ل"الزعامات الخالدة"، والتداول على المسؤوليات الحزبية، مع التنصيص على ذلك في قوانينها.
– إدخال تعديلات على القوانين الأساسية والقوانين الداخلية للأحزاب، وتضمينها لضرورة تقديم المرشح لقيادة الحزب لبرنامج عمله خلال خمس سنوات لصالح تنظيمه، وعلى الأمين العام وأعضاء المكتب السياسي عرض حصيلة أدائهم ومدى التزامهم بتنفيذ مخطط العمل الذي وصلوا بفضله إلى القيادة، خلال كل سنة، واعتبار هذا الإجراء ضروريا وإجباريا لتجاوز العطالة ومنطق "الدكاكين الانتخابية".
– فرض شروط أكثر صرامة للاستفادة من الدعم العمومي، منها ما يتعلق باحترام الديمقراطية الداخلية، وعقد المؤتمرات في وقتها، ومدى شفافية هذه المؤتمرات والقرارات التي تصدر عنها.
– الحفاظ على استقلالية الأحزاب في قراراتها، في احترام تام للدستور والقوانين الجاري بها العمل.
عدم تمركز القرار الحزبي:
– اعتماد البعد الفيدرالي في انتخاب أعضاء الهياكل الحزبية، لتكون هناك تمثيلية لكل الجهات خصوصا في المكتب السياسي، حتى نبتعد عن "مركزية التدبير وتمركز القرار"
– التنصيص على توزيع نصف الدعم العمومي المقدم للأحزاب على الفروع الجهوية، حتى تتمكن من القيام بأدوارها وتأطير المواطنين بشكل ينبني على تكافؤ الفرص بين جميع المغاربة.
– انتقال الأحزاب من "برامج تصاغ في الرباط والدار البيضاء"، إلى برامج حزبية جهوية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات وإكراهات وإمكانيات وتطلعات المواطن في كل جهة.
– خلق أمانات جهوية بصلاحيات واسعة، مع تخفيف تبعيتها الكلية للقرار المركزي.
البلقنة الحزبية:
– تجميع الأحزاب حسب توجهاتها ومرجعياتها، لنكون أمام عدد أقل من التنظيمات بفعالية أكبر، (يمين، يمين وسط، يسار، يسار وسط، قوميين، وأحزاب بمرجعيات جديدة...)، على أساس 8 أحزاب أو 10 على الأكثر.
– التزام الأحزاب بالوضوح المرجعي والفكري وتفادي التحالفات الانتهازية الهجينة.
– إذا لم تعط هذه المقاربة أكلها، وجب تعديل قانون الأحزاب وتضمينه مادة "الحل التلقائي" انطلاقا من معيار "الشرعية الشعبية"، أي التنصيص على عدد معين من الأصوات، يتم حل كل حزب لم يحصل عليها تلقائيا، مباشرة بعد الإعلان عن نتائج كل انتخابات تشريعية (مثلا 70 ألف صوت)، وهذا القرار سيكون له وقع كبير على تخليق الحياة السياسية، وإخراج الأحزاب الصغرى من عطالتها، وتجاوز واقع "الدكاكين السياسية" التي تكتفي باستهلاك الدعم العمومي دون القيام بأي دور من أدوارها، حيث ستكون في ظل هذا الإصلاح أمام خيارين، إما العمل والاجتهاد والتدافع والتواصل المستمر مع المواطن والتفاعل مع قضاياه، حتى تحظى بثقته وتتمكن من الوصول إلى عدد من الأصوات تنقذها من الحل التلقائي، وتضمن استمراريتها، أو أن الساحة ستلفظها تلقائيا بعد نزع الشرعية الشعبية عنها، لكن مع استثناء الأحزاب الجديدة خلال ولايتين بعد تأسيسها، حتى تتاح لها الفرصة لنشر أفكارها وبرامجها، وبناء فروعها ويكون تقييم شعبيتها موضوعيا.
الحكامة والنزاهة والمحاسبة:
– طبقا لأحكام الفصل 147 من الدستور، تناط بالمجلس الأعلى للحسابات مهمة تدقيق حسابات الأحزاب السياسية، وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية، يجب توسيع اختصاصات المجلس في هذا الباب، وخلق مديرية كبرى داخله لتقوية عمل المراقبة والفحص الدقيقين.
– منح نفس الدعم المالي العمومي للأحزاب (بعد تجاوز البلقنة)، ليكون هناك تكافؤ للفرص بين جميع التنظيمات وتحظى بنفس الإمكانيات للقيام بأدوارها، مع تشديد مراقبة صرف المال العام.
– على جميع رؤساء الأحزاب ونوابهم وأعضاء المكاتب السياسية التصريح بممتلكاتهم، حتى يتم القضاء على الفساد الحزبي.
