تمهيد هذا سفر آخر يتضمن بعض شعراء حاضرة مراكش، وهي العالمة الشاعرة المتميزة بنشاطها المتمثل في دور جامعة ابن يوسف في شيوع التعليم والتطلع إلى الانفتاح والإصلاح مثلما حدث بجامعة القرويين بحاضرة فاس العالمة. كما كانت حاضرة مراكش شاعرة – بما سادها من روح وطنية ومن مرح وانشراح في مجالس النزه – بقريحة شعرائها الوقادة في الفصيح والملحون . ومن ثم كان العلم والشعر مجال اهتمامات المراكشيين تأليفا وتصنيفا وإبداعا ونظما، وقد تفاعلوا مع ذواتهم في واقعها العلمي والوجداني والاجتماعي.. أملا في روح التنوير ونهضة العلوم .. والتعلق بالوحدة الوطنية والتحرر من موبقات التخلف وأدران الاستعمار، مما تضمنته قصائد العرشيات والسلطانيات. وكانت صلات مراكش الأدبية مع حواضر المغرب عامة وحواضر سوس والصحراء المغربية خاصة فاعلة في ربط العلاقات الثقافية المتبادلة بين العلماء والشعراء في شتى المناسبات ، مدحا ورثاء، أما الإخوانيات فكانت ظاهرة في المجالس والأندية ذات الاهتمام بالبعد الوطني حيث اهتم أصحابها بتحميس الشباب ومقاومة الاحتلال وتداول أناشيد المقاومة، أو ذات الاهتمام بالشأن الأدبي حيث اكتست صبغتها التداولية في المعارضات والمساجلات وعناصرها البديعية. ويجسد كل ذلك توجها أدبيا أغنته الأحداث التاريخية والوطنية والعربية. وقد رسخت هذه العلاقات الثقافية مقومات الهوية الذاتية والدينية والوطنية والحضارية، مما حقق في الشعر خاصة إشعاع عواطفها الإنسانية وتوصيف جماليات ربوعها وتلقين منظوماتها التعليمية. لقد كانت الأشعار المراكشية إنجازا لعدة عطاءات التي من شأنها أن تعانق الجمال والمحبة وتشيع الألفة والحنين والحرص على استيعاب المعرفة والقيم. لذا كانت الأشعار المراكشية سجلا حافلا لمدينة لها حضورها في الواقع والذاكرة، وبينهما تفاعل بإضاءات الواقع وتنوير الفكر وتجليات التواصل. إن في حاضرة مراكش حضورا شعريا وازنا ، ولعلها من أكثر الحواضر المغربية تجمعا للشعراء الذين تآلفت أحاسيسهم ، فهناك من ولد فيها أواستوطنها أوأقام فيها أوتوفي بها ، فاحتضنتهم بسعة رحب ومنحتهم قدرة شعرية فألّقت إبداعهم مما اهتم به مؤرخوها . وهذا ما يجعلنا ندرك حضور مراكش لدى زوارها المغاربة والمشارقة وهم يفتنون بسحرها وجمالياتها .. إنها ميزة إبداعية تراكمت فيها القصائد باعتبارها قيمة إنسانية وفنية وجمالية... تألق كل ذلك في المناسبات الدينية والتظاهرات الشعرية ، وبسط كل ذلك بإحساس صوفي تفاعل مع الشعر الولوي . ومن ثم كانت ذاكرة الشعراء تمتد عبر زمان دفين في أعماق التاريخ الأندلسي بحضارته ومواقفه، عبر إمبراطورية تمتد شمالا وجنوبا وشرقا .... بشموخ مدينة كانت عاصمة التأم فيها الشعراء وشاع الشعر بين أرجائها. ويبقى الشعر بحاضرة مراكش يحمل القيم الثقافية والحضارية والإبداعية.. وإذا كان هذا السفر من « المنتقى المعين من شعراء المغرب في القرنين التاسع عشر والعشرين» لا يمثل إلا عددا قليلا من شعراء مراكش وبعض قصائدهم فمرجع ذلك يعود إلى عمل جماعي أعد برسم «معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين « الذي عرض معالم من سير شعراء مراكش بلغ عددهم خمسة وعشرين (25) شاعرا أعددت منهم ثمانية (8)شعراء وبلغ مجموع نصوصهم أربعا وأربعين (44) قصيدة ومقطوعة ونتفة، بالإضافة إلى شاعرين (2) من جارتها : حاضرة آسفي التي تأثرت بقربها علميا وأدبيا. وبلغ مجموع نصوص الشاعرين اثنثي عشرة (12) قصيدة . ولنا في تصدير أخينا الدكتور السعيد بنفرحي ما يغني الحديث عن حاضرة مراكش الشاعرة بما لها من الحضور في الساحة الأدبية المغربية والعربية، وما قاربته من مضامين وأشكال شعرية أصيلة ومحدثة ، لذا فإننا نجزل له الشكر والتقدير على صنيعه القيم. أبهجتَنا الحمراء يا خيرَ موطن ويا رمزَ هذا القطر في الشرق والغرب ملكتِ محاسن الطبيعة كلّها فصرتِ عروسا للجنوب بلا ريب حللْت من الصحراء أجملَ موقع وجاورتِ ذاك الأطلس الحرَّ عن قرب ... فيا بهجتي تيهي على كل بلدة بما نلت من حسن بديع ومن خصب ويا معشر العشاق للفن والبها هَلُمُّوا إلى الحمرا فبهجتها تُسْبي ُ مناظرها شتى فصبحُها مشرق ويومها وضاح ضحوك بلا قطب (1) فاس العالمة في 3 رجب 1443 ه الموافق 15 فبراير 2021