– الانتقال من "إشراف وزارة الداخلية" الكلي على الانتخابات، إلى "الإدارة الانتخابية المختلطة" من خلال خلق مؤسسة مستقلة تدبر الاستحقاقات بتنسيق مع الوزارة، والتدرج نحو "الإدارة الانتخابية المستقلة" مستقبلا.
– إشراك المجتمع المدني بشكل مكثف في مراقبة الانتخابات بشكل واسع.
– وضع رقم أخضر خاص للتبليغ عن أي استغلال للمال أو الدين، أو أي سلوك يضرب في عمق شفافية العملية الانتخابية خلال الحملة.
– منع ترشيح أي شخص له قرب عائلي من رئيس الحزب وأعضاء المكتب السياسي لمناصب تتعلق بالكوطا (خصوصا الأبناء والآباء والزوجات).
– خلق جائزة الشفافية والنزاهة كل 5 سنوات، تمنح للأحزاب التي تقوم بأدوارها وتحترم الديمقراطية الداخلية وتساهم في تجويد الممارسة والسلوك السياسيين.
– اشتراط الحصول على الشهادة الإعدادية لكل المترشحين للانتخابات الجماعية، والبكالوريا للترشح للبرلمان.
– مباشرة الأحزاب بعد تشكيلها للحكومة لتنفيذ جميع اختصاصاتها التي يكفلها لها الدستور.
الإعلام وتخليق الحياة السياسية:
– تنظيم مناظرات تبث على وسائل الإعلام العمومية لتقديم برامج الأحزاب ومناقشتها، لنشر الثقافة السياسية وتأطير المواطن لينتقل من التصويت على الأشخاص لدواع متعددة، إلى التمكن من ثقافة سياسية تؤهله للتصويت لصالح البرامج، لنكون أمام تعاقد اجتماعي واضح.
– القيام بحملات إعلامية توعوية مكثفة ضد انتشار المال الفاسد واستغلال العمل الخيري أو الدين في الانتخابات، شهرا قبل الحملة الانتخابية، وخلالها، وصولا إلى يوم الاقتراع، من خلال استعمال وسائل متنوعة بما فيها الإعلام العمومي.
– منح الأحزاب نفس الحصص الزمنية في ما يتعلق بالتدخلات والمهرجانات الخطابية خلال الحملات الانتخابية، لأن التقسيم الحالي ينطلق من مقاربة الأحزاب الصغرى/ والمتوسطة/ والكبرى، وهذا يؤثر على نتائجها في الانتخابات، والمنطق يتطلب تكريس تكافؤ الفرص بين جميع الأحزاب، لأن النتائج فقط هي من ستجعلنا نقوم بهذا التصنيف، ولا حق لنا في الحكم المسبق عليها (خصوصا بعد تجاوز البلقنة الحزبية).
– التواصل المستمر للأحزاب مع المواطن من خلال الولوج إلى مختلف وسائل الإعلام، على مدى خمس سنوات، وليس فقط خلال الانتخابات.
– ضرورة تجاوز وسائل الإعلام للمقاربة الانتقائية، من خلال استدعاء أحزاب بعينها، بل يجب فتح الباب أمام الجميع بالتساوي للتعبير عن آرائهم ومواقفهم وطرح أفكارهم وبرامجهم، وعلى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري التدخل لوقف هذا الاختلال الموجود في حضور مختلف التنظيمات في وسائل الإعلام العمومية السمعية البصرية.
التشبيب وتجديد النخب والفكر السياسي:
مع الجمود الذي عرفه الفكر السياسي، وتحول الأحزاب إلى إطارات مفرغة من مضمونها، لا تخلق ولا تبدع الأفكار السياسية، ولا تواكب التطورات والمستجدات في مختلف القضايا، بالإضافة إلى شيخوخة النخب السياسية وتدني ممارساتها وسلوك قادتها، لا بد من السماح بتأسيس بضعة أحزاب جديدة، بشرط أن تكون لديها أفكار مختلفة تواكب المرحلة، وتتوفر على كفاءات وبرامج ومرجعيات متميزة، عموما، أن تتوفر فيها معايير تجعلها قيمة مضافة للحقل السياسي، لكن الموضوعية والواقعية تجعلنا نؤكد أن التنظيمات الجديدة لوحدها غير قادرة على تحقيق التغيير الديمقراطي والتقدم، بدون إصلاحات شاملة وعميقة تمس الأحزاب القائمة بعد تجميعها، وهنا سأذكر بعض الاقتراحات التي قد تكون مفيدة في إصلاح هذه الأحزاب في اتجاه التشبيب وتجديد النخب وخلق الأفكار السياسية والاهتمام بالكفاءات القادرة على تأطير المواطنين وصياغة برامج ناجعة وواقعية:
– تخصيص 30 في المائة من الدعم الذي تحصل عليه الأحزاب للجنة الخبراء داخل كل حزب، لتجديد وخلق الأفكار السياسية والبرامج وجعل هذه التنظيمات تواكب وتتأقلم مع المستجدات وتغير العقليات والتطلعات.
– إعطاء صلاحيات مهمة للشبيبات الحزبية، في كل ما يخص قضايا الشباب، ومنحها إمكانيات لتتحول إلى فضاء للحوار والنقاش وتدبير الاختلافات، وتجديد النخب وخلق أفكار ومواقف جديدة تماشيا مع تغير السياقات ومواكبة للمستجدات في كل المجالات.
– فرض تقديم الأحزاب ل50 في المائة من وكلاء لوائحها من الشباب من الجنسين والكفاءات الحاملين للشهادات العليا، لتشبيب المؤسسات التمثيلية عوض كوطا البرلمان.
– تشبيب نصف أعضاء المكاتب السياسية والمجالس الوطنية (على أن يكون نصفهم من النساء).
السياسة والدين:
ولأن الدين لله والوطن للجميع، فدور الأحزاب لا يتعلق بشرح وتفسير الشرائع، ولا بوعد الناس بالجنة، بل يتجسد في تأطير المواطنين والتعاقد معهم على مشروع مجتمعي يستجيب لتطلعاتهم في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية، بغض النظر عن عقائدهم، لأن الدولة لا تتعامل مع الإنسان بكونه مؤمنا بدين معين، لأنها ليست مكلفة بتفتيش الضمائر وتوزيع صكوك الغفران، بل بكونه مواطنا يقوم بواجباته في مقابل التمتع بحقوقه وحرياته.
فالدين "مقدس مشترك" لا يقبل الاحتكار من طرف حزب أو جمعية أو جماعة دون غيرها، ولأن للمغرب خصوصيات تتعلق بإسلامه المعتدل والمتماهي مع قيم ثقافتنا وحضارتنا العريقة، إسلام متسامح مبني على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، ولأن مؤسسة إمارة المؤمنين ذرع حصين للأمن الروحي والاستقرار وحماية الوطن من التطرف والإرهاب، تتكلف بتدبير الشؤون الدينية للمغاربة من خلال مؤسسات كالمجلس العلمي الأعلى، فعلى الأحزاب بأذرعها الدعوية عدم التدخل في هذا المجال، والتركيز على صياغة برامجها المنصبة حول تغيير وتسهيل حياة المواطنين عبر تنفيذ مشاريع ملموسة تتعلق بخلق الثروة وتوزيعها بشكل عادل طبقيا ومجاليا، والدفاع عن الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وغيرها من القضايا.
لذلك فلا بد من تدقيق هذا الأمر في قانون الأحزاب، بالإضافة إلى منع تأسيسها على أساس عرقي أو لغوي أو جهوي.
اقتراحات لاستفزاز العقل الجماعي...
هنا لا بد أن أذكر بضرورة مباشرة إصلاح قطاعات حيوية كالتعليم والإعلام، وغرس القيم السوية في عقول الأجيال الصاعدة، لبناء مواطن يؤمن بقيم الالتزام والنزاهة والمواطنة، ومتشبع ب"الوطنية" المتجسدة في "تمغربيت"، مواطن يعرف حقوقه وواجباته، يحمل ثقافة سياسية محترمة تؤهله لاستيعاب دور "التعاقد الاجتماعي" في تحسين ظروف عيشه وقيمة صوته الانتخابي، وتمكنه من اختيار ممثليه بناء على برامج واضحة وتعاقد واقعي وواضح، وتؤهله لمتابعة ومراقبة مدى تنفيذ مضامين التعاقد الذي وقع عليه عبر صناديق الاقتراع، حتى يجعل الأحزاب مجبرة على ربط المسؤولية بالمحاسبة.
إن هذه الورقة التي أنجزتها بعد الورقة الأولى التي حاولت من خلالها تشريح ووصف الأزمة الحزبية المركبة، تتضمن اقتراحات موجهة لجميع الجهات بما فيها الأحزاب والدولة والمجتمع المدني والرأي العام الوطني، مساهمة مني في تعميق النقاش السياسي الهادئ والبناء واستفزاز العقل الجماعي، في أفق تحريك المياه الراكدة في السياسة الحزبية الوطنية، لنتمكن من الخروج من الأزمة التي تطالها منذ عقود، والتي جعلت الأحزاب غير قادرة على تجديد نفسها وتجويد فكرها وممارستها وسلوكها السياسي، ولا مواكبة لتطلعات المواطنين والتغيرات التي يشهدها المغرب والعالم.
هي اقتراحات نسبية، قابلة للإغناء والتنقيح والتصويب، والأهم هنا هو فتح باب التفكير الجماعي لتقوية ديمقراطيتنا الفتية، لأنه لا يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية دون وجود أحزاب قوية تلعب أدوارها المنوطة بها وتساهم في التغيير الديمقراطي والتنمية المستدامة لصالح الوطن والمواطنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.